إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بماذا يقاس الإحساس؟؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بماذا يقاس الإحساس؟؟

    بينَ ساعاتِ الحزنِ ولحظاتِ النشوى

    بقلم: أدما النحات حبيبي



    في رحلة حياتنا القصيرة هذه نعيش أحياناً نشوى بلحظات السعادة فنحسّ وكأننا امتلكنا الكون بأسره!! فنسمع عندها تغريد الطيور وحفيف الأشجار وخرير المياه المترقرقة. وتبدو لنا الطبيعة جميلة وأخَّاذة تسحر الألباب، فيها من الرونق الخلاب والنضارة الغضّة ما يبهج النفس ويفرّحها! وأحياناً أخرى نعيش لحظات الحزن فنشعر وكأنها ساعات تمشي بخطى وئيدة، نبكي فيها مآسينا ولا أحد يكفكف دموعنا، ونسترجع ماضينا ونشكو آلامنا من الحظّ العاثر فنتقوقع على ذواتنا ونعزل أنفسنا. ونشعر وكأن العالم كله قد أضحى بعيداً عنا ونحن غرباء عنه، غرباء..

    وهكذا يا إخوتي نبقى نتأرجح بين ما يبكينا وما يضحكنا، بين ما يضايقنا وما يفرّحنا، حتى لنبدو وكأننا نمتطي عجلة الزمان. يوماً يسيطر علينا الانتشاء فنفرح، ويوما آخر تأخذنا دوّامة من الحزن فنبكي ونشتكي. لكن لنقف لحظة ونفكّر معا، أليست هذه هي الدنيا بأفراحها ومسرّاتها بأحزانها وآلامها؟ بحلوها ومرّها؟ بكرّها وفرّها؟ في بحبوحتها وفي ضائقتها؟

    تحضُرني الآن من مخزن ذاكرتي هذه الكلمات للشاعرة المعروفة فدوى طوقان تصف فيها حياتها فتقول:

    "حياتي دموعْ، وقلبٌ وَلوعْ،

    وشوقٌ، وديوانُ شعرٍ وعودْ.

    حياتي أسىً كلُّها،

    إذا ما تلاشى غداً ظلُّها،

    سيبقى على الأرضِ منه صدى، هنا مُنشِدا، حياتي دموعْ، وقلبٌ وَلوعْ، وشوقٌ، وديوانُ شعرٍ، وعودْ."

    ونحن ماذا نقول عن حياتنا؟ كيف نقيّمها يا ترى؟ وما هو المقياس الذي نقيس عليه نجاحَنا وفشلَنا، أيامَنا الحلوة وأيامَنا المرة؟ ثم كيف نتعامل مع الحياة بأشكالها المختلفة؟ حقاً ليس لنا خيارٌ في ألوانها وأشكالها المتعددة، لكنْ لنا خيارٌ في كيف نتعامل مع وجهها الزاهي ووجهها القاتم. هذه تحدّيات لا بدَّ لنا أن نواجهَها في حياتنا، كلٌّ منا على حدة. والسؤال الهام هو كيف إذن نتفاعل مع الأحداث؟ هل عن طريق تحكيم العقل؟ أم عن طريق سيطرة العاطفة والأحاسيس؟ أهو الشكر في كل حين وعلى كل شيء؟ أم هو التذمُّر والشكوى والدمدمة التي لا تنتهي؟ أهو التسليمُ لمشيئة الله وإرادته الصالحة؟ أم هو الاستسلامُ القسري والخضوع اللاإرادي؟ هذه كلُّها أسئلة تواجهنا جميعاً ينبغي أن نقف عندها فنحدِّد عندها مواقفنا التي تُملي علينا بالتالي سلوكَنا وتصرفاتِنا وعلاقاتِنا.

    لكن حالما ندرك يا إخوتي أن حياتنا إنما هي نفخةٌ قد جُعلت بالنسبة للأبدية التي لا نهاية لها، وحين نبدأ بمحاسبة أنفسنا على هذا الأساس فسُرعان ما ستتغير المقاييس ونعود إلى رشدنا لكي نعيش اللحظة إلى ملئها كما يقولون بالإنكليزية:Seize the day or the moment أي لا تفوِّت عليك اليوم أو اللحظة بل عش بملئها بكل ما لها وفيها وعليها. كتب أحدهم يقول:

    "حياتنا رحلة مدهشة في قطار الأبدية. وكل ما فيها وقتيّ وآنيّ ولا بقاء له. حتى وجودنا ذاته في هذا العالم لا يتعدّى أقل القليل من لحظة واحدة من عمر هذا الكون." فهل نقدّر نسمةَ الحياة التي جُعلَتْ في أجسادِنا؟ هذه النَسمَةُ التي نفخها الله سبحانه وتعالى في آدم يوم خلقه من تراب الأرض، عندها فقط صار آدم نفسا حية. نسمة الحياة هذه هي عطية الخالق للمخلوق، وهي نسمةٌ خالدةٌ خلودَ المعطي الوهَّاب.

