الكتيب الاول
الجواسيس
بقلم الكاتب:- عماد حنا
(1)
ما قبل البداية
نظرة من جبل نبو
في وقار الشيوخ كان يصعد ذلك الرجل المهيب إلي الجبل متكئا علي عصاه تاركا وراءه تعب السنين وآلامها وأيضا انتصاراتها ..
كان يعرف انه لن يعود ثانية لأسفل ، ربما كان من الرجال القلائل الذي عرف بميعاد موته من قبلها بفترة ، ومع ذلك لم يكن خائفا او مضطربا بل علي العكس لم تفقد عيناه بريقها ولم تفقد يداه قوتها ، كان يصعد غير آبه بما سيحدث بل كان في ذهنه شئ واحد .. أن يري ذلك المكان الذي بذل تلك السنين في الوصول إليه والتمتع به .
لقد حانت تلك اللحظة يا موسى
تلك اللحظة التي تمنيتها وعشت لأجلها منذ كنت رضيعا . لقد أرضعتك أمك يوكابد مع لبنها ذلك الموعد الذي وعد الله به آباؤك وعشت تنتظر تحقيق ذلك الموعد الذي وعد الله به آباؤك و عشت تنتظر تحقيق ذلك الوعد طوال سني حياتك ومنذ أن كنت صبيا في منزل ابنة فرعون العظيم رمسيس الثاني(1 ) .. أخذت علي عاتقك أنك ستكون منفذ ذلك الوعد لامتك وشعبك ..
وعندما صرت رجلا بدأت في تنفيذ فكرتك
ولكن الفكرة باءت بالفشل
لم تكن مصحوبة بقوة العلي
لذلك .. من أنت حتى تقف في وجه فرعون العظيم ..
ومن أنت .. لتجد السند من شعبك !!
الشعب .. هو أول من رفضك(2 )
وآثار فرعون ضدك
حتى طلب قتلك
فهربت إلي البرية أربعين سنة كاملة !!!
***
ابتسم موسى وهو يتذكر ذلك التاريخ القديم وهو ير نفسه برعونة الشباب و حماسهم يقتل المصري مدافعا عن بني جنسه ، كان يتوقع أن ينهض الشعب اليهودي كله اثر ذلك ويتوجه ملكا يهزم المصريين ويخرج مع الشعب آلي ارض الموعد .
ولكن الذي حدث أنه بعد هذا الأمر صرخ فيه أحد أبناء الشعب قائلا : ( من أقامك رئيسا علينا ) ..
وعندها عرف ..
عرف آن أمره قد افتضح
وانه لن يجد من يناصره
وأنه قريبا سوف يطلب فرعون نفسه
ولم يجد سوي حل واحد
الهروب .
فهرب مضحيا أحلى سنين عمره ليعمل راعيا للغنم في ارض غريبة .. تاركا ذلك المجد العظيم وتلك العيشة الفاخرة في اعظم قصر يمكن أن يعيش فيه إنسان في ذلك الوقت في أكبر دوله في العالم : مصر
وقف موسى يلتقط أنفاسه قبل آن يشرع في الصعود إلي الجبل من جديد .. لم يدر لماذا تذكر في هذا الوقت مواجهته لفرعون مصر منفتاح(3 ) الذي رفض أن يطيع أوامر الله حتى تسبب في دمار مصر تماما … لانه وقف ضد مشيئة الرب القدير . فضربه الرب عشر ضربات كاملة أخرها ضربة ابنه البكر ثم موته هو شخصيا غرقا في بحر سوف .
ياله من تاريخ عمره أربعين سنة كاملة .. والآن بلغ النبي موسى مائة وعشرون عاما قضي منها ثمانين عاما في تلك البرية القاحلة … ويسير وراء وعد عظيم وأمل أعظم أن يعود إلي تلك الأرض التي وعد بها الله إبراهيم .. ارض الموعد .
بدأ يستأنف النبي موسى سيره وعيناه تلمعان ووجهه مضيء فقد حانت اللحظة التي سوف يري فيها ارض الميعاد بعد أربعين سنة قاحلة في البرية .. واجه فيها الكثير والكثير و الكثير
رأي فيها الله وعنايته ورفقته الدائمة للإنسان ، ووجد فيها اعتناء الله به وبالأشياء الصغيرة التي تخصه .
