إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الجواسيس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجواسيس

    الكتيب الاول


    الجواسيس

    بقلم الكاتب:- عماد حنا

    (1)

    ما قبل البداية

    نظرة من جبل نبو

    في وقار الشيوخ كان يصعد ذلك الرجل المهيب إلي الجبل متكئا علي عصاه تاركا وراءه تعب السنين وآلامها وأيضا انتصاراتها ..
    كان يعرف انه لن يعود ثانية لأسفل ، ربما كان من الرجال القلائل الذي عرف بميعاد موته من قبلها بفترة ، ومع ذلك لم يكن خائفا او مضطربا بل علي العكس لم تفقد عيناه بريقها ولم تفقد يداه قوتها ، كان يصعد غير آبه بما سيحدث بل كان في ذهنه شئ واحد .. أن يري ذلك المكان الذي بذل تلك السنين في الوصول إليه والتمتع به .
    لقد حانت تلك اللحظة يا موسى


    تلك اللحظة التي تمنيتها وعشت لأجلها منذ كنت رضيعا . لقد أرضعتك أمك يوكابد مع لبنها ذلك الموعد الذي وعد الله به آباؤك وعشت تنتظر تحقيق ذلك الموعد الذي وعد الله به آباؤك و عشت تنتظر تحقيق ذلك الوعد طوال سني حياتك ومنذ أن كنت صبيا في منزل ابنة فرعون العظيم رمسيس الثاني(1 ) .. أخذت علي عاتقك أنك ستكون منفذ ذلك الوعد لامتك وشعبك ..
    وعندما صرت رجلا بدأت في تنفيذ فكرتك
    ولكن الفكرة باءت بالفشل
    لم تكن مصحوبة بقوة العلي
    لذلك .. من أنت حتى تقف في وجه فرعون العظيم ..
    ومن أنت .. لتجد السند من شعبك !!
    الشعب .. هو أول من رفضك(2 )
    وآثار فرعون ضدك
    حتى طلب قتلك
    فهربت إلي البرية أربعين سنة كاملة !!!
    ***
    ابتسم موسى وهو يتذكر ذلك التاريخ القديم وهو ير نفسه برعونة الشباب و حماسهم يقتل المصري مدافعا عن بني جنسه ، كان يتوقع أن ينهض الشعب اليهودي كله اثر ذلك ويتوجه ملكا يهزم المصريين ويخرج مع الشعب آلي ارض الموعد .


    ولكن الذي حدث أنه بعد هذا الأمر صرخ فيه أحد أبناء الشعب قائلا : ( من أقامك رئيسا علينا ) ..
    وعندها عرف ..
    عرف آن أمره قد افتضح
    وانه لن يجد من يناصره
    وأنه قريبا سوف يطلب فرعون نفسه
    ولم يجد سوي حل واحد
    الهروب .
    فهرب مضحيا أحلى سنين عمره ليعمل راعيا للغنم في ارض غريبة .. تاركا ذلك المجد العظيم وتلك العيشة الفاخرة في اعظم قصر يمكن أن يعيش فيه إنسان في ذلك الوقت في أكبر دوله في العالم : مصر
    وقف موسى يلتقط أنفاسه قبل آن يشرع في الصعود إلي الجبل من جديد .. لم يدر لماذا تذكر في هذا الوقت مواجهته لفرعون مصر منفتاح(3 ) الذي رفض أن يطيع أوامر الله حتى تسبب في دمار مصر تماما … لانه وقف ضد مشيئة الرب القدير . فضربه الرب عشر ضربات كاملة أخرها ضربة ابنه البكر ثم موته هو شخصيا غرقا في بحر سوف .
    ياله من تاريخ عمره أربعين سنة كاملة .. والآن بلغ النبي موسى مائة وعشرون عاما قضي منها ثمانين عاما في تلك البرية القاحلة … ويسير وراء وعد عظيم وأمل أعظم أن يعود إلي تلك الأرض التي وعد بها الله إبراهيم .. ارض الموعد .
    بدأ يستأنف النبي موسى سيره وعيناه تلمعان ووجهه مضيء فقد حانت اللحظة التي سوف يري فيها ارض الميعاد بعد أربعين سنة قاحلة في البرية .. واجه فيها الكثير والكثير و الكثير
    رأي فيها الله وعنايته ورفقته الدائمة للإنسان ، ووجد فيها اعتناء الله به وبالأشياء الصغيرة التي تخصه .
    لم يشعر هو أو شعبه في يوم بالجوع … ولا بالعطش… ولا بالبرد… و لا بالحر ... كانت البرية في رفقة الله جنة .. ولكنها جنة متعبة إذ تشوبها المشاكل .. تلك المشاكل التي خلقها شعب صلب غليظ الرقبة .. صعب المراس .. ترويضه ليس بالهين .
    ولولا ذلك الشعب المدلل لكان دخل أرض الموعد منذ أربعين عاما عندما أرسل الجواسيس ليتجسسوا ارض كنعان .
    وقتها أراد الرب أن يمتحن الشعب ومدي ثقته به فقال لهم
    - أرسلوا جواسيس وانظروا الأرض ..
    .. ونظر الجواسيس الأرض
    هي هي كما وعد الرب ..
    أرض تفيض بالخيرات
    ولكن
    وجد الجواسيس شعبا معتزا(4 )
    والمدن حصينة
    عظيمة جدا
    وكان أهلها بني عناق عمالقة
    ولن يستطيعوا هزيمتهم
    هكذا كان رأي معظم الجواسيس
    فرسب الشعب في الامتحان
    امتحان الإيمان
    ولم ينجح غير شخصين
    اثنين فقط
    هما كالب و يشوع
    وهما الان الوحيدان اللذان خرجا من ارض مصر
    وسوف يدخلان ارض الموعد
    كما وعد الرب
    وهنا دمعت عينا موسى ، كان يتمني أن يجد شعبا متفاهما .. لكن هذا الشعب جعله يطلب الموت لنفسه مرات ومرات خلال سيره في هذه البرية بسبب عدم الإيمان وتمرده علي إلهه.

