إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاستعمال الصحيح للمال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاستعمال الصحيح للمال

    الاستعمال الصحيح للمال


    بقلم: القس / الفريد فائق صموئيل

    رجاء قراءة لوقا 16 :1-13
    في عظته على الجبل قال لنا المسيح: " لا يقدر أحد أن يخدم سيّدين. لأنه إما أن يُبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال " { مت 6: 24} وتعد هذه الآية من أقوى وأوضح التعاليم في هذا المجال.

    ومن أوائل الخطايا في الكنيسة الأولى خطيةٌ اقتصاديةٌ عُوقبت بالموت وكانت تتعلّق بالمال؛ فكلنا يعرف ما حدث لحنانيا وسفيرة ... أخفيا المال عن الرسل وكذبا على روح الله بسبب الثروة أو الممتلكات.

    وفي أكثر من زيارة رعوية؛ كان السؤال الموّجه لي يتعلّق بــ : "لماذا امتدح السيد وكيل الظلم؟! هل الله يحب الظلم وهل المسيح راضي عن أفعال هذا الوكيل الخائن؟! " لذلك أحببت أن أُشارككم جميعاً بهذه الدراسة عن نفس الموضوع:

    يتحدّث الإصحاح السادس عشر من لوقا عن الطريقة الصحيحة لاستعمال المال؛ وفيه يُحذّرنا من الاستعمال الخطأ للمال؛ ففي ذلك الإصحاح توضيح لواجب المسيحي من نحو الثراء. وفيه نرى قصتيْن كحدثيْن أو مثليْن:
    (1) وكيل الظلم
    (2) والغني ولعازر ، مع بعض التعاليم بين رواية المثلين.

    ومثل وكيل الظلم من أكثر الأمثلة صعوبةً من ناحية التفسير وقد ورد في إنجيل لوقا وحده. وقد تكون قصة المثل تروى حادثةً حقيقيةً وقعت آنئذ.. ولكن صعوبة المثل ستقل كثيراً لو عرفنا أن كلمة "السيد" في {عدد 8 } تشير إلي صاحب المال وليس إلي المسيح. .. ولكن لماذا مدحه؟! لا شك أنه لم يمدحه لخيانته، بل لذكائه، فإن الوكيل عرف كيف يعاون نفسه، وحشد كل إمكانياته لذلك ... فهل يفعل اليهود كذلك؟!

    في المثل أو القصة؛ دعوةٌ قويةٌ إذاً لليهود ليقبلوا المسيح قبل فوات الأوان .. ولكن لوقا ربط هذا المثل بالتعليم عن المال ( ع 9-13) والفكرة أن تلميذ المسيح يجب أن يستعمل كل الذكاء في استعمال ماله، كما فعل وكيل الظلم. فتركيز الطلب هنا على استعمال الذكاء في التصرّف وقت الأزمات. ولكي لا نستغرّب من هذا الأسلوب عليَّ أن أُذكرّكم بأساليب كتابية أُخرى مماثلة ونحن نفهمها ونقبلها. خذ مثلاً قول الرب يسوع "كونوا حكماء كالحيات" أو تعبير بولس أن "المسيح سيأتي كلص" في مجيئه الثاني. في قول المسيح لا يقصد هنا أن نكون كالحيات المتصفة بالدهاء والمكر والغدر والقتل لكن يقصد أن نتصرّف بذكاء مثل ذكاء الحيّات الحريصات والواعيات في مواقف معينة مثل أن لا تطرحوا درركم قدام الخنازير. وفي تعبير بولس لا يقصد أن المسيح مثل اللص السارق لكن وقت مجيئه سيكون مفاجئاً وغير معروف مثلما لا يعرف صاحب المنزل متى سيأتي اللص لسرقته؛ فاللص لا يعلن عن موعد مجيئه ليستأذن من صاحب البيت أن يسرقه. وبنفس هذه الطريقة امتدح صاحب المال الوكيل لذكائه وفطنته وقت الأزمة التي مرَّ بها؛ لكنه لا يطالبنا بأن نفعل مثله من ناحية أفعال الظلم والخيانة المرفوضة بدليل طرده من الوظيفة.

