كتبها لكم: عماد حنا
انتهى أبو عيسى من آخر زبون.. وجلس يستريح... كانت الساعة التاسعة مساءا في ليلة باردة، جلس أمام المدفأه ونظر الى الخارج.. كانت الدنيا مظلمة فكل المحلات كانت قد أقفلت أبوابها ولم يبق الا هو .. امتدت يده بجانب المدفئه يدفئها وتناول سيجارة وأخذ يدخنها في هدوء.. وهو شارد..
وأبو عيسى رجل صاحب مزاج ولا يفعل إلا ما يحب أن يفعله فهو يفتح محل للأنتيكات وهو متفوق في مهنته ويحبها. ويربح منها الكثير إذ أن بلده بها لكثير من السائحين الذين لا يخرجون من البلد إلا ومعهم الكثير والكثير من التذكارات الجميلة . كان يشعر أن مهنته هذه مهنة فنان وكان هو من داخله فنان. فنان فيه كل أخلاقيات ومشاعر الفنان.. لذلك لكي يجيد مهنته. فهو لم يكن مجرد تاجر .. بل مصصم لتلك التحف ولديه ورشة صغيرة لعمل كل تلك الانتيكات التي يبيعها لم يكتف بالتدريب والتعليم على يد فنان آخر ولكنه انتظم في دورة تدريبية في إيطاليا وهناك مكث ثلاث شهور يتدرب مع رجال آخرين ومن فرط شغفه بهذه المهنة تفوق على الجميع ليحصل على شهادة المركز الأول.. ليس هذا فقط ما يمتلكه أبو عيسى من موهبة ولكنه أيضا يمتلك صوت جبلي جميل قوي ورنان.. وهو يعرف امكانيات صوته جيدا. فيغني في كل فرصة حتى أنه احترف الغناء.. وعندما يذهب الى أي حفله يجلجل بصوته الأشبه بصوت وديع الصافي فيشدوا بتلك الالحان الجبلية التي يتسم بها الفنان وديع وايضا الالحان التراثية التي تعبر عن بلده العريق القدس.
إذا دخلت الى حانوته سوف تجد أدوات الموسيقي موجودة من عود وقيثارة وميكروفون وأجهزة تسجيل.. فهو محل للأنتيكات وورشة فنية واستديو في نفس الوقت .وتجده في الأوقات التي يخلوا فيها دكانه من الزبائن يخلوا الى نفسه ويمسك بالعود ويدير جهاز التسجيل ويعلو صوته في صالونه القابع في ممر ملئ بالمحلات الأخرى التي تبيع الملابس واكسسوارات السيدات بل والكتب أيضا .. وسرعان ما يقف على بابه جمهور غفير يستمتع بأغانيه.. ولا يوقفه الا شخص يدخل الى المحل ويبدأ في العبث بالأنتيكات المعروضه ويحاول أن يجذب أبو عيسى لكي يتحاور معه عندئذ يترك أبو عيسى عوده ويستعد لابراز موهبته الفنية الأخرى مع ذلك الزبون.
ومحل أبو عيسى ليس فقط محل أنتيكات و استديو فقط ولكنه بار أيضا .. إذ أحب أبو عيسى المشروب كثيرا.. بل وأدمنه وفي نهاية اليوم ان لم يكن مدعوا في حفلة أو ماشابه لا يخرج من محله الا وقد شرب من الخمور ما يجعله ينسى كل من حوله.. أيضا هو يخرج من محله ليذهب الى منزله مترنحا وفاقدا أغلب ما كسبه في النهار ان لم يكن كله .. فكان مصدر بؤس وشقاء لعائلته التي من المفروض أن عائلها لديه كل امكانيات التفوق والثراء بسبب مواهبه التي تدر له مالا كثيرا ولكنه ينفق كل ما يكسب ببساطه ويرجع اليهم سكران.
