إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مواعظ في موت المسيح وقيامته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مواعظ في موت المسيح وقيامته

    «أما أنا فقد علمتُ أن ولِيّي حي» (أيوب ١٩: ٢٥)


    يقول مفسرو الكتاب المقدس إن سفر أيوب أقدم الأسفار المقدسة، وبذلك يكون أيوب أول من سمى الله «وليّاً». وتلاه داود إذ قال في المزمور ١٩: «لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضيَّة أمامك يا رب، صخرتي وولِيّي».

    عانى أيوب محناً وشدائد قاسية ومريرة، ومع ذلك لم يفنَ إيمانه بالله، ولم يمت رجاؤه فيه ولم تسقط محبته. هذا المستوى الإيماني الرفيع يُرى في قوله: «أما أنا فقد علمتُ أن وليّي حي». هل تلاحظون هذه الكلمة المشبَّعة باليقين «علمت»؟ إنها لغة الإيمان الحي الذي يضعه الرب في قلوب أتقيائه الراجين رحمته. فيعبّر بها لسانهم ثقةً في الله لا تتزعزع مهما كانت الحال معاكسة. هكذا أيوب ثبت في الله رغم الأمور المعقَّدة التي تحمل على الشك والريب، فلم يقل: أظن، أخمّن، أرجو، أفتكر. وما أبعد هذه الكلمات عن لغة الإيمان القائلة في بولس: «لست أخجل، لأني عالمٌ بمن آمنت، وموقنٌ أنه قادر أن يحفظ وديعتي الى ذلك اليوم».

    قال أيوب: «علمت أن وليّي حي، والآخِر على الأرض يقوم. وبعد أن يفنى جِلْدي هذا، وبدون جسدي أرى الله، الذي أراه أنا لنفسي وليس آخر». هذه الكلمات تحمل ثلاث حقائق أشار اليها رجل الله:

    ١ - الحقيقة الأولى: متعلقة بالماضي: رأى أمانة الله وتمتَّع بشركة سعيدة معه، واختبر عنايته الغنية باللطف فسماه «وليّاً». وما أروعها من تسمية مباركة! جاءت من وحي الفداء العظيم. إذ نقرأ في لاويين ٢٥: «إذا افتقر أخوك وبيع لغريبٍ، فبعد بيعه يكون له فكاك. يفكه واحد من إخوته، أو يفكه واحد من أقرباء جسده». ومعنى هذا أن الفادي يجب أن يكون ذا قرابة مع الإنسان المطلوب فداؤه. وهذا الشرط توفَّر في المسيح، لأنه إذ كنا مُباعين تحت الخطية جاء في الوقت المعين وشاركنا في اللحم والدم، ليصير قريبنا، وبالتالي يفدينا!

    وقال الرسول بولس: «لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني». فكلمة «وليّي» إذن تليق بالمسيح المتجسد الذي وضع نفسه وتسمَّى بابن الانسان. وقد أعلن أنه لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين. ومن ميزاته انه لم يأت يهودياً ولا يونانياً، ولا رومانيا لكنه أتى «ابن إنسان» ليكون ولياً لكل إنسان. وكذلك يفترض في الولي الفادي أن يكون غنياً قادراً أن يدفع فدية أخيه، وهذا الشرط متوفر في يسوع المسيح. فهو غني في الرحمة، ومن أجل محبته الكثيرة التي احبنا بها افتدانا، لا بأشياء تفنى من فضة أو ذهب، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب، دم المسيح، معروف سابقاً قبل تأسيس العالم.