    وفي عدد 14-18 محاولة لربط المثليْن معاً، مثل وكيل الظلم ومثل الغني ولعازر، فإن في المثليْن هجوماً على الفريسيين وشعورهم من نحو المال (14) وتفكيرهم القاصر عن الناموس (16) ثم تعليمهم عن الطلاق (18)

    وما دام الإصحاح يتكلم عن المسيحي والمال، فإن مثل الغني ولعازر يدين المسيحي الذي لا يعتني بجيرانه. ولا شك أن المسيح في المثل لا يقصد أن يقول أن الفقير في الأرض يُجازى في السماء، والغني في الأرض يتعذّب في الآخرة، ولكنه يقصد أن أية علامة ومعجزة لا تقدر أن تُغيّر فكر أهل الأرض الذين يرفضون الإيمان ! فإن الآية الوحيدة هي كلمة الله، ومن لا يقتنع بالكلمة وحدها لن يقتنع ولو حدثت معجزة، ولو قام ميت من قبره!!

    أحبائي،
    هناك حكمة مشهورة لشخص غير معروف. وهي عبارة عن تعريف عن المال يقول: “هو وسيلة تُستعمل كجواز سفر دولي لكل مكان ما عدا السماء. وهو معين دولي يمدنا بكل ما نحتاجه لكل شيء ما عدا السعادة". ويمكن أن نضيف على هذا القول أيضاً قول "وارن ويرسبي" أن المال أيضاً هو المهيّج للجشع والمضاربة والمستفِّز للطمع والمنافسة غير الشريفة، المال خادم ممتاز وعبد طيّع لكنه في نفس الوقت سيد قاسي وإله مرعب. وسيظل القول الكتابي سيد الأقوال في أن : "محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة " { 1تي 6: 10} ولقد ملأ المالُ العالمَ بالفسادِ والدمار.

    وعندما تقرأ عظات وأمثلة الرب يسوع، ستواجه بحقيقة تعليم المسيح المكثّف عن الثروة المادية. ولقد خدم أناس معظمهم فقراء لكنهم اعتقدوا أن الثروة ستحل جميع مشاكلهم فتاهوا في البحث عنها. ولم يكن المسيح غافلاً عن احتياجات الفقراء، وبقدوته وتعليمه شجّع أتباعه بالمشاركة بما معهم مع الآخرين. والكنيسة الأولى كانت لها سياسة المشاركة في كل شيء حتى أنهم باعوا ما يملكون وكان كل شيء بينهما مشتركاً. { أع 2: 44-47 و4: 33-37}.

    لقد وصف لنا يسوع في مثل (الابن الشاطر) الذي اعتدنا أن نسميه (الابن الضال)؛ رسم لنا فلسفتيْن مختلفتيْن للحياة وهما موقف كل من الابن الأصغر والابن الأكبر في المثل. فَقْبَلَ توبته أضاع الابن الضال حياته، لكن أخيه الأكبر قضى حياته فقط كجسر أمين. وهذان الموقفان خطأ، لأن الاتجاه المسيحي للحياة هو أنه ينبغي أن نستثمر حياتنا لخير الآخرين ولمجد الله. وفصل {لوقا 16 } يُرّكِز على هذه الحقيقة: إن الحياة وكالة، ولا بد لنا من أن نستعمل ونستثمر عطايا وفرص الله بأمانة. وفي يوم الأيام سنعطي حساب وكالتنا لله عن كل ما فعلنا بما قد أُعطي لنا، لذلك من الأفضل أن نطيع كل ما قاله لنا المسيح في هذا المجال عن الاستعمال الصحيح للثروة ونتجنّب الاستعمال الخطأ كما نتعلّم من هذا الفصل الكتابي.

    ويبدو أن هذيْن القصتيْن عبارة عن واقع ملموس وقت أن قالهما المسيح حيث لم يذكر المسيح أو لوقا أنهما مثليْن. إنهما علي ما يبدو يصفان أحداثاً واقعية. وعلى أية حال سواء كانا واقعاً أو مثلاُ، فإن الفوائد الروحية منهما تظل لها نفس الأهمية.