لم يشعر هو أو شعبه في يوم بالجوع … ولا بالعطش… ولا بالبرد… و لا بالحر ... كانت البرية في رفقة الله جنة .. ولكنها جنة متعبة إذ تشوبها المشاكل .. تلك المشاكل التي خلقها شعب صلب غليظ الرقبة .. صعب المراس .. ترويضه ليس بالهين .
ولولا ذلك الشعب المدلل لكان دخل أرض الموعد منذ أربعين عاما عندما أرسل الجواسيس ليتجسسوا ارض كنعان .
وقتها أراد الرب أن يمتحن الشعب ومدي ثقته به فقال لهم
- أرسلوا جواسيس وانظروا الأرض ..
.. ونظر الجواسيس الأرض
هي هي كما وعد الرب ..
أرض تفيض بالخيرات
ولكن
وجد الجواسيس شعبا معتزا(4 )
والمدن حصينة
عظيمة جدا
وكان أهلها بني عناق عمالقة
ولن يستطيعوا هزيمتهم
هكذا كان رأي معظم الجواسيس
فرسب الشعب في الامتحان
امتحان الإيمان
ولم ينجح غير شخصين
اثنين فقط
هما كالب و يشوع
وهما الان الوحيدان اللذان خرجا من ارض مصر
وسوف يدخلان ارض الموعد
كما وعد الرب
وهنا دمعت عينا موسى ، كان يتمني أن يجد شعبا متفاهما .. لكن هذا الشعب جعله يطلب الموت لنفسه مرات ومرات خلال سيره في هذه البرية بسبب عدم الإيمان وتمرده علي إلهه.
***
وكانت نهاية الجبل
فوقف النبي موسى علي حافته . عند رأس الفسجة
فوجد قبالته أريحا .. تلك المدينة العظيمة
ووجد السور العظيم
الذي يتحدي أي شخصية تقترب منه
وأشفق علي يشوع
ذلك القائد الذي سوف يكمل المسيرة
انه امتحان إيمان له
وياله من امتحان
… وتعدت عيون موسي هذا السور فأراه الرب جميع الأرض
من جلعاد إلي دان
وتهلل موسي
هذه الأرض تفيض لبنا وعسلا
إنها لهم …
سيسلبونها من الشعب الذي يسكنها
لان الله وقع الحكم علي تلك الشعوب
وكان الحكم بالإعدام … بسبب آثامهم
وعليهم آن ينفذوا أمر الرب
ويأخذوا المكان .
وبينما كان موسي يقف أمام ذلك الميعاد الذي رآه يتحقق بالإيمان وخصلات شعره الأبيض ترفرف علي الجبل كعلم منتصر .. كان ينظر في سعادة وانتصار كأنه دخل الأرض فعلا.
لقد حقق الرب وعده وهاهم سوف يدخلون
ربما يعانون حروبا عظيمة
ولكنها في البداية حروب إيمان وطاعة
ثم .. هي حروب الرب وليست حروبهم
وسمع موسي صوت الرب
ذلك الصوت الذي آلف آن يسمعه
وقال الرب (5 )
لنسلك أعطيها
قد أريتك إياها بعينيك
ولكنك إلي هناك لا تعبر
… اخذ موسي يبكي فرحا
لقد انتصر موسي في حربه
وسوف ينضم إلي قائمة المنتصرين
منى رجال الله
وهاهو سوف يذهب إلي ذلك الذي تعود علي صوته
سيراه بالعيان
لم يكن خائفا من مواجهة الرب
وهاهو منتظر نصيبه
متلهفا عليه
… وهناك أماته الرب
ولم يعرف أحد قبره إلي اليوم
…
وهناك ..اسفل الجبل .. تبدأ مغامراتنا .
***
الحواشي
1- علي الأرجح رمسيس الثاني هو الفرعون الذي تربي موسى في بيته
(2) سفر الخروج إصحاح 3
(3) الفرعون منفتاح هو الذي تلقي الضربات العشر علي الأرجح
4- سفر العدد 13 : 31 - 33
5- سفر التثنية 34 : 4
الجواسيس
بقلم الكاتب:- عماد حنا
(1)
ما قبل البداية
نظرة من جبل نبو
في وقار الشيوخ كان يصعد ذلك الرجل المهيب إلي الجبل متكئا علي عصاه تاركا وراءه تعب السنين وآلامها وأيضا انتصاراتها ..
