إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

درجة الصوت مقياس للحضارة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • درجة الصوت مقياس للحضارة

    درجة الصوت مقياس للحضارة
    بقلم القس / الفريد فائق صموئيل


    معروف أن الصوت هو تلوث سمعي. وزيادة التلوث بكافة أنواعه هو علامة فقر وتدهور الحضارة؛ فالبلاد التي بلا تلوث هي الدول الحضارية. وهناك علاقة طردية بين الصوت والحضارة؛ وهي علاقة عكسية: فكلما ارتفع الصوت كلما كان ذلك علامة على تدني مستوى الحضارة، وكلما انخفض الصوت كلما كان ذلك علامة على ارتفاع مستوى الحضارة.
    في البلاد المتقدمة ـ والتي نرجو أن تكون مصر منها ـ يمارسون الهدوء ومراعاة مشاعر الآخرين بطريقة تلقائية وجميلة. عندما تزور أو تعيش في البلاد الأمريكية والأوربية وبعض البلاد العربية ستعرف أنك في بلاد متحضرة ومتقدمة. ذلك حيث الهدوء وانخفاض الصوت. فقد زرت العديد من هذه الدول وعشت في سلطنة عُمان لمدة 16 سنة ولم أنزعج من صوت مرتفع .
    والصوت الهاديء هذا سلوك بشري ناتج عن تعليم وثقافة وتدريب وقوانين وقرارات منفذة؛ فأصبحت عادة عند الناس. وهؤلاء بعد جهاد يوم عمل طويل، يذهبون إلي بيوتهم أو أماكن أخرى؛ لكنك لا تسمع صوتاً عالياً، فالكل يهمس، والأجهزة الصوتية عندما تُستعمل فهي فقط على قدر من يسمعها. ومن يستعملون الصوت العالي يكونون داخل مباني تشبه الأستوديو معزولة لكي لا يُسمع الصوت خارجها.
    أما بلادنا الحبيبة مصر فقد أُصيبت ببلاء الصوت المرتفع ـ ومصر لم تكن كذلك منذ القديم ـ فقد كانت مثل الدول الأوربية في الهدوء والنظافة. وكانت مصر دولة مُرّحبة بمختلف الجنسيات؛ بل وكانت قادرة برقيها على ابتلاع الجنسيات الأخرى لتصبح مصرية وليس العكس. فلقد كان هناك الايطالي المصري واليوناني المصري والتركي المصري؛ وليس المصري الذي تحوّل إلي إحدى هذه الجنسيات؛ لكن تعال الآن وأقرأ الأخبار وتحسر على الشباب الذي يموت في البحر وهو يحاول أن يصل بطريقة غير شرعية لإحدى الدول الأوربية. ما الذي حدث لنا؟ هل نحن حفدة الفراعنة الذين نشروا الحضارة في العالم؟
    لقد دخلت علينا في مصر بلوى الصوت العالي. إنك ترى مكبرات الصوت خارج المباني. وتسمع الميكروفونات العالية الصوت في كل مكان. حتى البائعين المتجولين يستعملون الميكروفونات المتحركة أو المحمولة على عرباتهم. ومَنْ من المصريين لم يسمع صوت البائعين الجائلين و لاسيما منادي الروبابيكيا وغيرهم. استمع إلي بائع الشرائط السمعية وهو يتجوّل في الشوارع بأعلى مكبر لصوت.
    بل وهناك منازل تستعمل الأجهزة الصوتية بصوت عالي و لاتراعي الجيران؛ لدرجة أن البعض يفتح الراديو على إذاعة معينة وبصوت مرتفع؛ وأهل البيت غير موجودين بالمنزل والراديو عالي الصوت؛ فمَنْ يسمع؟ عجيب. بل وصل داء الصوت العالي حتى إلي بعض المطاعم شبه المفتوحة 24 ساعة؛ ركبت مكبرات صوت أوسماعات قوية وتفتح إذاعات طوال النهار ومعظم أوقات الليل. وبعض الكافتيريات تفتح التليفزيون على قنوات فضائية معينة وبصوت عالي.
    ما هذا يا سادة؟ لماذا كل هذا الازعاج؟ لماذا نخالف قانون الضوضاء الصادر في مصر والذي يمنع استعمال مكبرات الصوت إلا في أوقات الآذان؟ إن الازعاج منفر ومؤذي ويسبب الأمراض العصبية بل ويؤثر على الأذن البشرية وغيرها. إن إنخفاض مستوى الحضارة وبداية علامات التخلف التي لا نرجوها لمصر ولا تريدها مصر. هناك عمال وموظفين يعملون بنظام الورديات، فمن يحميهم من الصوت المرتفع ويعطيهم قسطهم من الراحة ليصبحوا منتجين؟ من المستفيد من عدم نوم هؤلاء بسبب الازعاج؟ ما هو الموقف الذي به يمكن أن نعالج هذا الوضع الظالم لهم؟ وهناك أيضاً كبار السن والمقام الذين يحتاجون للراحة و لايجدونها بسبب الأصوات المزعجة.