    تعالوا بنا نحاول فهم القصة أو المثل الخاص بوكيل الظلم الخائن:
    الوكيل ترجمة لكلمة يونانية Oikonomos وهو الشخص وكيل الدائرة الذي يقوم بإدارة أعمال مالك؛ حتى يحمل عنه عبْ الإدارة الروتينية. والوكيل في قصتنا هنا وكيل ظالم غبي لم يرضَ عنه سيده صاحب المال؛ فأراد طرده وجاء يوم الحساب. ومعروف في بلدان الشرق الأوسط إن وظيفة الوكيل هي إدارة ممتلكات أو ثروة شخص آخر هو صاحب المال. والوكيل لا يملك هذه الممتلكات لنفسه؛ لكنه يملك حرية التصرّف في إدارتها ليأت بالحصاد أو الربح لسيده. وحقيقة الأمر أن الوكيل يتمتع بهذه الممتلكات أكثر من صاحبها. وأهم شيء عن الوكيل أنه لا بد أن يكون أميناً تماماً لسيده. مكتوب: "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدّام المسيح ووكلاء سرائر الله. ثم يسأل لكي يُوجَدَ الإنسان أميناً" {1كو4: 1و2}. وعندما ينظر الوكيل حوله يرى الثروات أو الممتلكات؛ فعليه أن يتذكر دائماً أنها تخص سيده وهي ليست له شخصياً، وينبغي استعمالها بطريقة تُرضي مالكها وتفيد صاحبها الذي هو سيده.

    هذا الوكيل بالذات نسى أنه مجرد وكيل وبدأ يتصرّف كما لو كان هو المالك. لقد أصبح وكيلاً ضالاً وخائناَ ؛ فأضاع ثروة سيده. وقد سمع سيده عن ذلك، وفي الحال طلب مقابلته لمراجعة الممتلكات والحسابات. وفي هذه الأثناء تحرّك الوكيل بحكمة وفطنة وسرعة وسرية ليساعد الآخرين لكي يكونوا أصدقائه بعد طرده. وخاصة وأن كميات الديْن كانت تساوي في البعض الأحيان تقديم نفس وعائلة المدين عبيداً. وقد اعتاد الوكيل حياةً لا يمكن بعدها أن يصير فلاحاً أو أن يشحذ؛ فقد قال في نفسه إنني لا أقوى على الزراعة وأخجل الاستعطاء. والموت خير من ذلك في نظر اليهودي [يشوع بن سيراخ 40: 28] ماذا أعمل؟! إن فقدان الوكالة معناه فقدان مورد رزقي. وهنا جاءت الفكرة ــ أي توّصل إلي قرار ، وهنا نجد تلميحاً إلي إلهام مفاجئ : لقد وجدتها ــ وكانت الفكرة التي نفذّها قائلاً قد عرفت ماذا أعمل حتى إذا نُزعت عني الوكالة، يكون هناك من يقبلونني في بيوتهم. لقد وجد الطريقة التي بها يمكن من خلالها استغلال المدينين لمصلحته الشخصية. وقام بعمله بسرعة ونشاط وبسرية ضرورية بتخفيض ما على المدينين خمسين بدل مائة وثمانين بدل مائة. فأثنى سيده عليه لأنه كان فطناً في تصرفه. والثناء هنا ليس على الخيانة والظلم لأنه قرّر أصلاً طرده وسماه بالظالم أو الخائن فهذا بالطبع مرفوض. لكنه مدح فيه التصرّف بهذه الطريقة لمساعدة الآخرين. وهنا نكرّر أن الوكيل أُتهم بأنه يُبَذِّر أموال سيده لمصلحته الشخصية. ومن الواضح أن المالك اعتقد أن التهمة ثابتة، لأنه أخبر الوكيل أنه مطرود وأمره أن يُعد حساباً ختامياً. وهذا ما أتاح للوكيل وقتاً ليتدبر خطته لمواجهة هذا الموقف.

    وهذه هي المشكلة الأساسية في تساؤل الأكثرية عن مدح السيد للوكيل على ما فعل؛ رغم أنه كان معروفاً بعدم أمانته. لكننا رأينا أن هذا المدح لم يكن لعدم الأمانة بل لاتخاذه موقفاً حكيماً إبان أزمته. فمجيء المسيح أرغم البشر على اتخاذ قرار. وعندما يعرف أهل العالم حتى غير الأمناء منهم ــ كيف ومتى يتخذّون القرار الحاسم، فبالأولى يجب أن يعرف أتباع المسيح كيف يتصرّفون بحكمة ويتخذون القرار السليم. لقد أُمتدح الوكيل لحسن تصرفه وليس لممارساته التجارية الخاطئة والمرفوضة والمُعاقب عليها بطرده. فهناك إذاً اختلافاً شاسعاً بين امتداح الوكيل لأنه تصرّف بذكاء وبين امتداحه لأنه تصرّف دون اعتبار للأمانة.