    فهل نقدّر بالحق عُظْمَ هذه العطية وقيمتَها الحقيقية؟

    نستطيع يا إخوتي أن نعرف قيمة نفوسنا الخالدة هذه ونقدّر عطيةَ الحياة التي منحنا إياها الله في أجسادنا عن طريق ما يعلمنا إياه الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله الموحى بها فيقول:" ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" إنَّ قيمتها الحقيقية إذن هي أغلى من كل ما في هذا العالم الذي نعيش على أرضه. وكل جواهر العالم وكنوزه لا تساويها. وعليه فلقد اختار الله ومن فرط محبته لهذه النفس البشرية وبواسطة حكمته الإلهية أن يفتدي حياة هذا الإنسان الخالدة بعد أن جُبلت بالخطية والمعصية. أجل اختار أن يفتديها من أجرة الخطية وعقابها المرير، فأرسل كلمته الأزلي يسوع المسيح الذي "وهو بهاءُ مجدِ الله ورسمُ جوهرِه وحاملُ كلِّ الأشياء بكلمة قدرته" (عبرانيين 1: 3) أرسله لكي يكون هو "الحَمَلُ" الذي يرفع خطية هذه النفس الخالدة. أخلى مجده، وتنازل عن مركزه في السماء، وأتى إلى أرضنا كابنٍ للإنسان، وعاش بيننا، وجُرِّب مثلنا لكن من دون خطية. جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس. شفى المرضى وأقام الموتى ومنح العزاء لمنكسري القلوب. ليس هذا فحسب بل صرَّح وقال: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3: 16).

    ولكي يكون للبشر حياة أبدية توَّج رأسه هو بإكليل من الشوك وضعه له الجنودُ فوق رأسه حين عُلِّق فوق الصليب وهناك مات عن الإنسان. ولكن لم ينتهِ الأمرُ هناك بل أقامه الله من بين الأموات جاعلاً إياهُ باكورةَ الراقدين. وهكذا فلقد أكمل بموته وقيامته العمل الذي أرسله الله الآب من أجله. حتى كل من يؤمن بعمل المسيح هذا على الصليب يحصل على الحياة الجديدة وعلى الغفران الأكيد والحياة الأبدية. فهل هناك من قيمة لحياتي وحياة كل شخص أكبر وأعظم من أن يضع الرب يسوع المسيح حياته من أجلها؟ وهل هناك حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه من أجل أحبائه؟

    خطة الله ومقاصده الأزلية تجعلني أخرّ وأسجد طوعاً وخشوعاً لكل ما عمله من أجل إنقاذ نفسي الخالدة ومَنحي الخلاص هبةً وعطية، والغفران كاملاً أكيدا. ليس أنا فحسب، بل كل الذين اختبروا عطية الله المجانية هذه لفداء نفوسهم وإنقاذ حياتهم الثمينة والخالدة لا بد أن يخرُّوا ويسجدوا ويُنشدوا مع المرنم هذه الكلمات الجميلة:

    فوقَ كلِّ قوةٍ ورياسةٍ،

    فوقَ كلِّ اسمٍ وسيادةٍ

    أنت قائمٌ جالسٌ في السماوات،

    تخضع لكَ كلُّ الأشياء…

    مستحقٌ أن تأخذَ المجدَ،

    القدرةَ والكرامةَ،

    قد ذُبحتَ واشتريتَنا،

    فديتَنا بدمـكَ، نحبُّــكَ…

    والآن، ما هو لسان حالنا؟ هل نقدّر قيمة نفوسنا وحياتنا التي هي مِنْحة من الله تعالى؟ هل ما عمِلَه المسيح من أجل هذه الحياة يمنحنا بُعداً آخر هو أهم بكثير من البعد المادي المرئي، بُعداً روحياً باقياً وخالداً ؟ عندها تتغيّر نظرتُنا وتتغيَّر مواقفُنا وتتغيَّر أفكارُنا؟ ولن تعود حياتُنا بحلوها ومرِّها تصبِح محطَّ تفكيرنا، وشغلنا الشاغل، بل نعلم ونتيقَّن أن حياتنا هي بيد مَنْ مات من أجلها وفداها. فهل نسلِّمه إيَّاها من جديد؟ ونشكره عليها دائماً وأبداً؟

من قاموا بقراءة الموضوع

تقليص

الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

    معلومات المنتدى

    تقليص

    من يتصفحون هذا الموضوع

    يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

      يعمل...
      X