في ذلك المساء لم يكن أبو عيسى مدعوا في أي حفل .. وكانت الدنيا تمطر مطرا غزيرا في الخارج فلم يكن من المتوقع أن يدخل أي زبون في هذا الوقت الصعب .. انتهى من سيجارته وذهب الى البار فأخرج زجاجة من مشروبه المفضل وعلبة من سمك التونه ليفتح العلبة ويجهز وجبة عشاء خفيفة ويعد المائدة التي تحتوي على كل ما يشتهي .. ثم يذهب ليدير جهاز التلفزيون الموصل بستالايت كبير ليكمل مزاجه.. يوجه أبو عيسى الطبق على القمر الاوربي باحثا عن اللذة والمتعة في فيلم اباحي وان كان لا يفهم ما يقولون ولكن يكفيه المناظر المثيرة التي تشعره بأن ليلته اكتملت .. ويستغرق وقتا في البحث عن محطة تشده.. ولكن في هذه الليلة بالذات لم يصل الى بغيته إذ فجأة أوقفته محطة غريبة ليس لأن فيها ما ينشده ولكن لأنها تتحدث بالعربية على غير المعتاد.. وقف ينظر الى تلك المحطة محاولا استكشافها .. فما هي هذه المحطة التي تنطق بالعربية وتبث داخل المجموعة الاوربية .. وما شده أكثر الى هذه المحطه أنه وجد شكل آلة العود الموسيقية على مقدمة برنامج عنوانه (فاترينة) وشخص يعزف .. ولأن الموسيقى دائما هي موضوع أهتمام أبو عيسى لذلك أسرع ليأتي بشريط فيديو ليسجل ما هو آتي وجلس مسرعا أمام طاولة الطعام ليشاهد البرنامج. مع وجبته اللذيذة وشرابه المفضل...
***
كان الحوار محوره عن ذلك التغيير الذي حدث لذلك الشاب.. أمسك أبو عيسى زجاجة الشراب يجترع منها ما طاب له وهو يستمع الى الشاب الذي قال عن نفسه أن اسمه ماهر فايز.. الذي كان يحكي قصته .. قصته؟ .. قصة من ؟ هل هي قصة ابو عيسى أم قصة ماهر فايز .. لم يعلم .. لقد كان ماهر يحكي عن شاب مليء بالمواهب ..ولكنه مدمن كل أنواع الادمانات الموجودة من كحوليات ومخدرات !! أخذ ابو عيسى ينظر الى الزجاجة التي أمامه وهو يستمع الى ماهر فايز صاحب الصوت الجميل وموهبته الموسيقية الرائعة ويعود لينظر الى الته الموسيقية الموجودة داخل صالونه وصوره المعلقة وهو يغني في الملاهي الليلية وسط تصفيق الناس ونشوتهم بصوته .. ومن جديد يستمع الى ماهر وهو يحكي عن شعوره بالضياع والألم والتيه في ذلك العالم الصعب .. ولأول مرة يفكر ابو عيسى في نفسه ويتساءل
- هل أنا راضي عن نفسي .. عن معيشتي .. عن أسلوبي في الحياة ؟
سؤال لم يفكر فيه من قبل .. شرب كأس أخرى وأشعل سيجارة ووضعها في يده وهو يتذكر زوجته وأولاده ومعاناتهم للحصول منه على النقود ويرجع لينظر الى زجاجته الفخمة الباهظة الثمن الذي يمتلك منها أكثر من واحدة في صالونه غير ما يتجرعه يوميا في الحانات والملاهي حيث يعمل . ليكتشف أنه هو أيضا ضائع.. انه يفعل هذه الأمور دون أن يعرف لماذا؟ .. فقط لأن في يده (مصاري) .. ولأنه يحب هذا الامر حتى صار في كيانه ..
يتساءل ماهر فايز في كلامه عن ماضيه ويقول .. لم أكن أعرف لماذا أعيش ؟ لا يوجد معنى أو هدف في حياتي ؟
وبدوره يفكر ابو عيسى في حياته ويتساءل .. لماذا يعيش ؟؟ سؤال لما يفكر فيه من قبل .. وفوجئ أنه لم يعرف اجابة.. أولاده وزوجته لم يكونوا ضمن اهتمامته .. دكانه وفنه هم مصدر متعة له ولكن ماذا يريد ان يصل من ورائهم ؟ .. لا يعرف ..