    تابع معي جلسات مجلس الشعب لترى المحاولات المبذولة لتخفيض درجة علو الصوت وبالذات وقت مناقشة القضايا الساخنة. ويتمتع مجلس الشورى بصوت هادئ ومقبول نوعاً ما. تابع معي حتى الوعظ في بعض بيوت العبادة تجد الصوت العالي. ودور العبادة تتأثر بالطبع بالمجتمع. راجع نفسك وأنت في البيت والعمل فستجد الصوت العالي. انظر إلي الشارع وفي كل خطوة ستستمع للصوت المزعج. فمثلاً عندما يحدث حداث سيارة بدل أن يُحل بالتفاهم ـ يبدأ كل طرف وأولهما المخطيء بصوت عالي، ظاناً أنه بذلك سيخيف من أمامه. وبالرغم من وجود المدن الصناعية ما زال هناك بعض الورش التي تُصدر أصوات مرتفعة موجودة داخل النطاق السكني ـ هناك ورش نجارة تستعمل المنشار الكهربائي صاحب الصوت المرتفع ـ وهناك ورش حدادة تستعمل الصاروخ صاحب الصوت المزعج والمقزز.
    أعرف أصدقاء يضعون مثلي سدادات في الأذن لكن حتى السدادات لا تنفع مع درجة علو الصوت المزعج الموجود حول كثيرين مثلي. فأمام بيتي في المبنى المقابل هناك مطعم فول وطعمية أصحابه أصدقاء لنا ـ لأننا دائماً نحرص على العلاقة الطيبة مع الجيران بحسب تعليم الكتاب المقدس ـ لكنهم يفتحون الراديو المرتفع الصوت طوال ساعات عملهم والتي تصل إلي 24 ساعة تقريباً؛ فهم يسهرون حتى الساعة الثانية صباحاً ويفتحون قبل الفجر. والصوت من هذا المطعم مدعم بسماعات مضاعفة وهي مثبتة في سقف المحل المفتوح دائماً؛ وهي مصنعة وثابتة منذ عمل ديكور المطعم . وأصحاب المحل أربعة أخوة ممتازين ومكافحين ومؤدبين يديرون المطعم بنظام الورديات؛ فكل اثنين يأخذا وردية إما الصباحية أو المسائية ويبدلون الورديات؛ المهم أن جميعهم يفتحون الراديو طوال وقت العمل وكل منهم يأتي بعد أن يأخذ قسطه من الراحة؛ وقد مشيت في أوقات مختلفة عند منزلهم وليس حوله أي صوت مزعج. وراقبتهم من البلكونة لأرى أنهم لا يسمعون ولا يلتفتون لما يسمعون فهم يركزون على العمل؛ وتعودوا على الصوت المرتفع. صدقوني إنني لا أستطيع أن أنام قبل الواحدة أوالثانية صباحاً عندما ينتهي بث ذلك البرنامج من الراديو العالي والمدعم بسماعات قوية ـ وعندما يبدأ النوم في مفعوله أقوم منزعجاً لأن الوردية الثانية أتت قبل الفجر ويفتحون الراديو مرة أخرى وبصوت عالي وتسمعه بطريقة أعلى بسبب هدؤ الشارع في ذلك الوقت؛ وتسمع ذلك إلي جوار المفرمة الضخمة صاحبة الصوت العالي أيضاً؛ لكنها تتوقف بعد قليل أما الراديو فلا يتوقف. وعندما أريد أن أستريح قليلاً بعد الظهر لا أستطيع لأن صاروخ ورشة الحدادة القريبة في الحارة المجاورة للمطعم يعمل وبنشاط؛ حتى سدادة الأذن لا تنفع.
    هل عندكم حل لي؟ تقول: إذهب إليهم وتحدث معهم؛ أقول لك تحدث غيري كثيرون ولم يصلح. تقول لي القانون؛ أقول إن القانون جميل وموجود لكنه لا يُفعّل في مثل هذه الحالات وبالذات إذا كان الشاكي مسيحياً. وهناك كاتب اسلامي شهير حاول بالتي هي أحسن مع إمام المسجد الموجود أسفل عمارته ولم يفلح في منع استعمال مكبرات الصوت فيما عدا الآذان؛ فاضطر إلي رفع قضية عليه وكسبها الكاتب؛ وينعم الآن بالهدوء. فهل تريد الحكومة ملايين القضايا لتنفيذ القانون؛ مما يدمر السلام الاجتماعي؛ ويعطّل المحاكم عن أداء رسالتها القضائية في قضايا أهم.
    إلي كل الذين يتسببون في إزعاج الآخرين كتب عشرات الكُتّاب مئات المقالات في الجرائد والمجلات، وتحدّث الكثيرون في الإذاعة والتليفزيون عن هذا التلوث السمعي وخطورته على الصحة والتنمية؛ ولكن بلا نتيجة وبلا جدوى.
    أرجوكم ارحمونا ـ إن مصر صانعة الحضارة؛ فلماذا لا نستمر كذلك صانعي حضارات وليس مدمري حضارات؟ دعونا نعود للتعليم الديني الروحي السليم، ألا وهو إن تأثيرك لا يكون بالصوت العالي بل بالعكس فهو يؤذي ويشحن الآخر بالبغض والكراهية لما يسمع ـ بل عليك بالمحبة والهدوء ومراعاة أوقات ومشاعر الآخرين، وتكون أصواتنا منخفضة و لا نرغم الآخرين أن يسمعوا ما لايريدون أن يسمعوا أو انهم يريدون أن يرتاحوا في ذلك الوقت.
    وبعد كل ذلك هل سيصل كلامي هذا لمن يسببون الازعاج؟ أرجو أن يفعل ذلك المعتدلون الصامتون من رجال الدين والمثقفين والعقلاء من كل فئات شعب مصر الحبيبة.
    القس / الفريد فائق صموئيل
    قسيس إنجيلي

    D. Min. Studies, Fuller

من قاموا بقراءة الموضوع

تقليص

الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

    معلومات المنتدى

    تقليص

    من يتصفحون هذا الموضوع

    يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

      يعمل...
      X