حضور الله بقوة
عظة تناسب الصفة الأولى للكنيسة الصحية
قراءة أع 2: 1-4
ترجمة بتصرف للقس / الفريد فائق صموئيل
إن الكنيسة الصّحّية تَطْلبُ توجيه وقوة الروح القدس بشكل نشيط لحياتها وخدماتها اليومية.
عندما أتى يوم الخمسين، كَان جميع التلاميذ معاً بنفس واحدة وفي مكانِ واحد. وفجأة جاءَ من السّماء صوت مثل هبوب ريحِ عاصفة (عنيفة). ومَلأَ هذا الصوت كل البيت حيث كَانوا يَجْلسونَ. ورَأوا ما ظَهر لهم ألسنةَ كأنها من نّارِ وكانت منقسمة (مَفْصُولة) وجاءت واستقرت على كل واحد منهم، وكلّهم قَدْ امتلئوا من الروح القدسِ وبدءوا يَتكلّمون بألسنةَ أخرىَ كما أعطاهم ومَكّنهم الروح القدس أن ينطقوا.
إن أول خصائصِ الكنيسةِ الصّحّيةِ هي أنّ تَطْلب وبشكل نشيط إرشاد وقوة الروح القدسَ لحياتها وخدماتها اليومية. إنّ الضّرورةَ المطلقةَ لقوةِ وحضور الروح القدسِ جاءت معلنة وبوضوح عندما جاءَ يوم الخمسين وكان الـ120 مؤمنِ مُجتَمَّعين، وكان كل الناسِ في صلاةِ وإيمانِ مع ثقة في وعود الله. وكل أولئك الذينِ قَدْ تجمّعوا قَدْ اختبروا الخدمة القوية للرب يسوع المسيح. والتّلاميذ (الرسل) كَانوا هناك، والسّبعون، الذين قَدْ سبق وأرسلهم المخلص مِن قبل لإجراء آيات معجزات وعجائب. وألتحق بهم آخرون وهم هؤلاء الذين قَدْ تَحمّلوا الاضطهاد والإزعاج لكي يسيروا مع المسيحِ. ومع ذلك حتى الآن كلّهم بلا استثناء احتاجوا إلي قوة الروح القدسِ. وقَدْ أمرهم المخلص أَنْ لا يَتْركوا أورشليم القدس حتى يلبسوا ويختبروا حضور الله بقوة من الأعالي.
و لا يمكن أن يوجد هناك بديلُ لهذه الخاصيةِ أو الصفة الأولىِ للكنيسةِ الصحّية السليمةِ. فلا يمكن أن يحل محلها أية منظمة ولا أية عمليات قانونية و لا مواقف منطقية ولا حتى إدخال السرور على الشخصيات ولا الحماسُ القوي. فلا يُمكنُ لكل هذه أو غيرها أَنْ تحل محل أو نستبدلها بحضور الله القوى من خلال روحه القدوس.
أولاً: جاء الروح القدس في يوم الخمسين (ع 1)
أ. كَانَ هذا الوقت معيناً ومختاراً من الله:
1. إن الله يَسرُّ أَنْ يُرسلَ الإنعاش في أوقاتِ وفصولِ محدّدةِ في حياةِ كنيسته. هناك من تعلموا هذا الدرس في نيوانجلاند بأمريكا وغيرها. فليقد علم الله هذا الدّرسِ إِلى أولئك الذينِ يَعِيشون على طول الشريط الساحليِ في نيوانجلند وقَدْ اختبروا موجات المد في التَغيير والتَطهير. وهو قَدْ عَلّمَ نفس هذا الدّرس أيضا في الفصولِ المُتغَيِّرةِ من السّنةِ: الشّتاء، والربيع، والصيف، والخريف.
2. قالَ يسوع، "الريح تهب حيث تشاء" ومن هذا هو يُعلّمُ أن عملَ اللهِ بالروح القدسِ هو ذو سيادة، فهو له السلطان. فللفردِ، والكنيسة المحلية، والمنطقة، والأمة، يُرسلُ الله روحه وكلمته لكي يَتمم غرضه طبقاً لتصميمه القدير.
ب. إن يوم الخمسين هو وقتُ عيد حصادِ اللهِ في إسرائيل:
عندما يأتى يوم الخمسين، هو دليل على أن الحصادِ قَدْ تمَّ التلويّح به أمام الله في العبادةِ كتكريسِ كل الحصادِ في الشّكرِ إِلى اللهِ. إنّ أهميةَ وصول يوم الخمسين هي في الوقتِ الذي يُجمّعَ فيه الحصاد.
1. كان وقتاً إستراتيجياً. حيث الحشود أو الجموع من كل منطقةِ قد تَجمّعتْ في أورشليم القدس. فكان هناك في ذلك الوقت تنوع عرقي قد تمثّل، كالكاتالوجِ الكاملِ للّغاتِ التي تمَّ توَثيّقها بعد ذلك في هذا الإصحاح. لقد بدأ حصاد دولي عالمي في يوم الخمسين.