    ***
    وكانت نهاية الجبل
    فوقف النبي موسى علي حافته . عند رأس الفسجة
    فوجد قبالته أريحا .. تلك المدينة العظيمة
    ووجد السور العظيم
    الذي يتحدي أي شخصية تقترب منه
    وأشفق علي يشوع
    ذلك القائد الذي سوف يكمل المسيرة
    انه امتحان إيمان له
    وياله من امتحان
    … وتعدت عيون موسي هذا السور فأراه الرب جميع الأرض
    من جلعاد إلي دان
    وتهلل موسي
    هذه الأرض تفيض لبنا وعسلا
    إنها لهم …
    سيسلبونها من الشعب الذي يسكنها
    لان الله وقع الحكم علي تلك الشعوب
    وكان الحكم بالإعدام … بسبب آثامهم
    وعليهم آن ينفذوا أمر الرب
    ويأخذوا المكان .
    وبينما كان موسي يقف أمام ذلك الميعاد الذي رآه يتحقق بالإيمان وخصلات شعره الأبيض ترفرف علي الجبل كعلم منتصر .. كان ينظر في سعادة وانتصار كأنه دخل الأرض فعلا.
    لقد حقق الرب وعده وهاهم سوف يدخلون
    ربما يعانون حروبا عظيمة
    ولكنها في البداية حروب إيمان وطاعة
    ثم .. هي حروب الرب وليست حروبهم
    وسمع موسي صوت الرب
    ذلك الصوت الذي آلف آن يسمعه
    وقال الرب (5 )
    لنسلك أعطيها
    قد أريتك إياها بعينيك
    ولكنك إلي هناك لا تعبر
    … اخذ موسي يبكي فرحا
    لقد انتصر موسي في حربه
    وسوف ينضم إلي قائمة المنتصرين
    منى رجال الله
    وهاهو سوف يذهب إلي ذلك الذي تعود علي صوته
    سيراه بالعيان
    لم يكن خائفا من مواجهة الرب
    وهاهو منتظر نصيبه
    متلهفا عليه
    … وهناك أماته الرب
    ولم يعرف أحد قبره إلي اليوم

    وهناك ..اسفل الجبل .. تبدأ مغامراتنا .

    ***
    الحواشي

    1- علي الأرجح رمسيس الثاني هو الفرعون الذي تربي موسى في بيته
    (2) سفر الخروج إصحاح 3
    (3) الفرعون منفتاح هو الذي تلقي الضربات العشر علي الأرجح
    4- سفر العدد 13 : 31 - 33
    5- سفر التثنية 34 : 4
    أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
    Emad Hanna

  • #2
    الفصل الثاني - الخطوة الأولى

    الخطوة الأولي


    كان القائد جاجوم يجري مهرولا حتى دخل قصر الملك ثم أخذ يلتقط أنفاسه وعلي وجهه كل إمارات الفزع والخوف ، وعندما تمالك نفسه سار حتى وصل ألي غرفة الملك وقال للجندي الواقف علي الباب
    - هل الملك بالداخل ؟
    - أجل سيدي القائد .. لحظات وأخبره بوجودك
    تجاهل قائد الجيش كلمات الحارس وتقدم للأمام يريد الدخول آلي الملك لكن الحارس أوقفه ويده علي سيفه محذرا اياه التقدم … كان علي أتم الاستعداد ليشهره في وجه قائده
    - سيدي .. معذرة لا يمكنك الدخول قبل أن اخبر الملك أولا
    ثم دخل الحارس إلي الداخل ولكن جاجوم لم ينتظر بل دخل في أثره وهو يقول :
    - كارثة سيدي الملك ، كارثة