تناول ابو عيسى ما تبقى من زجاجته و غاب سارحا في ماضيه كثيرا جدا.. حتى أنه لم يكمل البرنامج .. لقد تحول البرنامج الى شخصين يتحدثان دون أن يعرف ماذا يقولان .. لقد غاص في أعماق نفسه ليكتشف انه لم يحقق شيئا يذكر .. وشعر بالحزن .. الحزن الشديد .. وصلت نيران السيجارة الى أصابعه لينتفض بسرعة ليكتشف انها احترقت دون أن يستمتع بها أو يدخنها .. لقد احترقت بلا هدف .. ألقاها عنه وقال في أسى
- ليست السيجارة وحدها التي تحترق بلا هدف .. حياتي كلها تحترق بلا هدف .
أعادته السيجارة الى حالته و اكتشف انه نسي أن يأكل .. فقط تجرع زجاجة كاملة من المشروب الكحولي على معدة خالية أدارت رأسه كثيرا .. قام ليغلق التلفزيون ليجد البرنامج يعلن عن قرب انتهاؤه فيقرأ عبارة تقول للرد على أي استفسار يمكنك الاتصال بأرقام التليفونات التالية .. أمسك بورقة وقلم وبصعوبة شديدة كتب رقم التليفون الخاص بدولة فلسطين وأغلق التلفزيون وجلس وقد دارت عيناه كثيرا ممن شربه .. ولكن بعد لحظات أدار الرقم ليجد على الخط مع شخص يقول له "خدمة المشورة المسيحية معك .. بماذا يمكن أن أخدمك .."
وبكلامات متعثرة تائهة قال له
- أريد أن أتكلم معك .. هل تسمح لي بموعد ؟
- بالتأكيد .. هل تعرف عنواننا ؟
- لا
- اذن اكتب هذا العنوان .. وأنتظرك غدا في الساعة التاسعة والنصف صباحاً
- أسأل على من؟
- اسأل على وسيم .. وأنا سأكون في انتظارك
أغلق أبو عيسى التليفون .. ووضع العنوان في جيبه .. وأغلق دكانه ليكمل سهرته في الملهى الذي تعود أن يقضي سهرته فيه ... كانت الدنيا لا تزال تمطر .. أخذ تاكسي .. وذهب ليقضي سهرته وفي ساعة متأخرة جدا من الليل رجع الى بيته لا يرى أي شئ من حوله من فرط الدخان والمشروب ليرتمي على سريره دون أن يغير ملابسه ويذهب في سبات عميق .
انتهى أبو عيسى من آخر زبون.. وجلس يستريح... كانت الساعة التاسعة مساءا في ليلة باردة، جلس أمام المدفأه ونظر الى الخارج.. كانت الدنيا مظلمة فكل المحلات كانت قد أقفلت أبوابها ولم يبق الا هو .. امتدت يده بجانب المدفئه يدفئها وتناول سيجارة وأخذ يدخنها في هدوء.. وهو شارد..
وأبو عيسى رجل صاحب مزاج ولا يفعل إلا ما يحب أن يفعله فهو يفتح محل للأنتيكات وهو متفوق في مهنته ويحبها. ويربح منها الكثير إذ أن بلده بها لكثير من السائحين الذين لا يخرجون من البلد إلا ومعهم الكثير والكثير من التذكارات الجميلة . كان يشعر أن مهنته هذه مهنة فنان وكان هو من داخله فنان. فنان فيه كل أخلاقيات ومشاعر الفنان.. لذلك لكي يجيد مهنته. فهو لم يكن مجرد تاجر .. بل مصصم لتلك التحف ولديه ورشة صغيرة لعمل كل تلك الانتيكات التي يبيعها لم يكتف بالتدريب والتعليم على يد فنان آخر ولكنه انتظم في دورة تدريبية في إيطاليا وهناك مكث ثلاث شهور يتدرب مع رجال آخرين ومن فرط شغفه بهذه المهنة تفوق على الجميع ليحصل على شهادة المركز الأول.. ليس هذا فقط ما يمتلكه أبو عيسى من موهبة ولكنه أيضا يمتلك صوت جبلي جميل قوي ورنان.. وهو يعرف امكانيات صوته جيدا. فيغني في كل فرصة حتى أنه احترف الغناء.. وعندما يذهب الى أي حفله يجلجل بصوته الأشبه بصوت وديع الصافي فيشدوا بتلك الالحان الجبلية التي يتسم بها الفنان وديع وايضا الالحان التراثية التي تعبر عن بلده العريق القدس.