2. "كان الجميع معاً بنفس واحدة" أي أنهم كَانوا معاً بنفس واحدة وكانوا معاً في مكانِ واحد. وهكذا عندما يجتمع مسيحيون في وحدة، فإن الله يَسرُّ أَنْ يسكبَّ روحه القدوس. فهؤلاء المؤمنين قَدْ اجتمّعوا في وحدةِ في الصّلاةِ والعلاقةِ (الشركة أو الإلفة). الله لا يَسكبُّ من روحه القدوس على الناسِ المشاكسين وكثيري الخصام والنزاع. وهناك قسمات مشتركة حزينة تَخْنقُ فائدتنا للهِ. والكبرياء، والإجحاف، واللامبالاة يُعيقوا استقبالنا لحضور الله القوي في وسطنا. إنّ الكنيسةَ التي هي موحّدةُ في أمنيتها للرب يسوع المسيحِ وملكوته بدون منازعات أو مشاجرات هي مكان سيعمل فيه الله بقوة.
ثانياً: عندما يَجيءُ الرّوح بقوةِ:
أ. "بغتةً" (ع 2) فجأةً:
عندما يريد الناس أن يحققوا شيئاً فإن الأمر يتطلبُ تخطيطاً عظيماً، وتنظيماً كبيراً، وأدوات متميزة، وقوة بشرية هائلة. أما عندما يريد الله أن يحققُّ شيئاً فإنه يَعمَله "بغتةً / فجأةً".
ب. "صوت" (ع 2):
إنّ روحَ اللهِ بطبيعته صامتُ ومع ذلك فإن تأثير عمله لَيسَ صامتاً. إن نتائج حلول الرّوحِ قَدْ سُمِعتْ في ذلك اليومِ وسَتُسْمَعُ عبر العالم. إن صوت الريحِ العنيفة كان معناه أنّ صوتَ أناسِ اللهِ سَيَسْمعُ عبر العالم.
ج. "ريح" (ع 2)
في كل من العهد القديمِ والعهد الجديدِ نجد أن الكلمةِ المستعملة للرّيحِ هي نفسها الكلمة المستعملة للرّوحِ. يقارن يسوع ما بين الروح والريح في يوحنا 3 :8. يَقُولُ بأنّ الرّيح غامضةُُ، تَجيءُ وتَذْهبُ كما تريد أو مثلما تشاء. ونُذكّرُ هنا بأن إلهنا لَيسَ بالشخص الأليف العادي أو المعتاد، وهو ليس بالشخص المتوقّع ، أو المملّ. هو اللهُ القديرُ الرّهيبُ المذكور في الكتاب المقدسِ. فريحِ الرّوحِ هذه سَتُحرّكُ هذا الحشدِ أو التجمع المكون من 120 مؤمنِ إلي كل العالمِ؛ فيصير العدد 3000 شخص. لكن بدون حضور ووجود الله بقوة، فإننا نَزْحفُ، ونحبى، ونَقِيسُ مكاسبنا بالبوصاتِ. ويَصفُ النّصُ الرّيحَ بأنها مثل "الهبوب" النَفْخ وكذلك بأنها "عاصفة" أي عنيفة قوية.إنها "ريح عاصفة" عنيفة مثل الإعصار، لا يستطيع أن شيء أَنْ يُقاومها أو يقف في طريقها ليعترضها، إنها ريح هَزَّت كل المكانَ حيث قد اجتمع المؤمنون، متذكّرين بذلك أنه لا يوجد هناك شيء يُمكنُ أَنْ يَقفَ أمام تقدم الروحِ.
د. "مَلأَ كل البيت حيث كَانوا جالسينَ" (ع 2):
إن الله لا يَحْصرُ في مكانِ واحد، أو غرفة واحدة، أو مكان مقدّس واحد، أو مذبح واحد، أو كنيسة واحدة. عندما يَجيءُ حضور الله بقوة في وسطنا، فإنه يَمْلأُ كل المكانَ بحضوره.
هـ. "ألسنة من نّارِ" (ع 3):
الله، الذي هو نار آكلة، يَكْشفُ نفسه هنا. فهو قد كَانَ مثل عمودِ النّارِ في رحلةِ البرية لشعبه، والآن في يومِ الخمسين نفس هذا الإله الذي هو نّارِ يَحُومُ حول ويرف على كنيسةِ العهد الجديدِ. إنها نفس النّار لكل المؤمنين، لكن النّارَ تَظْهرُ بشكل فردي على كل مسيحيِ.
و. "استقرت على كل واحد منهم" (ع 3):
وهذا يشير للتّأثير الثابت للروح القدسِ بينما هو يَعْملُ خلال كل صفة وشخصية متفردة.
ثالثاً: ملء حضور الله بقوة:
أ. "وامتلأ الجميع من الروح القدسِ " (ع 4):
إن أصوات حضورِ الرّوحِ وألسنةِ النّارِ كَانت رموزاََ لحضورِ الرّوحِ. إنّ العملَ الحقيقيَ يَتمُّ الآن بينما يمتلأ المؤمنين بالروح القدسِ.