    هذه هي ميزات الولي في العهد الجديد عهد النعمة والحق، وقد لاح لأيوب فكتب ما كتب مسوقاً من الروح القدس، لأجل تعليمنا، حتى يعرف كل واحد منا هذا الولي الفادي ويتخذه ولياً ويخلص به من الغضب الآتي. فيفرح ويسبح قائلا: «هللويا. هذا وليي الفادي وقد دفع فديتي وحررني من عبودية ابليس وأرجعَ لي اعتباري كمخلوق على صورة الله. ولعل أروع ما في عمل المسيح من أجلك انه صار فاديك وفديتك في آنٍ واحد. فهو الرب المخلّص، وهو حمل الله الذي يرفع خطية العالم. وأيضاً هو محاميك أمام الناموس الذي أغلق عليك تحت الخطية، ولكي ينقذك من القصاص أخذ مكانك في الدينونة. وبعمله الكفاري تستطيع ان تقف أمام الله مبرَّراً بالنعمة.

    إن كان أيوب الذي عاش قبل الفداء بآلاف السنين أدرك ان الفادي وليٌّ حيٌّ، فكم بالحري نحن الذين نعيش في عهد الفداء ونور القيامة، يجب أن يكون لدينا اليقين أن فادينا وولينا حي؟ وإن هذا الولي الحي سيحيي أجسادنا المائتة بروحه القدوس. تذكروا قوله: «وأما أنتم فترونني. إني أنا حي فستحيون!».

    هذا كان يقين بولس الذي عبَّر عنه بالقول: «لا بد أن هذا الفاسد يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت».

    ٢ - الحقيقة الثانية: متعلقة بمجيء الولي ثانية لفداء الجسد: قال أيوب: «والآخِر على الأرض يقوم». فقد كان عنده يقين بأنه وإن مات وفني جلده، فإن وليَّه سيأتي ليحييه. والملاحظ عند أيوب أن إيمانه بهذه الحقيقة اكتمل على مراحل. ففي الأصحاح ٩: ٣٣ من سفره نلمس عنده شوقاً الى مُصالِح بينه وبين الله. وفي الأصحاح ١٦: ١٩ نرى الشوق يتحول عنده إلى يقين اذ يقول: «هوذا في السماء شهيدي». وبقوة هذا اليقين طلب إلى هذا الولي الذي في السموات أن يكون ضامناً له.

    هذه الحقائق أولاها أيوب أهميةً كبرى، وأراد لها البقاء. أراد ان تبقى تراثاً للأجيال القادمة. فقد قال: «ليت كلماتي الآن تُكتب! يا ليتها رُسمت في سفر ونُقرت إلى الأبد في الصخر بقلم حديد ورصاص!» وأمنية رجل الله تحققت فعلاً، لأن كلماته هذه كُتبت في سفر الله الصخر الذي لم تؤثر فيه أحقاب الزمن. وفوق ما توخَّى أنها كتبت في قلوب أبناء الله، وليس بحبرٍ بل بروح الله.

    ٣ - الحقيقة الثالثة: متعلقة بالمثول في حضرة الله والسكنى في منازله: قال: «وبدون جسدي أرى الله، الذي أراه أنا لنفسي وليس آخَر». هذه قمة الإيمان أن الظافر المقاد في موكب نصرة المسيح وفقاً لقول بولس: «لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح». ولنا من الولي الفادي هذا الوعد: «في بيت أبي منازل كثيرة، وإلا فإني كنتُ قد قلتُ لكم أنا أمضي لأُعدَّ لكم مكاناً. وإن مضيت وأعددتُ لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا».

    اذاً دع الموت يفعل ما يشاء، فهو في الحقيقة خادم لك يحملك إلى ديار الرب. هكذا قال بولس: «إن نُقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السماء بناءٌ من الله، بيت غير مصنوع بيد، أبدي». والجميل في ايمان أيوب أنه كان موقناً بأنه سيرى وليَّه شخصياً وليس ممثلاً له. قال: «أراه لنفسي وليس آخَر». هذا كيقين يوحنا الذي عبّر عنه بالقول: «الآن نحن أولاد الله، ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم انه إذا أُظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو».

من قاموا بقراءة الموضوع

تقليص

الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 1

معلومات المنتدى

تقليص

من يتصفحون هذا الموضوع

يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

    يعمل...
    X