    كان الملك في هذا الوقت يجلس مسترخيا يتناول ما لذ وطاب من فاكهة أريحا الشهية ،
    وعندما سمع هذه العبارة المملوءة بالخوف أوقفت هذه الكلمات الطعام في حلقه وهو يقول:
    - أي كارثة حلت بنا أيها القائد جاجوم ؟
    - هؤلاء البدو الرحل الذين خرجوا من ارض مصر من زمن ليس ببعيد .. هل تذكرهم يا سيدي ؟
    تألقت عينا الملك وهو يذكر هؤلاء الرعاع وتاريخهم القريب الذي سمعه فاتجه إلي قائد جيشه قائلا باهتمام
    - أجل أذكرهم ، أبعد المصيبة آلتي حلت بمصر عندما خرجوا منها يمكن أن ننساهم ؟! ..أن مصر لا تزال تعاني حتى الآن من تلك الكوارث التي حلت بهم علي الرغم من مرور أربعين عاما علي هذه الحادثة التي يقال آن هؤلاء الرعاع مسئولون عنها ..مالهم هؤلاء القوم ؟
    - أنهم يقفون الان عند رأس فسجة … يقال آن قائد هم وساحرهم مات .. وهم يبكونه الان.
    تنفس ملك أريحا الصعداء وهو يستمع إلي جاجوم . ثم قال مبتسما
    - هل مات قائد هم ونبيهم ؟… آذن لماذا الخوف يا جاجوم لن تقوم لهم قائمة ، فهذا الشعب بدون ذلك الرجل لا شئ . هو مصدر قوتهم .. و اذا كانوا لا يجسرون علي الاقتراب منا خلال حياته فهم بالتأكيد لا يجسروا علي الاقتراب منه الان .
    - لقد كان تصرفهم فيما مضي غريبا وغير مفهوم يا سيدي الملك .. فهم كانوا يقتربون منا جدا حتى يصبح بيننا وبينهم جبل نبو والنهر فقط ولكنهم يدورون علي أعقابهم كما لو كانوا لا يروننا .. رغم أنني اسمع أن هذه الأرض هي بغيتهم لأنها كانت ارض أجدادهم قبل أن ينتقل إلي مصر ايام المجاعة الكبيرة ولكن الان الموقف اختلف جواسيسنا تؤكد انهم قادمون
    نظر الملك إليه ساخرا ثم قال
    - هون عليك يا جاجوم.. انك لم تنجح مطلقا في دفع جواسيس بينهم .. هم يعرفون بعضهم جيدا و ستريبون في أي شخص يكون غريبا وسطهم .. لذلك فالمعلومات التي يقدمها لك جواسيسك دائما فيها شيئا من المبالغة .
    - كلا يا سيدي .. ليست مبالغة .. كل مرة كانوا يبقون عند سفح جبل نبو ثم يدورون .. الان هم عند رأس فسجة .. يروننا جيدا .. هم يبكون الان نبيهم وعندما تنتهي فترة النواح بالتأكيد سوف يهبطون علينا .
    ظهرت ملامح الجدية علي وجه الملك وهو يقول
    - أنت تعرف كل شئ إذن .. انهم بدو رحل .. هل عرفت ما هي أسلحتهم ؟ ، وما هي خبرتهم في القتال ؟ .. ما هي قوتهم ؟ كم تعداد جنودهم؟ وهل ستصل مستوي أسلحتهم إلي ما وصلنا إليه من أسلحة
    - لم أعرف كل شئ بعد يا سيدي .. انهم كثيرون .. ولكننا نعرف انهم يستخدمون العصي في الحرب و…
    وهنا لم يتمالك الملك نفسه فقاطعه وأطلق ضحكة عالية ثم قال ساخرا:
    - عصي يا جاجوم !!أترتعب كل هذا الرعب وأسلحتهم من العصي؟ .. أنك جبان يا جاجوم .. والجبان لا يوجد له مكان داخل جيشي .. آن رجال أريحا البواسل لا يعرفوا الخوف فاحترس لئلا تجد نفسك من قائدا لجيش أريحا إلي خارج الجيش تماما .. آن القائد شيشرون يتمني قيادة الجيش بدلا منك .. وهو كالصخر لا يلين .
    - أنني لا أخاف يا سيدي الملك . ولقد أعددت العدة لمواجهة خطرهم ..
    - ماذا فعلت؟
    - لقد أمرت آن تغلق أسوار المدينة
    احمرت عينا الملك من كثرة الغضب الذي اعتراه وصرخ في جاجوم
    - ماذا فعلت أيها الغبي ؟ تغلق أسوار المدينة العظيمة وتمنع عنها التجار الذين يدخلون ويخرجون علينا ؟ .. ولأجل من … لأجل رعاع لم يعرف أحدا منهم كيف يمسك سيفا او يرمي سهما ؟
    قال جاجوم مضطربا
    - لقد ظننت سيدي ..
    - كيف تفعل هذا دون الرجوع إلي وحق عشتاروث .. لن تنهار تجارتنا في هذا الوقت من العام بسبب وهم بتوهمه رئيس الجيش الضعيف .. اذهب بسرعة وأعد فتح الأسوار كما كانت يا أغبى من أنجبتهم أريحا .
    - أؤكد لك يا سيدي أنهم الآن ينوون شرا ويجب آن توخي بعض الحذر
    - آذن لتظل عيناك عليهم .. راقبهم .. لايزال بيننا وبينهم نهر الاردن وهو في حالة فيضان الان .. ولا تفعل أي شئ دون الرجوع آلي ، ثم .. من يدري .. ربما يحتاج هؤلاء القوم إلي قليل من التأديب .. اخرج الان حتى أكمل طعامي ..
    وخرج جاجوم رئيس جيش أريحا وهو غير مقتنع بما يقوله الملك .