    فهم القصة في سياق الأحداث وقتها:
    وحقيقة الأمر تحتاج أن نتفهم الموقف على ضوء الممارسات التجارية اليومية في ذلك الزمان. فكان يُحَرَّم على اليهود تحصيل فائدة أو ربا من مواطنيهم في حالة إقراضهم مالاً. { خر 22: 25 ، لا 25: 36 ، تث 23: 19}. أما أولئك الذين كانوا يريدون الكسب عن طريق القروض فكانوا يتحايلون على هذا بالقول إن الناموس يحرم استغلال الفقير. ولم يكن المقصود منه منع المعاملات التجارية البريئة التي كانت ذات نفع مادي متبادل للطرفيْن الموافقيْن؛ حيث كان سداد الفائدة يعتبر مشاركة في الأرباح. وإذا ما كان لدى إنسان ولو القليل من سلعة معينة فلا يعتبر من المعوزّين. فإن إقراضه لا يعتبر استغلالاً. ونظراً لأنه في الغالب ما يكون لدى كل إنسان قليل من الزيت، وقليل من القمح، أصبح الباب مفتوحاً على مصراعيه لتطبيقٍ متسعٍ لما تخيّلوه أنه معاملات شرعية. وكل ما يُقرض كان يُقدّر على أساس قيمته زيتاً أو قمحاً (لنقل ثمانين مكيال قمحاً مثلاً) ، والفائدة التي تُضاف إلي ذلك (لنقل عشرين مكيال). والعملية تُشكِّل رباً فاحشاً ، لكن الصك لا يشير إلي ذلك. وفي العادة تُعقد مثل هذه المعاملات عن طريق الوكلاء ، وربما دون معرفة المُلاّك. وهذا المثل يجب أن نفهمه على هذا النحو، وهو يتحدث عن وكيلٍ مُعَرَّض لضياع وظيفته، ولكي يُؤّمن مستقبله، كان يطلب الصكوك الأصلية ويطلب من المدينين كتابة صكوك جديدة تخصم منها الفوائد. فهو بذلك قلّل عنهم الديْن ولم يظلم المالك فقد أخذ حقه فقط. وتوقع الوكيل من المدينين أن يقدروا صنيعه فيقبلوه في بيوتهم. وتصرفه هذا جعل المالك في موقف صعب وفي وضع ليس من السهل التصرّف فيه. فلسوف يواجه الصعاب في مطالبته بالكميات المطلوبة لأن الصكوك الأصلية قد أُعدمت. وعلى أي وجه، لا يستطيع أن يتبرأ أو يتنصل من عمل الوكيل دون أن يدين نفسه بقبول الربا المرفوض من الشريعة والذي سيجعل المالك في موقف محرج جداً. وأنه لأمر في غاية الصعوبة أن يحصل على حقوقه القانونية، دون أن تظهر تصرفاته التي تتنافى مع أحكام الشريعة. ولذلك لم يكن أمامه حيال هذا الأمر ــ سوى أنه "امتدح الوكيل". وهذا جعل الناس يثنون عليه هو أيضاً وحصل بذلك على وصف لا يستحقه وهو التقوى. لقد ظهر الوكيل الآن على أنه يتصرّف وفقاً للشريعة الإلهية كما ظهر المالك أمام الناس أنه موافق على ذلك فأصبح في نظر الناس رجلاً صالحاً. وكل منهما كان يتصرّف بحكمة في أحوال عسيرة. لقد وضع الوكيلُ المالكَ في وضع لا يُحسد عليه، لأن الوكيل قد تخلّص من العقود ذات الفوائد الربوية. ومعارضته علناً لتصرف مثل هذا يظهره على حقيقته، باعتباره ظالماً وغير متديّن. ولم يكن أمامه من مفر سوى استغلال الموقف لصالحه الشخصي، ومدح الوكيل وتظاهر باستحسان ما عمله. وهذا يرفع من شأنه أمام الناس. وهنا يكون المدح للأسلوب الإداري وليس الأخلاقي. ولم يقل أنه سُرَّ بذلك. بل هو بكل بساطة أُعجب بذكاء الوكيل، بينما في قرارة نفسه كان حزيناً بلا شك على خسارته. ولو أنه أبقى عليه في وظيفته لكان المدح سيكون على أخلاقه وتكون حيرتنا على حق؛ لكن الواقع يقول لنا أنه طرده.

