1
سيارة في الظلام
سيارة في الظلام
[ ]بقي حوالي ساعة وأصل... نظرت إلى ساعتي ... لقد اقتربت الساعة من الثانية عشر مساء, الوقت متأخر جداً ... لقد طالت الرحلة بي كثيرا، حتى أنى شعرت بالملل بعض الوقت, وتمنيت أن تنتهي في اكثر من مرة وأنا على الطريق, ولكني إجمالا ... لست نادمة على الطريق الذي سرت فيه.
نظرت وأنا أسير إلى المزارع التي تحيط بالطريق في الخارج ... لم يكن هناك أحد على الطريق ... لا شيء سوى عيدان من القمح تملأ جانبي الطريق... يحيط بها صمت كثيف كما لو كانت تقف في جنازة لميت عزيز...بالطبع الأهالي نامت منذ وقت طويل، ولكن ... يبدو أنه لا يوجد في هذه المنطقة عدد كبير من السكان, فأنا لم أر في خلال سيري بالعربة أي بيوت... ترى أين يسكن هؤلاء الفلاحون الذين يزرعون هذه الأرض ... ربما يسكنون في نهاية هذا الطريق.
أسمع أن في نهاية هذا الطريق هوة عميقة تفصل بيننا وبين الطريق الأخرى ... تلك الطريق الضيقة الغير ممهدة والمليئة بالعثرات ... أشكر الله أني اخترت هذا الطريق الواسع الرحب, ولكن أين الناس؟ ... لقد كان في بداية الطريق يحيط بي الكثير والكثير من الناس ... بعضهم يرشدني والبعض الآخر ينصحني والأغلبية تسليني وتساعدني على اجتياز الطريق ... والآن لا يوجد أحد سوى عيدان القمح النامية والتي تقف منتصبة شامخة . يبدو إنها خالية من القمح وإلا انحنت من ثقل ما تحمل ... يا الهي ... متى سأصل ... منذ أن أصبحت وحدي وأنا لا أتمني إلا الوصول.
وفجأة قطعت أفكاري مفاجأة كبيرة ... لقد توقفت السيارة ... يبدو أن البنزين انتهي... هل انتهت رحلتي عند هذا الحد؟!! كلا ... لابد انه توجد طريقة بها تستمر رحلتي ... فعلى الرغم من أن اشتياقي لانتهاء الرحلة إلا أني أكره الوقوف في هذا المكان ... ليس هذا هو نهاية المطاف, لم يكن هذا الأمر هو حلمي وطموحي ... لذا لابد أن تستمر هذه الرحلة
ما العمل؟!
يجب أن أتزود بالبنزين الذي يمكنني من أن أظل سائر على الطريق ... منطقة بلا سكان ... لا ... لا يمكن أن تكون هذه المنطقة مهجورة ... لابد أن هناك بعض المزارعين ... بدأت أفكر ... هل أسير في هذا الظلام؟ أم أبقى في السيارة إلى أن تشرق الشمس؟
ليس هناك ما يشغلني ويمكنني الانتظار... يا إلهي ... إن الانتظار في هذا السكون العجيب يخيفني ... الظلام حالك ومخيف ... بدأت أحس ببرودة المكان؟ ... كلا ... أنه صقيع ... صقيع لا يحتمل
يجب أن أتحرك
أسير قليلاً
هذا القمح يدل على وجود مزارعين ... على أن أعثر على أحدهم ... ربما يعيش على مقربة من الطريق ... وإن كنت لا أطن أنه يوجد عند أحد هؤلاء المزارعين بنزين يمكن أن يسير به عربتي ... لكن ربما أجد مأوى أبيت فيه هذه الليلة فقط.
سرت في الطريق أتأمل في سنابل القمح ... ومع الصقيع والبرد بدأت أجري ... ما هذا!! هذه السنابل المخيفة جعلت قلبي ينقبض ... أتخيلها أشباح تتربص بي في الظلام ... بدى لي أنها تكرهني ... لست أدري لماذا خطر لي هذا الخاطر على الرغم من أنها مجرد سنابل ... لا تشعر ولا تحس.
فجأة سمعت صوت الذئاب تعوي من بعيد ... مما زاد شعوري بالرعب تضرعت إلى الله أن أجد منزلاً سريعاً وإلا سأصاب بالجنون... دقائق قليلة مرت بدت لي كأنها دهراً ... بعدها وجدت ضوءا خافتاً ينبعث من شبح منزل.
ظللت أسير وقد هدأت نفسي قليلاً ... أخيراً سأجد مأوى ... اقتربت من المنزل الذي ينبعث من داخله ذلك النور الخفيف... المنزل ريفي كبير ويتكون من طابقين ... ظللت أقترب ... ثم عادت أنفاسي ترتجف من جديد ... أنا لا أعرف أحداً في هذا المكان الغريب... ولكن ليس أمامي فرصة أخرى ... تصنت لعلني أسمع صوتاً يدل على وجود أحد مستيقظ, وعندما اقتربت أكثر سمعت صوتاً خافتاً, أنه صوت آلة البيانو وينبعث منه لحن موسيقي غريب... اتجهت إلى باب المنزل وقد جذبني اللحن كما يجذب الرحيق النحلة إلى أن وقفت أمام الباب.
وقفت استمع من جديد إلى ذلك اللحن, لأحن رائع على الرغم من هدوئه إلا أنه يملأ القلب بمشاعر كثيرة ... بدأ ذلك اللحن يتملكني ويهز كياني ... يبدوا أن مؤلفه موسيقار بارع... وربما يكون ذلك الموسيقار قد لجأ إلى هذا المكان الهادئ لكي يخلو إلى نفسه ويؤلف موسيقاه هذه.
عندما توقف العزف مددت يدي وقرعت الباب بصوت خافت وانتظرت. مرت دقائق لم أسمع خلالها صوتاً سوى صوت دقات قلبي المتلاحقة... وددت أن أقرع الباب ثانية ولكن الباب أخيراً فتح لي.
عندما فتح الباب توقعت أن يكون هناك إنارة خفيفة تنبعث من الداخل بها أستطيع أن أتبين ما حولي, ولكن للأسف كان الظلام بالداخل مثل الخارج تماما... أما مضيفي فقد كان رجلاً لم أتبين ملامحه في هذا الظلام الدامس , وإن بدت ملامحه مألوفة لي تماماً ... هممت أن أعتذر فاندفعت أقول
- معذرة يا سيدي لأني أطرق الباب في هذا الوقت المتأخر من الليل... ولكن السيارة وقفت بي فجأة ... أعرف انه كان يجب أن اكون مستعدة أكثر من هذا حتى لا تقف السيارة بي قبل وصولي إلى هدفي ولكن ...
أوقفني بإشارة من يده... واحمرت وجنتي خجلاً إذ بدوت كعجوز بلهاء تثرثر بلا داعي ... أما هو فبمنتهى الذوق قال لي
- تفضلي بالدخول ... لقد كنت انتظرك, لا أعرف متي ستأتين , ولكني كنت أثق في مجيئك.
نظرت إليه في دهشة وسألته
- عجباً سيدي ... هل تعرفني؟
ابتسم الرجل وتجاهل سؤالي ولكنه أفسح لي المجال وأشار إلى الداخل وقال
- تفضلي بالدخول[/ ]
***
تعليق