كان يعرف انه لن يعود ثانية لأسفل ، ربما كان من الرجال القلائل الذي عرف بميعاد موته من قبلها بفترة ، ومع ذلك لم يكن خائفا او مضطربا بل علي العكس لم تفقد عيناه بريقها ولم تفقد يداه قوتها ، كان يصعد غير آبه بما سيحدث بل كان في ذهنه شئ واحد .. أن يري ذلك المكان الذي بذل تلك السنين في الوصول إليه والتمتع به .
لقد حانت تلك اللحظة يا موسى
تلك اللحظة التي تمنيتها وعشت لأجلها منذ كنت رضيعا . لقد أرضعتك أمك يوكابد مع لبنها ذلك الموعد الذي وعد الله به آباؤك وعشت تنتظر تحقيق ذلك الموعد الذي وعد الله به آباؤك و عشت تنتظر تحقيق ذلك الوعد طوال سني حياتك ومنذ أن كنت صبيا في منزل ابنة فرعون العظيم رمسيس الثاني(1 ) .. أخذت علي عاتقك أنك ستكون منفذ ذلك الوعد لامتك وشعبك ..
وعندما صرت رجلا بدأت في تنفيذ فكرتك
ولكن الفكرة باءت بالفشل
لم تكن مصحوبة بقوة العلي
لذلك .. من أنت حتى تقف في وجه فرعون العظيم ..
ومن أنت .. لتجد السند من شعبك !!
الشعب .. هو أول من رفضك(2 )
وآثار فرعون ضدك
حتى طلب قتلك
فهربت إلي البرية أربعين سنة كاملة !!!
***
ابتسم موسى وهو يتذكر ذلك التاريخ القديم وهو ير نفسه برعونة الشباب و حماسهم يقتل المصري مدافعا عن بني جنسه ، كان يتوقع أن ينهض الشعب اليهودي كله اثر ذلك ويتوجه ملكا يهزم المصريين ويخرج مع الشعب آلي ارض الموعد .
ولكن الذي حدث أنه بعد هذا الأمر صرخ فيه أحد أبناء الشعب قائلا : ( من أقامك رئيسا علينا ) ..
وعندها عرف ..
عرف آن أمره قد افتضح
وانه لن يجد من يناصره
وأنه قريبا سوف يطلب فرعون نفسه
ولم يجد سوي حل واحد
الهروب .
فهرب مضحيا أحلى سنين عمره ليعمل راعيا للغنم في ارض غريبة .. تاركا ذلك المجد العظيم وتلك العيشة الفاخرة في اعظم قصر يمكن أن يعيش فيه إنسان في ذلك الوقت في أكبر دوله في العالم : مصر
وقف موسى يلتقط أنفاسه قبل آن يشرع في الصعود إلي الجبل من جديد .. لم يدر لماذا تذكر في هذا الوقت مواجهته لفرعون مصر منفتاح(3 ) الذي رفض أن يطيع أوامر الله حتى تسبب في دمار مصر تماما … لانه وقف ضد مشيئة الرب القدير . فضربه الرب عشر ضربات كاملة أخرها ضربة ابنه البكر ثم موته هو شخصيا غرقا في بحر سوف .
ياله من تاريخ عمره أربعين سنة كاملة .. والآن بلغ النبي موسى مائة وعشرون عاما قضي منها ثمانين عاما في تلك البرية القاحلة … ويسير وراء وعد عظيم وأمل أعظم أن يعود إلي تلك الأرض التي وعد بها الله إبراهيم .. ارض الموعد .
بدأ يستأنف النبي موسى سيره وعيناه تلمعان ووجهه مضيء فقد حانت اللحظة التي سوف يري فيها ارض الميعاد بعد أربعين سنة قاحلة في البرية .. واجه فيها الكثير والكثير و الكثير
رأي فيها الله وعنايته ورفقته الدائمة للإنسان ، ووجد فيها اعتناء الله به وبالأشياء الصغيرة التي تخصه .