    ***
    دخل جاجوم خيمته وهو يسب ذلك الملك الذي استهتر بالخبر ثم أسرع وأرسل الي كبير الحرس المسئول عن حراسة مداخل المدينة ثم قال له :
    - اعد فتح أبواب المدينة
    نظر اليه الحارس في بلاهة وبدا انه لم يفهم آمر القائد فقال
    - نعم يا سيدي ؟
    - أعد فتح أبواب المدينة أيها الأبله .. ألم تسمع ؟
    - لقد سمعت يا سيدي ولكن الخطر أمامنا .. أؤكد لك سيدي أنهم اليوم غير أمس .. أنهم ينوون القتال ، وأريحا هي أول مملكة في مواجهتهم
    - يري الملك أنهم أضعف من أن نهتم بهم .. ثم أنهم لا يملكون أسلحة كافية هم مجرد رعاع عاشوا في الصحراء فترة طويلة
    - لكنهم كلهم من الشباب يا سيدي .. لم أر من قبل جيشا كهذا .. كلهم صغار السن ولا تزال أياديهم قوية .. ثم أنهم تقاتلوا من قبل مع بعض القبائل وأبادوها بالكامل .. انهم متوحشون يا سيدي .. وعلي الأقل يجب أن تعد العدة للقائهم .
    - لتحمينا الإله آيها الحارس .. ألان عد آلي موقعك وافتح الأبواب .. ولكن زد الحراسة علي مدخل عربات أريحا فهو الطريق الوحيد الذي يمكن آن يمروا منه
    - أمرك يا سيدي
    واتجه إلي الخارج ولكن أسرع القائد يكلمه قبل آن يذهب
    - أوه .. كدت أنسى .. أبلغ شيشرون أن يقف علي رأس القوة عند باب عربات أريحا .. فربما احتاجت الحرب إلي بسالته وشجاعته
    - سأبلغه يا سيدي
    ورحل الحارس دون آن يفهم نغمة السخرية التي واكبت كلمات قائده .. وعندما رحل اخذ جاجوم يكلم نفسه قائلا
    - تريد أن تكون القائد لأريحا يا شيشرون ؟ .. سوف تكون أول القتلى في معركة العبرانيين .. لن يأخذ أحد مكاني أبدا .
    أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
    Emad Hanna

    تعليق


    • #3
      Re: الجواسيس

      (3)
      قائد جديد

      كانت أيام مناحة رجل الله موسى قد انتهت وكان شعب إسرائيل يقف عند رأس فسجة وأعينهم علي رجلين كبيرين في السن ويبلغان من العمر أكثر من ثمانين عاما.
      كانوا يعرفون أن أمامهم طريقا طويلا فيه سوف يتبعون هذين الرجلين يشوع بن نون وكالب بن يفنه

      أحد الرجلين رجل صلب شديد المراس ، عيناه ثاقبتان ويجيد القتال ويعشق التحدي ... لا يعرف الخوف طريقه إلي قلبه ... انه بالحق رجل حرب ... هو كالب بن يفنه .

      أما الرجل الأخر فتاريخه ملئ بالانتصارات … انه خادم موسى ... لذلك دربه موسى كيف يدخل الحرب ... وكيف يثابر ويجاهد حتى ينتصر. فانتصر علي عماليق عندما كانت عيونه علي موسي ويداه علي سلاحه ... ولكن ها هو موسي قد رحل ... وعليه أن يحمل المسئولية وحده لذلك ذاب قلبه خوفا من تلك المسئولية ... هو يشوع بن نون.

      كان كالب يرأس سبط يهوذا ... وقد اعتاد علي تحمل المسئولية منذ أن أرسل كجاسوس منذ أربعين عاما كاملة وقف يقول أمام الشعب لنحارب عماليق لأننا سننتصر .
      كانت قوة كالب فخر ليهوذا ... لذلك أحبته عشيرته ... وساروا وراءه واستمعوا إلي مشورته .
      أما يشوع فقد عرف أنه سيحمل المسئولية حتى قبل أن يموت موسى وعلي الرغم من انه كبير سبط أفرايم إلا انه لم يعتد إلا أن يسير وراء موسى، يستمع إليه ويطيعه ... ويستمد ثقته وقوته منه ... فأين موسى إذن ؟؟
      أمام الشعب كان يقف أكبر اثنين سنا .. يشوع وكالب اللذان كانا أكبر من أي شخص بخمسة وعشرون سنة علي الأقل .. كالب الأكبر ، ولكنه يقف وراء صديقه المخلص يشوع ... يشجعه ويدفعه لتحمل المسئولية .
      ولان موسى وضع يده علي يشوع مباركا إياه آن يمتلئ حكمة وفهما وقف الشعب كله خلف يشوع يشجعه ... إذ كانت عصا القيادة في يده .

      ***

      أما يشوع .. فذاب قلبه خوفا .. فمن هو يشوع ذلك الخادم الذي اعتاد أن يكون خادما ... من هو يشوع ليكون قائدا حربيا ليحرر الأرض من عمالقتها .