إذا دخلت الى حانوته سوف تجد أدوات الموسيقي موجودة من عود وقيثارة وميكروفون وأجهزة تسجيل.. فهو محل للأنتيكات وورشة فنية واستديو في نفس الوقت .وتجده في الأوقات التي يخلوا فيها دكانه من الزبائن يخلوا الى نفسه ويمسك بالعود ويدير جهاز التسجيل ويعلو صوته في صالونه القابع في ممر ملئ بالمحلات الأخرى التي تبيع الملابس واكسسوارات السيدات بل والكتب أيضا .. وسرعان ما يقف على بابه جمهور غفير يستمتع بأغانيه.. ولا يوقفه الا شخص يدخل الى المحل ويبدأ في العبث بالأنتيكات المعروضه ويحاول أن يجذب أبو عيسى لكي يتحاور معه عندئذ يترك أبو عيسى عوده ويستعد لابراز موهبته الفنية الأخرى مع ذلك الزبون.
ومحل أبو عيسى ليس فقط محل أنتيكات و استديو فقط ولكنه بار أيضا .. إذ أحب أبو عيسى المشروب كثيرا.. بل وأدمنه وفي نهاية اليوم ان لم يكن مدعوا في حفلة أو ماشابه لا يخرج من محله الا وقد شرب من الخمور ما يجعله ينسى كل من حوله.. أيضا هو يخرج من محله ليذهب الى منزله مترنحا وفاقدا أغلب ما كسبه في النهار ان لم يكن كله .. فكان مصدر بؤس وشقاء لعائلته التي من المفروض أن عائلها لديه كل امكانيات التفوق والثراء بسبب مواهبه التي تدر له مالا كثيرا ولكنه ينفق كل ما يكسب ببساطه ويرجع اليهم سكران.
في ذلك المساء لم يكن أبو عيسى مدعوا في أي حفل .. وكانت الدنيا تمطر مطرا غزيرا في الخارج فلم يكن من المتوقع أن يدخل أي زبون في هذا الوقت الصعب .. انتهى من سيجارته وذهب الى البار فأخرج زجاجة من مشروبه المفضل وعلبة من سمك التونه ليفتح العلبة ويجهز وجبة عشاء خفيفة ويعد المائدة التي تحتوي على كل ما يشتهي .. ثم يذهب ليدير جهاز التلفزيون الموصل بستالايت كبير ليكمل مزاجه.. يوجه أبو عيسى الطبق على القمر الاوربي باحثا عن اللذة والمتعة في فيلم اباحي وان كان لا يفهم ما يقولون ولكن يكفيه المناظر المثيرة التي تشعره بأن ليلته اكتملت .. ويستغرق وقتا في البحث عن محطة تشده.. ولكن في هذه الليلة بالذات لم يصل الى بغيته إذ فجأة أوقفته محطة غريبة ليس لأن فيها ما ينشده ولكن لأنها تتحدث بالعربية على غير المعتاد.. وقف ينظر الى تلك المحطة محاولا استكشافها .. فما هي هذه المحطة التي تنطق بالعربية وتبث داخل المجموعة الاوربية .. وما شده أكثر الى هذه المحطه أنه وجد شكل آلة العود الموسيقية على مقدمة برنامج عنوانه (فاترينة) وشخص يعزف .. ولأن الموسيقى دائما هي موضوع أهتمام أبو عيسى لذلك أسرع ليأتي بشريط فيديو ليسجل ما هو آتي وجلس مسرعا أمام طاولة الطعام ليشاهد البرنامج. مع وجبته اللذيذة وشرابه المفضل...
