العلم والايمان

[سحر نعيم فتحي]

العلم والايمان

هناك كلمتين ، كثيرا ما نقرأهما في الكتب ، أو نتداولهما في أحاديثنا تقول : (العلم بالشيء) . فما هو هذا العلم ؟ وما هو هذا الشيء ؟ وما علاقتهما ببعضهما ؟
العلم : هو البحث المنظم عن مظاهر الأشياء المادية التي يمكن التعامل معها من خلال حواس الانسان الخمسة (نظره ، وسمعه ، وملامسة يديه ، وتذوقه لطعامه ، وشمه للروائح) . والعلم يُعنى بالتجريب والمقارنة والتركيب والتحليل . وعبر هذه الطرق تمكن الانسان من الوصول الى مفاتيح طبيعة الأشياء في جميع نواحي حياته المادية .
والأشياء هو الوجود المادي لكل عنصر من عناصر الطبيعة . فكل شيء في الطبيعة أن كان حيا أو ميتا له خصوصيته المفردة التي تمنح ذلك الشيء صفاته ، وتمنع من اندماجه مع بقية الأشياء ، أو ذوبان صفاته في صفاتها .
وبدون وجود العالم المادي ليس هناك علم . فالعلم اخترعه الانسان لدراسة كل ما يحيط به من كائنات حية وجامدة . وتمكنه بالتالي من السيطرة على عناصر الطبيعة وأشياءها ، الذي هو جزء منها ، ولذلك قال (العلم بالشيء) فهو عالم بالأشياء وبجميع تعاملاته معها في مختلف جوانب حياته اليومية . وفقدان الانسان لحواسه الخمس أو لواحدة منها يفقده القدرة ، أو يحد منها ، على التعامل مع مفردات عالم الأشياء .
وقد صاغ الانسان نظرياته الفلسفية الخاصة في تفسير معالم جميع أشياء هذا الكون والذي سعى من خلالها ، الى إحلال فكره محل فكر الله . وكل نظرية تأخذ لها فترة زمنية تطول أو تقصر ثم تنتهي ، لتحل محلها نظرية أُخرى أحدث منها ولادة … وهكذا . وفشل الانسان في وضع فكره وإحلاله محل فكر خالقه ، لأن فكر الانسان ناقض لنقص واضعه ، وفكر الله كائن منذ الأزل ، كامل لكمال مالكه .

أما الايمان فهو أن يعتقد قلب الانسان (بموجود) محدد دون أن يقيم علاقة معه بحواسه الخمسة . ومع ذلك فهو يشعر بكون ذلك (الموجود) يعمل في حياته المادية ، ويؤثر في جسده وروحه ويمتلك فكره ، ولا يملك تفسيرا لذلك الا ايمانه بالوجود المطلق لذلك (الموجود) ، غير الخاضع الى أي نظرية مادية أو تفسير علمي فهو لا يُجَرَب ولا يُقارن ولا يُركب ولا يُحلل . والايمان لا يكون كاملا الا إذا كان ايمانا بذلك (الموجود) .
لماذا يحدث ذلك ؟ لأن الله جعل جزءً من ذاته في ذات الانسان الناقص عندما نفخ في أنفه نسمة حياة ، فحول التراب الى نفساً حياً ، لا يكتمل وجوده الا بالتصاقه بوجود خالقه .
وعندما يتطلع ذلك الانسان الى أن يبرهن على وجود الله ، تتحرك أنفاس الله الراقدة في أعماق روحه لتشعره بانها موجودة ، دون حاجة الى برهان . فنرى ان هناك عدداً من البشر نجحوا في الالتصاق بخالقهم عبير عبير أنفاسه التي أورقت لتدفئ حياتهم كلها .
وفشل آخرون في معرفة الله وذلك لسبب خارج عن إرادتهم يتمثل بارهاب فكري يحيط بحياتهم ، يمنعهم من الاتصال بخالقهم الحقيقي . فهناك أديان أو مجتمعات تحرم على الانسان الاطلاع على آيات الكتاب المقدس ، لأن اتحاد الانسان بروح الله كائن من خلال اتحاده الفكري بفكر الله من خلال كلمات كتابه المقدس . فنراهم يعيشون حياتهم كلها أشبه بالآلات الميتة القلوب والأرواح . ينفذون ما يُطلب منهم ، دون معرفة أو وعي حتى بما يقولونه ويرددونه في صلواتهم .

فالفرق بين العلم والايمان هو أن :
العلم (جسد) والايمان (روح)
العلم (مادة) والايمان (ملكوت)
العلم ان (يبرهن الانسان على وجود ما خلقه الله) والايمان أن (يعتقد بوجود الله)
العلم هو أن يرى ليعرف والايمان هو أن يؤمن ليرى

العلم هو معرفة ينقلها الانسان من محيطه الخارجي (العالم) الى محيطه الداخلي (ذهنه)
والايمان هو جزء من أنفاس الله موجودة في (ذات الانسان) وتأثيرها يشع من داخل ذات الانسان (قلبه) الى محيطه الخارجي (العالم)

العلم هو بحث الانسان عن المعرفة المادية وتصنيفها وتبويبها ليسيطر ، من خلالها ، على أرضه وبحره وسماءه ويخضعهم لسلطان قوة علمه
والايمان هو اتضاع الانسان وانسحاق قوته وجبروته أمام سلطان وعظمة من خلقه وخلق الأرض والسماء والبحر ومنحه إياهم

العلم هو ذات الانسان الناقصة
والايمان هو الآب والابن وروح القدس إله واحد مطلق الكمال

العلم هو بحث الانسان الدؤوب عن معنى لوجوده
والايمان هو بحث يسوع الدائم عن الانسان ومحاولته لضمه الى قطيع خرافه التي وحدها تعرف صوته
فهل فتحت بابك عندما طرقها ذات مساء ، لأنه اشتاق أن يتعشى وأنت معه !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي . " رؤ 3 : 20 .