      قديما عندما كان يشوع جاسوسا لإسرائيل قال لنقم ونعبر .. ولكنه كان في كنف سيده موسى ملتصقا به .. آما الآن فهو وحده ….هو لم يعتد أن تكون الأمور هكذا .. لذلك كان يحتاج إلى أكثر من هذا الأمر ( قم واعبر ) كان يحتاج إلي القدرة علي تنفيذه .

      في الوقت الذي كان يشوع في محضر الرب كانت خيام بنى إسرائيل منتصبة علي قمة رأس فسجة ومن حول الخيام كان يقف الشعب كل في أفكاره… وعلي قمة الرابية كان يقف كالب بن يفنه… تعبر عيناه غابات شطيم و نهر الأردن... إلي المدينة العظيمة أريحا كان يقف يرقب باهتمام بالغ ومن خلفه كان يقف شابا يافعا قوي البنية اسمه عثنئيل الذي كان يداعب طفلة كالب الصغيرة عكسة حينما سمع كالب وهو يفكر بصوت مسموع .
      - لماذا فعلوا هكذا ؟
      - عمن تتكلم يا عماه
      نظر كالب ليجد الفتي عثنئيل يحمل عكسة طفلة كالب علي كتفيه . وهي تعبث بشعره الطويل المسترسل علي كتفيه وهي تضحك بسعادة فابتسم وقال له …
      - تعال وانظر
      نظر عثنئيل قائلا
      - أين ؟
      - أريحا
      - لا يوجد شيء غير عادي .. قوافل تجارية تدخل المدينة مثل أي يوم آخر
      - ليس مثل أي يوم .. لقد أغلقوا الأسوار في الأيام الماضية وملئوا حصونهم جنودا وسلاحا ... أما اليوم فقد عادوا ليفتحوها من جديد .
      - وماذا في ذلك ؟
      قال كالب مفكرا
      - لماذا أغلقوها ورفضوا إدخال قوافل التجارة في اليومين الماضيين ؟
      - ربما عرفوا أننا قادمون
      - هذا ما ظننته ... لقد كان نظر جنودهم يتجه إلي اعلي بين الحين و الآخر... وأرسلوا بعض جواسيسهم الذين رأيتهم بنفسي في غابات شطيم… ولكن الذي أعجب له هو ما الذي جعلهم يفتحون تلك الأسوار من جديد رغم أننا لم نتحرك من مكاننا طوال الأربعين يوما الماضية ؟!!
      ابتسم عثنئيل وقال :
      - ربما استهزئوا بنا .. تري .. من منا الأقوى يا عماه ؟!
      نظر إليه كالب في استخفاف وقال
      - ما رأيك آنت ؟
      - هم يملكون الأسلحة المختلفة... سيوف حديدية ورماح وسهام وثياب حديدية واقية… أجسامهم تبدوا ضخمة من بعيد. أما نحن فلا نملك من السلاح إلا العصي ... أننا سوف نبدو كالجراد أمامهم
      نظر إليه كالب في غيظ والشرر يتطاير منه ... وقال له غاضبا
      - اسكت... منذ أربعين عاما سمعت كلاما مشابها لهذا ونتيجة لذلك ذقنا سنوات من التيه عمرها أربعين عاما ثمنا لتحليلك الحربي هذا .
      أسرع عثنئيل يقول
      - هون عليك يا سيدي .. أنني لم أقصد أبدا أن أكون انهزاميا ولكنك طلبت تحليلا للحالتين …وما اظنني أخطأت في هذا التحليل .
      اخفي كالب وجهه بين يديه يحاول استعادة هدوءه ثم قال ببطء شديد ..
      - أجل .. أن ما قلته صحيح حسب الظاهر
      - ماذا تقصد بكلمة حسب الظاهر ؟
      - اقصد أن مصر وفرعونها كانت أقوي بكثير من أريحا ورغم هذا خرجنا من أرضها رغم أنفهم … إننا أيها الصبي نمتلك سلاحا لا تعرف أنت قيمته …لو استخدمناه لن تقف قوة أمامنا … به انتصرنا علي المصريين
      - أتقصد يا عماه النبي موسى ؟... لكنه لم يعد معنا الآن بل أننا لا نعرف شيئا عن قائدنا الجديد …
      ثم استطرد بصوت هامس حتى لا يسمعه كالب
      - لن يكون علي أي حال مثل النبي موسى
      ولكن كالب لم يكن يهتم بكلامه الآن فقد عاد يفكر في أريحا و يتأملها ثم عاد يحدث نفسه من جديد
      - لن نحكم عليهم من هذا البعد ... اليوم سوف ننزل إلى غابات شطيم و من هناك نحتاج أن نرسل رجلا أو اثنين لكي يدخلوا في وسطهم فيتجسسوا لنا … نحتاج أن نعرفهم أكثر... ونعرف مقدار تأثيرنا عليه .
      قال له عثنئيل وهو لا يزال يحمل عكسة علي كتفيه
      - نحتاج أن نعرف عن أنفسنا أكثر... هل يستطيع قائدنا الحالي شيئا بعد أن مات سيده موسي ؟
      نظر أليه كالب وقال :
      - قائدنا الحالي هو يهوه إله إسرائيل يا عثنئيل... انه أيضا سلاحنا الحقيقي ... ولن نخطئ نفس الخطأ الذي وقع فيه جيل كنت أنتمي إليه... ولم يعش منه أحد سوى يشوع وأنا.
      استدرك عثنئيل كلامه وقال :
      - أقصد يا سيدي أن هناك شخص أفضل من يشوع يقود الجماعة... انه أنت يا عمي ... أنت الأكبر سنا وأنت الوحيد الباقي من آباءنا الذين خرجوا من أرض مصر
      - وماذا يعيب يشوع ؟