***
كان الحوار محوره عن ذلك التغيير الذي حدث لذلك الشاب.. أمسك أبو عيسى زجاجة الشراب يجترع منها ما طاب له وهو يستمع الى الشاب الذي قال عن نفسه أن اسمه ماهر فايز.. الذي كان يحكي قصته .. قصته؟ .. قصة من ؟ هل هي قصة ابو عيسى أم قصة ماهر فايز .. لم يعلم .. لقد كان ماهر يحكي عن شاب مليء بالمواهب ..ولكنه مدمن كل أنواع الادمانات الموجودة من كحوليات ومخدرات !! أخذ ابو عيسى ينظر الى الزجاجة التي أمامه وهو يستمع الى ماهر فايز صاحب الصوت الجميل وموهبته الموسيقية الرائعة ويعود لينظر الى الته الموسيقية الموجودة داخل صالونه وصوره المعلقة وهو يغني في الملاهي الليلية وسط تصفيق الناس ونشوتهم بصوته .. ومن جديد يستمع الى ماهر وهو يحكي عن شعوره بالضياع والألم والتيه في ذلك العالم الصعب .. ولأول مرة يفكر ابو عيسى في نفسه ويتساءل
- هل أنا راضي عن نفسي .. عن معيشتي .. عن أسلوبي في الحياة ؟
سؤال لم يفكر فيه من قبل .. شرب كأس أخرى وأشعل سيجارة ووضعها في يده وهو يتذكر زوجته وأولاده ومعاناتهم للحصول منه على النقود ويرجع لينظر الى زجاجته الفخمة الباهظة الثمن الذي يمتلك منها أكثر من واحدة في صالونه غير ما يتجرعه يوميا في الحانات والملاهي حيث يعمل . ليكتشف أنه هو أيضا ضائع.. انه يفعل هذه الأمور دون أن يعرف لماذا؟ .. فقط لأن في يده (مصاري) .. ولأنه يحب هذا الامر حتى صار في كيانه ..
يتساءل ماهر فايز في كلامه عن ماضيه ويقول .. لم أكن أعرف لماذا أعيش ؟ لا يوجد معنى أو هدف في حياتي ؟
وبدوره يفكر ابو عيسى في حياته ويتساءل .. لماذا يعيش ؟؟ سؤال لما يفكر فيه من قبل .. وفوجئ أنه لم يعرف اجابة.. أولاده وزوجته لم يكونوا ضمن اهتمامته .. دكانه وفنه هم مصدر متعة له ولكن ماذا يريد ان يصل من ورائهم ؟ .. لا يعرف ..
تناول ابو عيسى ما تبقى من زجاجته و غاب سارحا في ماضيه كثيرا جدا.. حتى أنه لم يكمل البرنامج .. لقد تحول البرنامج الى شخصين يتحدثان دون أن يعرف ماذا يقولان .. لقد غاص في أعماق نفسه ليكتشف انه لم يحقق شيئا يذكر .. وشعر بالحزن .. الحزن الشديد .. وصلت نيران السيجارة الى أصابعه لينتفض بسرعة ليكتشف انها احترقت دون أن يستمتع بها أو يدخنها .. لقد احترقت بلا هدف .. ألقاها عنه وقال في أسى
- ليست السيجارة وحدها التي تحترق بلا هدف .. حياتي كلها تحترق بلا هدف .
أعادته السيجارة الى حالته و اكتشف انه نسي أن يأكل .. فقط تجرع زجاجة كاملة من المشروب الكحولي على معدة خالية أدارت رأسه كثيرا .. قام ليغلق التلفزيون ليجد البرنامج يعلن عن قرب انتهاؤه فيقرأ عبارة تقول للرد على أي استفسار يمكنك الاتصال بأرقام التليفونات التالية .. أمسك بورقة وقلم وبصعوبة شديدة كتب رقم التليفون الخاص بدولة فلسطين وأغلق التلفزيون وجلس وقد دارت عيناه كثيرا ممن شربه .. ولكن بعد لحظات أدار الرقم ليجد على الخط مع شخص يقول له "خدمة المشورة المسيحية معك .. بماذا يمكن أن أخدمك .."
وبكلامات متعثرة تائهة قال له
- أريد أن أتكلم معك .. هل تسمح لي بموعد ؟
- بالتأكيد .. هل تعرف عنواننا ؟
- لا
- اذن اكتب هذا العنوان .. وأنتظرك غدا في الساعة التاسعة والنصف صباحاً
- أسأل على من؟
- اسأل على وسيم .. وأنا سأكون في انتظارك
أغلق أبو عيسى التليفون .. ووضع العنوان في جيبه .. وأغلق دكانه ليكمل سهرته في الملهى الذي تعود أن يقضي سهرته فيه ... كانت الدنيا لا تزال تمطر .. أخذ تاكسي .. وذهب ليقضي سهرته وفي ساعة متأخرة جدا من الليل رجع الى بيته لا يرى أي شئ من حوله من فرط الدخان والمشروب ليرتمي على سريره دون أن يغير ملابسه ويذهب في سبات عميق .
تعليق