1. إن حضور الله بقوة لَيسَ عاملَ انقسامَ في الكنيسةِ لكن بالأحرىَ هو عامل توحيد. كل المؤمنين هم ممتلئين من الرّوحِ القدس. وهذه لَيستْ هبة مؤقتة إختيارية خاصة قد أُعطيت للبعض. إن يسوع يُعلّمُ في يوحنا 3: 5و6 إن الجسد يَلدُ جسداً لكن الرّوحَ يَلدُ روحاًَ.
2. يَحْثُّ الرسولُ بولس كل المؤمنين في إفسس 5 :18 أَنْ يَستمرَّوا مَمْتلئين بالرّوحِ. إن الملء بالرّوحِ، كما يُعلّمُ الرسول بولس، لا يَقاسُ بمكاييل أو أوزان لكنه واضح في ترنيم " المزامير، و التسابيح أو التراتيل والأغاني الروحية . . . . في قلوبكم للربِ، شاكرين كل حين على كل شيء أي يَعطي دائما شكرا ِللهِ " (ع19و20). وعمل الرّوحِ عندئذٍ يُرى في العلاقةِ الصّحيحةِ في الزّواجِ، والعائلة، والعمل. وفي الحضورِ القويِ لملكوت اللهِ تجاه موضوع الحرب الرّوحية. ويَعطي الكتاب المقدس عدد من التعبيرات للملء بالرّوحِ: السّلام في وسطِ الضّوضاءِ والمعاناة، الاشتياق للحق في ولع نحو الحقيقة، الشفقة نحو الناسِ، النمو المسيحي، ثمر الرّوحِ، ومواهب وعطايا الرّوحِ القدس في الفعل.
ب. دراسة سيرة بطرس:
إن بطرس، بدون حضور الله بقوة في حياته، تفاخر وتكبر وتعالى أمام المخلصِ، "لا يمكن أبداً أن أنكرك". ومع ذلك وبعدها بوقت قليل من قوله نجده يَلْعنُ ويُقسم أو يحلف في عمليه إنكاره لمخلصه الرب يسوع المسيح . وبطرس بدون قوة الرّوحِ يَغْرقُ في بحرِ الشّكِّ وحتى إنه تَجاسرَ لكي يُصحّحَ للرب في عدة مناسباتِ.
1. الآن نَرى بطرس وقد تقوى بحضور ووجود الله في حياته يَقفُ بشكل جرئ في وسطِ آلافِ الناسِ. ويُعلنُ بقوة أن يسوع المسيح هو الرب، وثلاثة آلاف إنسان يتحوّلون للمسيحية.
2. يَستمرُّ بطرس في التمتع بحضورِ اللهِ، يشفي الناس ويعلن بشكل جريء أمام حكّام شعبه، "لأننا نحن لا يُمكنُنا أَنْ لا نتَكَلُّم بما رَأينَا وسَمعنَا " ( أَعمال 4: 20).
3. ونحن أيضاً سَنَستقبلُ حضور الله بقوة في حياتنا، بينما نرغب ونريد أَنْ نتمتع أكثر فأكثر بسيطرةِ الروح القدسِ ونختبر نفس التّحويل القوي الذي غير بطرس.
رابعاً: تأثير حضور اللهِ بقوة:
أ. عظة (ع 14-36):
أعطى الله روحه القدوس ليُساعدَ بطرس أن يعظ. وكَانتْ عظته فعّالةَ بسبب بساطتها ووضوحها. ووعظ بطرس عن سّيادة وربوبية الرب يسوع المسيح بوضوح. إن ملء الرّوحِ سَيَجْعلنا نعظ بالرب يسوع المسيحَ في كل مكان، ببساطة، بوضوح، وبشكل مباشر.
ب. تحويلات وتغييرات (ع 37-41):
نجد أن الناس صِاحوا وصرخوا بعد العظة بعد أن نُخسوا في قلوبهم، "ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟" مثلما قال غيرهم فيما بعد: "ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" وعندما تكون حياتنا عظة عن الرب يسوع المسيحَ، سينجذب الناس إليه. وهذه شهادةُ المشاهدين في عدد 8: "فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي وُلد فيها!"
ج. اعتراف خارجي (ع 41):
إن حضور ووجود الله بقوة في الحياة الآن يُمكّنُ المُتحَوَّلين والمتغيرين للمسيحية أَنْ يَجْعلوا الاعتراف الخارجي للعملِ الدّاخليِ بواسطة نعمةِ اللهِ والتغيير واضحاً. ويُعلنونَ تصميمهم بشكل جرئ لكي يتبعوا الرب يسوع المسيح. هذا هو عملُ الروح القدسِ، الذي هو أساسيُ بالتأكيد عندما يَرْجع الضالين للبيت إِلى حبِّ اللهِ الأبِ. آمين.