      كان عثنئيل يعرف عمه ومدي حبه ليشوع وعرف من نغمة صوته أنه بدأ يفقد صبره فتراجع كعادته سريعا وهو يقول :
      - هو شخص رائع ولا شك... ولكنني أقصد أنك الأجدر منه علي قيادة الشعب... فأنت رجل حرب... لا تخاف شيئا ، أما هو فخادم النبي موسى ولا يفهم لغة الحروب ، أنه لا يفهم إلا طاعة سيده ... انه خادم لا يفهم إلا الطاعة.

      نظر إليه كالب طويلا... حتى أثار خوف عثنئيل... وبدا له انه سوف يخرج بزوبعة عاصفة... إلا انه فوجئ بصوت عميق يخرج من كالب وهو يقول له بمنتهى الهدوء
      - إذا فهو الأجدر بالقيادة ولا شك... آباؤك اعتمدوا علي قوتهم الشخصية فكانوا من الخاسرين ... ونتيجة لعدم طاعة الله فقدوا أرواحهم في البرية... و يشوع كما تقول لا يعرف ولا يتخذ سوى ذلك السلاح ... طاعة سيده... من يقدر عليه إذن ؟؟؟

      ***

      في هذا الوقت كان يشوع لا يزال في محضر الرب جاثيا .. ينسحق من الخوف من تلك المسئولية التي وضعها الله عليه .. وكان في هذا الوقت يستمع إلي قول الرب
      [ لا أهملك .. لا أتركك
      تشدد و تشجع
      لأنك أنت تقسم هذا الشعب الأرض التي حلفت لآبائي أن أعطيها
      إنما كن متشددا وتشجع جدا لكي تحفظ للعمل حسب كل شريعة التي أمرك بها موسى ... لا تبرح هذه الشريعة من فمك
      … أما أمرتك ؟
      …تشدد وتشجع ... لا ترهب ولا ترتعب
      لان الرب إلهك معك حيثما تذهب
      وخرج من محضر الرب يشوع جديد لا يعرف للخوف معني .. وبداخله ثقة لا حدود لها بعد سماعه وعود الرب له .. هذا عن يشوع
      فماذا عن الشعب !!؟
      ***
      أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
      Emad Hanna

      تعليق


      • #4
        Re: الجواسيس

        (4)
        إله من الأقوى ؟!


        كان شيشرون يقف علي بوابة أريحا المواجهة لعربات أريحا يتفقد جنوده حاملي السهام ويوجه كل جندي إلي مكانه في الوقت الذي كان جاجوم متجها إليه بقامته الطويلة وعضلاته البارزة من خلال ثوبه العسكري الأنيق. وعندما رآه شيشرون اعتدل منتبها وهو يقول:
        - تحيه لك سيدي القائد
        - ولك التحية يا شيشرون.. ما الأخبار ؟
        - لا جديد يا سيدي … فتحنا الأبواب كما أمرت.. وها هي القوافل التجارية تدخل إلي المدينة.
        - ومع ذلك احترس يا شيشرون... لا تدع الأمور تمر بسهوله... كل قائد قافلة عليه أآن يراجع أمامك أسماء من معه… وتأكدوا آلا يدخل أي غريب، رجال أو نساء أو أطفال، فربما أرسل هؤلاء القوم جواسيسهم علينا.
        - لا تقلق يا سيدي... آن جواسيسنا يملئون غابات شطيم ونهر الأردن ومنطقة عربات أريحا.
        خرج جاجوم من الباب الحديدي وهو يقول:
        - هل تحرك هؤلاء البدو من أماكنهم ؟
        - كلا يا سيدي.. إنهم لا يزالون عند راس فسجة... لقد نصبوا خيمة كبيرة في المنتصف يمارسون فيها شعائر وطقوس لا نفهمها … لكنهم لا يزالوا في مكانهم
        نظر إليه جاجوم في غضب وهو يقول
        - ولماذا لا تحاول أن تفهم ؟
        - سيدي... ثم أن شعائرهم لا تهمنا في شيء.. ثم ..
        - ثم ماذا ؟
        - إن جواسيسنا يراقبونهم من بعيد يا سيدي إنهم يعرفون بعضهم جيدا... ولا يمكن أن ندس وسطهم جاسوسا... سوف يكتشفونه بالتأكيد... والمراقبة من بعيد لا تسمح بالفهم الجيد .
        أخذ جاجوم يتحرك في عصبية شديدة وهو يقول
        - هذا غير مطمئن… أنهم قادمون بالتأكيد … لا تنسي ما فعلوه بالمصريين يا شيشرون.. أو بعماليق أو موآب جيراننا … لا يجب أن ننسي كل هذا... يجب أن نأخذ احتياطياتنا.
        في برود شديد أجاب شيشرون
        - هؤلاء القوم لا يخيفوننا يا سيدي... أننا أقوي منهم