لم يشعر هو أو شعبه في يوم بالجوع … ولا بالعطش… ولا بالبرد… و لا بالحر ... كانت البرية في رفقة الله جنة .. ولكنها جنة متعبة إذ تشوبها المشاكل .. تلك المشاكل التي خلقها شعب صلب غليظ الرقبة .. صعب المراس .. ترويضه ليس بالهين .
ولولا ذلك الشعب المدلل لكان دخل أرض الموعد منذ أربعين عاما عندما أرسل الجواسيس ليتجسسوا ارض كنعان .
وقتها أراد الرب أن يمتحن الشعب ومدي ثقته به فقال لهم
- أرسلوا جواسيس وانظروا الأرض ..
.. ونظر الجواسيس الأرض
هي هي كما وعد الرب ..
أرض تفيض بالخيرات
ولكن
وجد الجواسيس شعبا معتزا(4 )
والمدن حصينة
عظيمة جدا
وكان أهلها بني عناق عمالقة
ولن يستطيعوا هزيمتهم
هكذا كان رأي معظم الجواسيس
فرسب الشعب في الامتحان
امتحان الإيمان
ولم ينجح غير شخصين
اثنين فقط
هما كالب و يشوع
وهما الان الوحيدان اللذان خرجا من ارض مصر
وسوف يدخلان ارض الموعد
كما وعد الرب
وهنا دمعت عينا موسى ، كان يتمني أن يجد شعبا متفاهما .. لكن هذا الشعب جعله يطلب الموت لنفسه مرات ومرات خلال سيره في هذه البرية بسبب عدم الإيمان وتمرده علي إلهه.
***
وكانت نهاية الجبل
فوقف النبي موسى علي حافته . عند رأس الفسجة
فوجد قبالته أريحا .. تلك المدينة العظيمة
ووجد السور العظيم
الذي يتحدي أي شخصية تقترب منه
وأشفق علي يشوع
ذلك القائد الذي سوف يكمل المسيرة
انه امتحان إيمان له
وياله من امتحان
… وتعدت عيون موسي هذا السور فأراه الرب جميع الأرض
من جلعاد إلي دان
وتهلل موسي
هذه الأرض تفيض لبنا وعسلا
إنها لهم …
سيسلبونها من الشعب الذي يسكنها
لان الله وقع الحكم علي تلك الشعوب
وكان الحكم بالإعدام … بسبب آثامهم
وعليهم آن ينفذوا أمر الرب
ويأخذوا المكان .
وبينما كان موسي يقف أمام ذلك الميعاد الذي رآه يتحقق بالإيمان وخصلات شعره الأبيض ترفرف علي الجبل كعلم منتصر .. كان ينظر في سعادة وانتصار كأنه دخل الأرض فعلا.
لقد حقق الرب وعده وهاهم سوف يدخلون
ربما يعانون حروبا عظيمة
ولكنها في البداية حروب إيمان وطاعة
ثم .. هي حروب الرب وليست حروبهم
وسمع موسي صوت الرب
ذلك الصوت الذي آلف آن يسمعه
وقال الرب (5 )
لنسلك أعطيها
قد أريتك إياها بعينيك
ولكنك إلي هناك لا تعبر
… اخذ موسي يبكي فرحا
لقد انتصر موسي في حربه
وسوف ينضم إلي قائمة المنتصرين
منى رجال الله
وهاهو سوف يذهب إلي ذلك الذي تعود علي صوته
سيراه بالعيان
لم يكن خائفا من مواجهة الرب
وهاهو منتظر نصيبه
متلهفا عليه
… وهناك أماته الرب
ولم يعرف أحد قبره إلي اليوم
…
وهناك ..اسفل الجبل .. تبدأ مغامراتنا .
***
الحواشي
1- علي الأرجح رمسيس الثاني هو الفرعون الذي تربي موسى في بيته
(2) سفر الخروج إصحاح 3
(3) الفرعون منفتاح هو الذي تلقي الضربات العشر علي الأرجح
4- سفر العدد 13 : 31 - 33
5- سفر التثنية 34 : 4
تعليق