    مقارنة أبناء هذا الدهر وأبناء النور:
    والعقلية الدنيوية (أبناء هذا الدهر) حكماء حسب مفاهيمهم. أبناء هذا العالم دائماً يُفكرون في المستقبل البعيد، في تعاملهم مع جيلهم؛ أكثر مما يفعله أبناء النور. وأبناء النور هم خدّام الله. وهم بمقاصدهم الطيبة، كثيراً ما تُعوزّهم الحكمة كي يستعملوا ما عندهم من ذكاء كما يستخدم أهل العالم حكمتهم
    في إدارة ممتلكاتهم أو في التصرّف وقت الأزمات لتحقيق غاياتهم المغايرة تماماً؛ فو إن كان هذا ما يفعله أهل العالم لتحقيق أهدافهم الدنيوية فكم بالأحرى نحن أهل النور ولدينا أهداف روحية سامية تحتاج لحكمةٍ أكثر وفطنةٍ أعمق. فإن كنا نريد ربح الناس للأبدية السعيدة فعلينا ببذل الغالي والنفيس لهذا الغرض؛ لخدمة الناس والصرف على أعمال ملكوت الله من أموالنا.

    إذن؛ ما هو الاستعمال الصحيح للثروة؟!
    يتخّذ الرب يسوع من موقف الإنسان بالنسبة للمال وسيلة للتعليم بأن التلمذة لا بد وأن تكون صادقة من القلب وأن يكون القلب للرب فيصبح الجيب أيضاً للرب ويرخص كل غالٍ لعمل الله الأغلى والأبقى.

    لقد وضع الرب يسوع في{ آية 10 } مبدأ أن الإخلاص لا يأتي مصادفةً، وإنما ينبع من شخصية الإنسان ككل. ما يفعله الإنسان بالنسبة لأمور الحياة البسيطة، هو ما يفعله أيضاً بالنسبة للأمور الكبيرة. وتظهر أمانته أو عدمها من خلال هذه الأمور كلها. فالحياة وحدة لا تتجزأ.

    ويفرّق الرب يسوع بين "مال الظلم" وهو الثروات الأرضية ، و"مال الحق" وهو الكنوز السماوية التي لا يستطيع أحد إلا الله. وطبقاً للمبدأ السابق في {آية 10 } فالإنسان الذي يستعمل أمواله بطريقة خاطئة يُظهر عدم أهليته للتعامل في أشياء أكثر أهمية. ومثل هذا الإنسان لا يجب أن يستغرّب إذا ما حرمه الله من مثل هذه الأشياء. وما لم نكن أمناء فيما هو لنا، لا نكون جديرين أن نُؤتمن على ما هو للغير. فالمال الذي نعتقد أنه لنا، هو في الحقيقة ليس ملكنا. بل كل ما لنا هو من الله ولله. يقول داود في {1أخ 29: 14} :"أيها الرب إلهنا كل هذه الثروة التي هيّأناها لنبيَ لك بيتاً لاسم قُدْسِكَ إنما هي من يدك ولك الكل". نعم يا أحبائي { من يدك يا رب ولك الكل يا رب}. ونحن لسنا سوى وكلاء على مال الله الذي معنا. ولا نستطيع أن نأخذه معنا عند موتنا. وإذا أسأنا التصرّف فيه ونسينا حق الله فإننا بذلك نُظهر أننا لسنا مستحقين الكنوز السماوية الحقيقية والتي ستُعطَى لنا ملكا أبدياً {مت 25: 34} . فلنكن جميعنا عبيداً لله وخدّاماً للمسيح وليس للمال. فالخدم هو عبد يخدم في البيت، ولا يمكن أن يكون عبداً لسيّديْن في وقت واحد. قد يحاول، لكن إخلاصه التام لن يكون إلا لواحد منهما فقط. هكذا الحال بالنسبة {لله والمال}. والإنسان يستطيع أن يخدم أحدهما بكل إخلاص، لكنه لا يستطيع ذلك بالنسبة لكليهما معاً.