        نظر إليه جاجوم بحقد شديد وهو يقول في نفسه " يا لك من منافق... أنك تعرف أن الملك يرشحك لقيادة الجيش لذلك تحاول أن تبدو بعكس ما تبطن ... أنك تموت رعبا أيها الحقير فمن لا يخاف هؤلاء السحرة ؟

        تحرك جاجوم أكثر خارج البوابة ثم امتدت عيناه إلي الأمام لتعبر غابات شطيم وتعلوا لتصل إلي جبل نبو عند رأس الفسجة وبالكاد رأي حركة خفيفة أعلي الجبل فصرخ
        - ما الذي يفعله جواسيسك بحق عشتاروث؟ لماذا لا تعرف علي وجه الدقة ما يفعلونه هؤلاء السحرة !!!
        قال شيشرون ببروده المعهود
        - هون عليك يا سيدي ... في لحظات سوف يعرف الجواسيس كل شيء في حالة حدوث أمر جديد
        ولم يكمل شيشرون كلامه… إذ رأي رجلا من رجاله يجري لاهثا يقول: -
        - أنهم يتحركون يا سيدي
        صرخ جاجوم وشيشرون في وقت واحد
        - من؟
        - العبرانيون... لقد بدأوا في جمع خيامهم وحمل عدتهم... وبعد قليل سوف يهبطون من الجبل من ناحية غابات شطيم.
        صرخ شيشرون
        - إذن فهم قادمون فعلا... كل يستعد في موقعه

        وخرج سريعا من البوابة ليلحق بقائده فيجده ينظر إلي الأفق البعيد بعيون زائغة كأنه يحاول أن يستكشف الآمر بنفسه... ثم يسأل الجاسوس الذي وصل لتوه
        - كم عددهم؟
        - إنهم أكثر من مليون محارب يا سيدي
        - يا للهول
        - بل بعض الجواسيس الذين اقتربوا أكثر يقولون أنهم أكثر من مليوني محارب مقسمين علي عدة عشائر أعتقد أن عددهم أثني عشر عشيرة وليس بينهم شيخ أو ضعيف..كلهم شباب موفوري الصحة
        قال مفكرا
        - وسلاحهم العصي فقط
        قال شيشرون
        - إنهم لا يملكون أسلحتنا ويكفينا فخرا أننا نملك هذا السور المنيع
        - إنهم يا شيشرون..سحرة .. قوتهم ليست في أعمارهم.. وليست في شبابهم.. إذا أتوا إلينا بهذه المواصفات فأننا نقدر عليهم بقوة بعليم ألهنا.. ولكنهم يملكون قوة خفية انتصرت في السابق بطريقة معجزيه لا نعلمها ولا قبل لنا بها.
        قال شيشرون متفاخرا
        - إنني أضع ثقتي في آلهتنا … أنهم لن يقدروا علينا... سوف نتعاون مع آلهتنا ونقضي عليهم.
        نظر إليه جاجوم ببلاهة ثم قال:
        - راقبهم جيدا... و لا تنسى مراجعة القوافل من جديد لئلا يدخل مدينتنا شخص غريب... حتى يقتنع الملك انه يوجد خطر يستوجب إغلاق بوابة السور.
        قالها وانصرف بسرعة

        ***

        انتظر شيشرون حتى أنصرف قائده و ما أن انصرف حتى غابت عنه شجاعته المرتسمة علي وجهه طوال فترة وجود قائده… وأخذ يحدث نفسه "تري ما الذي يمكن أن يحمينا في مواجهة هؤلاء القوم ؟؟؟ أهي آلهتنا ؟ تلك التماثيل… هل تستطيع أن تواجه شخص مثل موسى … أه … ما أغباني … لقد مات موسى ساحرهم ونبيهم… تري... هل قائدهم الجديد يمتلك نفس ما يمتلكه موسى؟... هل هو ساحر مثله؟... هل له نفس العلاقة بإله موسى؟ إذا كان كذلك فلترحمنا الآلهة.

        ثم أخذ ينظر إلي الأسوار في رعب وهو يقول كمن يحدثها
        - وأنت أيتها الأسوار.. كثيرا ما اعتمدنا عليك فلم تخذلينا... كنت لنا حصنا منيعا عن كل أعدائنا الذين حاولوا النيل منا... هل تستطيعين الصمود الآن أمام هؤلاء القوم!! هل تحاربين معنا ألههم المزعوم فتنتصرين عليه!!! لقد بنيناك لكي تصمدي أمام أي شر يحيط بنا… وها هو الشر قادم... انه اختبارا حقيقيا... فهل تخذلينا!! آم تنجحين في الصمود.
        ثم أخذ ينهار وهو يصرخ كم مسه نوع من الهستريا أو الجنون
        - لترحمنا الآلهة.. لترحمنا الآلهة

        وبدا شيشرون منهارا.. تائها .. خائفا.. عيونه تتفحصان السور الكبير إلي أن وقعت عيناه علي بيت صغير من طابقين ملتصقا بسور أريحا... كان بيت الغانية الجميلة رحاب

        ***

        أخذ حاملو السهام يتجولون علي أسوار أريحا بنشاط يراقبون الداخل والخارج من التجار والقوافل بينما كان يقف علي البوابة التي تواجه منطقة عربات أريحا حامية من الجنود يفتشون القوافل ويتعرفون علي جنسيتها وعددها وغرضها من دخول أريحا..

