إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة قصيرة : مَنْ يحتضن مَنْ ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة قصيرة : مَنْ يحتضن مَنْ ؟

    مَنْ يحتضن مَنْ ؟

    كان يحيى طفلا صغيرا جميلا ، له من العمر تسع سنوات ، يهوى اللعب مع أصدقاءه من أطفال مدرسة المحبة الابتدائية الذي ينتسب اليها طالبا في المرحلة الثالثة الابتدائية . وكان هناك تمثالا صغيرا للمسيح يسوع وهو مثبت بمسامير على صليب من الخشب ، معلقاً على جدار القاعة الصغيرة التي يدرس فيها .

    وكلما كان يجلس في مقعده الدراسي الصغير ، كان يدمن النظر الى تمثال ذلك الرجل العاري المثقوب اليدين والقدمين بمسامير دقت على خشبة مصلوبا أمامه .

    ونتيجة لوجوده أمامه منذ بداية العام الدراسي الى نهايته ، فقد تعود في بداية فصل الشتاء بجلب شال صوف جميل لوالدته يلفه بلطف ومحبة فوق جسد يسوع العاري ، ويتركه هكذا أيام الشتاء كلها . وعندما يأتي الربيع يرفع يحيى شال الصوف من جسد تمثال يسوع ويعيده الى والدته . وعندما تسأله معلمته لماذا تفعل ذلك يا يحيى ؟ يجيبها وعينيه ترنو الى المصلوب : عندما أُحس بالبرد تدفئني أمي بالقاء غطاء فراشي الصوفي فوق جسدي ، فأشعر بحرارة حلوة ودفء يسري في عظامي . فمن لهذا الرجل العاري دائما ان يدفئه من برد الشتاء الشديد ، وخاصة انه ليس باستطاعته أن يلف جسده بأي غطاء كان ، وأن يتدثر في فراش دافئ مثلما افعل أنا . فهو لا يستطيع أن يتحرك من مكانه لأن جسده قد ثُبتَ مسمراً على خشبة بمسامير مرعبة . وعندما أراه عاريا أُحس ببرد عظامه ، وأتمنى أن أُلقي عليه بغطاء دافئ ، مثلما تفعل أمي معي . وعندما ألفه بذلك الشال الصوفي الصغير أُحس باني نجحت في تدفئته ولو قليلا . أرجوكم لا تضحكوا علي فعملي لا يسبب لكم أدنى أذى ، ولا يسبب للتمثال أية مضرة . وكانت معلمة يحيى تشعر بحنان بالغ نحوه بعد كلماته هذه .

    وكبر يحيى . وتخرج من جامعته مخرجا مسرحيا كبيرا تدوي لأعماله المسارح بالتصفيق . ونسيَّ ما كان يفعله وهو صغير . وعدَّه هو نفسه عملا من أعمال طفولته التي لا تتفق مع علم المنطق والعقل . انها مجرد عاطفة بريئة لطفل صغير واسع المخيلة .
    وتزوج يحيى من امرأة رائعة وأنجب صبي حلو وبنتاً أحلى .


    وفي ليلة من ليالي عرض إحدى مسرحياته . ازدحم مسرح العاصمة الرئيس برواده ، والاضاءة الموجهة نحو الممثلين المتواجدين فوق خشبته كانت من الشدة ، حيث شعر جميع الممثلون بالحر الشديد والاختناق . ونتيجة لهذه الحرارة العالية والمؤثرة بدورها على درجة حرارة الأسلاك الممتدة بكثافة تحت أرضية المسرح ، انبعثت شرارة ، دون أن ينتبه أحد ، من مكان ما تحت تلك الأرضية . وتحولت تلك الشرارة بعد ثواني الى لهيب نار امتد الى الخشب والكراسي والحبال المتدلية من سقف المسرح الى خشبته ، إضافة الى احتراق جميع قطع الديكور الخشبية التي تحولت في غمظة عين الى حطب .

    وتدافع لهيب النار مجتاحا كل شيء … كل شيء . واحترقت أجساد أغلب الحضور نظرا لإزدحام المكان أولا ، ولغلق أبوابه منذ بداية العرض ثانيا . كان يحيى خارج المسرح في تلك اللحظة ، فاندفع كالمجنون محاولا الدخول الى الصالة باحثا عن أفراد عائلته الصغيرة ، فمنعه لهيب النار المندفع من باب قاعة المسرح الرئيس . لقد عجز عن رؤية شيء .

    كان الجميع يندفعون خارج القاعة يتراكضون والصراخ يصم ألاذان . كانوا اشبه ما يكونوا بمشاعل تقذف ذات اليمين وذات الشمال ، هذا يسقط جدار عليه ويحرقه ، وذاك يتعب جسده من الجري فيسقط كومة من رماد . لم يكن بمقدور يحيى أن يدخل ليعثر على أفراد عائلته الثلاثة فسقط راكعا خارج المسرح ، أو ما تبقى منه ينتحب بحزن وألم يقطع نياط القلوب .

    ومرت ساعات على هذه الأحداث ، وبعد أن هدأت النار قليلا دخل الى مسرح العرض وبدى أمامه مشهداً مهولاً ، فكل ما كان داخل مبنى المسرح قد تحول الى عدم . أخذ يقلب هذه الخشبة ، أو ما تبقى منها ، ويحرك بقايا عمود تحول من لونه الوردي الى اللون الأسود .

    وبعد تحريكه لجزء من ديكور مهدم ورفعه انتبه الى حركة جسد تحت غطاء ، رفع الغطاء بسحبة واحدة فتمزق جزء كبير منه من شدة الحرارة ، كان تحته متدثرين به أفراد عائلته الصغيرة الثلاثة .

    أما بقايا الغطاء الممزق فهو بقايا ستائر المسرح السميكة جدا والجميلة التي كانت تتدلى من سقف المسرح الى أرضيته مزينة برسم الصليب . ولكن لم يبقى منها الا خطوط واهية من بقايا رسم الصليب وكلمات تضيء أسفلها تقول :


    " يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم والى الأبد "

من قاموا بقراءة الموضوع

تقليص

الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

    معلومات المنتدى

    تقليص

    من يتصفحون هذا الموضوع

    يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

      يعمل...
      X