        وبينما كان الجميع مستغرقين فيما يفعلون مال أحد الجنود إلي زميله يقول له
        - أنظر إلي القائد شيشرون... لقد جن
        ونظر الجندي الآخر وفتح فاه مندهشا... لقد وجد شيشرون وقد خرج عن هدوئه المعهود أمام باب رحاب الزانية الملتصق بسور أريحا بجوار البوابة و هو يصرخ
        - افتحي يا راحاب... افتحي لي يا آسرة قلب بعليم... افتحي لي وحق الآلهة التي تخدمينها... أريد أن أشرب من نبيذك المعتق وأضع أقراص الزبيب أمام قدميك... أريد آن أغيب عن الوعي حتى لا أفكر في المصير المظلم الذي ينتظر أريحا.

        رأي الجندي هذا الآمر فقال لزميله
        - لتحمينا الآلهة... أهذا هو قائدتا الذي سوف يقودنا للحرب؟... لقد كان أشد تماسكا عندما كان القائد الأعلى جاجوم موجودا .
        - يبدوا أنه استنفذ كل شجاعته أثناء لقاؤه بجاجوم
        - تري من سوف ينتصر
        - لو لم تتدخل الآلهة لسوف نهلك جميعا.

        ***

        استيقظت رحاب من النوم منزعجة و هي تسمع صراخ شيشرون... لقد كانت من عادتها أن تنام في هذا الوقت من النهار بعد أن تكون قد استنفذت قواها في معبد بعليم وعشتا روث حيث تكهن كل ليلة. في تثاقل راحت تعدل من نفسها ثم اتجهت إلي الباب لتفتحه لتجد أمامها شيشرون الذي اندفع إلي الداخل وهو لا يزال يهذي
        - قولي آن آلهتنا سوف تنتصر يا راحاب... نحن مستعدون أن نقدم عطايانا وصلواتنا طوال النهار والليل لتعبر عنا هذه الكارثة.
        آخذت رحاب تهدئ من روع شيشرون وهو لا يزال يهذي ويهذي … فقالت له
        - اهدأ أيها القائد... بالتأكيد آلهتنا سوف تنتصر... لقد كنا طوال ليلة أمس نصلي في المعبد… ولقد وعدتنا آلهتنا بالنصرة... لماذا هذا الخوف أيها القائد؟ هذه ليست أول مرة نحارب فيها
        انهار شيشرون علي أول مقعد وقال
        - ولكنها أول مرة سوف ننهزم... إننا لن نستطيع أن نواجه هؤلاء القوم يا راحاب.
        صرخت مندهشة
        - لماذا هذا الخوف ؟ ما هو ذلك السلاح المخيف الذي يرعبكم من هؤلاء القوم.
        نظر إليها في بلاهة... كان كمن فوجئ بالسؤال…
        إنهم فعلا لا يمتلكون أي سلاح يستطيع أن يهدد شعب أريحا فلماذا هذا الخوف الذي يعتري الجميع منهم ؟؟... فقال شاردا
        - سلاح ؟… أنهم لا يمتلكون أسلحة كأسلحتنا…
        - علام الخوف إذن؟
        - تاريخهم يا راحاب .. ونبيهم موسى الذي استطاع آن يشق بحر المصريين منذ أربعين عاما ويتسبب في كارثة للمصريين بمعجزات تفوق الخيال... كما أن يشوع قائدهم الحالي سبق وانتصر علي سيحون و عوج... وآنت تعرفين قوتهما.
        نظرت راحاب في قلق
        - هل انتصروا علي المصريين والموآبيين ؟ إنهم عمالقة وجبابرة... كيف؟
        - لا ندري... أن الأمور تشبه المعجزات... هم لا يملكون ما لا يملكه أي شعب آخر...
        فهل يستطيع عجلون أن ينتصر علي إلههم؟.

        نظرت إليه رحاب شاردة... ثم نظرت إلي تمثال البعل الكبير الذي في بهو بيتها دون آن ترد. وفي بطئ أخذت كأسا من الخمر و قدمتها إلي شيشرون الذي تناولها بلهفة أعطته قارورة الخمر كلها، وفي صمت صعدت سلم بيتها لتنظر من الكوة التي في الطابق العلوي… كانت الكوة تطل علي ما بعد سور أريحا... لتنظر إلى غابات شطيم البعيدة... وأخذت تحدث نفسها
        - أنهم أتون إذن … سوف انتظرهم .
        أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
        Emad Hanna

        تعليق

        من قاموا بقراءة الموضوع

        تقليص

        الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

          معلومات المنتدى

          تقليص

          من يتصفحون هذا الموضوع

          يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

            يعمل...
            X