    علينا أن نستخدم المال الذي بين أيدينا بحكمة و لا نكون مثل الفريسيين محبين للمال ولا نكون بخلاء على عمل الله. والمال الذي معنا يُسمَّى مال ظلم؛ لأنك لا تعلم في ماذا أُستعمل قبل أن يصل يديك. فربما يكون هذا المال قد استعمل في صفقات شريرة من قبل. وربما يكون قد تسبب في إيذاء آخرين قبل أن يصلك. إنه مال ظلم لأننا نعيش في عالم ظالم. فهناك من يقومون بأعمال صعبة وأشقى وأتعب لكنهم يحصلون على القليل مقارنة بمن يقومون بأعمال خفيفة أو لا يقومون بأعمال على الإطلاق لكنهم لمجرد أنهم واسطة أو أصحاب سلطة يحصلون علي الملايين؛ وهؤلاء هم الذين يعطوننا المال. إنه مال ظلم. المهم أنك لا تكون أنت ظالماً أو خائناً لما أنت مؤتمن عليه. فهناك نوعاً ما من الظلم بوجه عام في الطريقة التي يحصل بها الناس على الأموال. وتلاميذ المسيح عليهم أن يستعملوا ما لديهم من مال في النواحي الروحية. تماماً كما يستعمل أبناء هذا الدهر أموالهم لأهدافهم المادية. فهذا وكيل الظلم بمال الظلم خدم الآخرين فكم بالأحرى نحن علينا أن نخدم الآخرين. وحيث أن هدفنا هو "كنز في السماء" علينا أن نستخدم المال لأهداف سامية، في الصدقات في افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم في التوزيع على أعمال الخير في التبرّع للملاجئ وبيوت الخير في المساهمة بالوقت والجهد لمجد الله وفي بيت الله. وما إلي ذلك من أوجه الخير المتعددة. وهكذا لنا أصدقاء، ويجعلنا في موقف راسخ طيب، يوم لا ينفع المال، وذلك بعد الموت حيث لا نعود نستخدم أموالاً بعد. ومعنى "يقبلونكم في المظال الأبدية" يقول القس ليون موريس بالمقارنة مع {يو 14: 2} تشير إلي أن الأصدقاء الذين كسبناهم بهذه الطريقة سيربحون بنا في السماء. أما الاحتمال الأرجح فهو أن هذه عبارة شائعة في العبرية يُشار بها إلي "الله" ، وذلك تمشياً مع الرغبة في تفادي استعمال الاسم الإلهي. إذا فالله هو الذي يقبل الناس في السماء.

    وختاماً أُقدّم لكم تلخيص التطبيق الروحي:
    قبل أن نحكم على هذا الوكيل بقسوة ــ وما أسهل علينا أن نحكم كبشر على الآخرين الذين هم ربما في نظر الله أفضل منا ـــ دعونا نختبر حياتنا نحن لنرى إن كنا بالفعل وكلاء أمناء على ما أعطانا الله:

    (1) ولنبدأ بتقسيم المسيح للحياة: لقد اعتدنا أن نقسّم الحياة إلي : روحية ومادية. لكن الرب يسوع لم يستعمل هذا التقسيم. فمن (مت 6: 19-34) نراه قد أعلنها واضحة: أن الموقف الصحيح تجاه الثروة هو علامة على الروحانية الحقيقية (لو 12: 13 وما يتبعه، 16: 1-31). كان الفريسيون قوم covetous (لو16: 4) واستعملوا الدين ليحصلوا على المال. والحقيقة هنا: أنه إذا كان لدينا بر المسيح في حياتنا، عندئذٍ سيكون لدينا الموقف الصحيح ناحية الثروة المادية.
    (2) فما هو موقف المسيح من الثروة؟: لا يوجد في نص ما أن انتقد المسيح الحصول على الثروة بالطريقة الصحيحة؛ كما أن لا نجد نصاً يُمجّد فيه المسيح الفقر. لقد خلق الله كل الأشياء، شاملة الطعام واللبس والمعادن النفيسة وغيرهم الكثير جداً. وكل ما خلقه الله كان حسناً ورائعاً (تك1: 31). فلقد أعلن الله ذلك بنفسه. ويعلم الله أننا نحتاج لأشياء معينة لكي نحيا (مت6: 32). وفي الواقع، أنه أعطانا كل شيء بغنى للتمتع (1تيم 6: 17). و لا ننسى أن الرب يسوع قد حذرنا ضد خطية المعيشة من أجل أشياء هذه الحياة. وقد أشار إلي العديد من التتابعات السيئة والنتائج الشريرة التي تأتي بسبب الطمع والزنى وعبادة الأوثان. وأعلن في (مت 6: 19-24) أن المادية يمكن أن تستعبد القلب (19-21) والعقل (22و23) والإرادة (24) ويمكننا أن نصير عبيداً للأشياء المادية في الحياة، لكننا يجب أن نتحرر منها ونصير عبيداً للروح القدس.
    (3) وعليه أن نسأل ما هو موقفنا من الثروة أو الأشياء في هذه الحياة؟: ليس من الخطأ امتلاك الأشياء لكن من الخطأ أن تمتلكنا الأشياء. وخطية عبادة الأصنام خطيرة مثل خطية الزنى ومخزية مثل خطية الهرطقة؛ وخطية امتلاك الأشياء لنا ــ أي نصير عبيد لها ــ لا تقل عن أية واحدة من الخطايا السابقة. وكل الخطايا خطايا في نظر الله. وعندما تمتلكنا الأشياء فنحن نصير عبدة أوثان. وهناك العديد من التحذيرات في الكتاب المقدس ضد الـ covetousness في (خر 20: 17، مز 119: 36، مر7: 22، لو12: 15 وما يليه، أف5:5، كو3: 5). وعندما يحب القلب الأشياء المادية؛ ومن ثم تستحوذ على العقل والإرادة كما علّم المسيح، سيضع الإنسان الربح الأرضي أمامه للحصول عليه أعلى وأهم من الربح السماوي: فإن النتيجة ستكون مدمرة في خسارة حزينة. ويمكنك أن تستعمل الكنوز الأرضية لمجد الله فتكون أنت المسيطر عليها وليست هي المسيطرة عليك.
    (4) ثم نعلم ونعمل بكوننا وكلاء على ما نظن أو يظنه الناس ثروتنا المادية التي هي ملك لله؛ لأننا نحن جميعاً ملكه: وهي ثروته هو، التي نديرها نيابةً عن الله مالكها؛ سواء كانت قليلة أم كثيرة، فإننا في يوم من الأيام سنقف أمام الله لنُعطي حساب وكالتنا وسنجيب الله عن طريقة صرفها واستعمالها. والوكالة المسيحية تذهب إلي أبعد من عشور دخلنا الشهري ثم بعد ذلك نفعل ما نشاء بالباقي. إن الوكالة الحقيقية تعني أن نشكر الله من أجل كل ما نملك {تث 8: 11-18} ونستعملها كما يُوجهنا هو. إن إعطاء الله 10% من دخلنا أسلوب جميل كبداية لوكالة أمينة؛ لكننا لسنا يهوداً أو فريسيين أو كتبة؛ فنحن مؤمني العهد الجديد و يطالبنا المسيح أن يزيد برنا عن الكتبة والفريسيين. فنحن علينا أن نتذّكر أن الله هو المالك وينبغي أن يسيطر هو على ما نفعل ب 90% الباقية أيضاً. والرب دائماً يُبارك ويُعوّض وهذا المجال الوحيد الذي قال فيه جربوني؛ وقد جرّبه كثيرون فوجدوه أمينا وفاضت عليهم بركات حتى لا تُوسَع.
    (5) ونحن أيضاً وكلاء على الوقت {أف 5: 15-17} "مفتدين الوقت" تعبير يأتي من عالم رجال الأعمال يعني " شراء الفرصة وأغتنم الفرصة " مثل تعبيرات سائدة كن مستيقظاً السوق عايز المفتّح والرزق يحب الخفية. الوقت هو الأبدية متداخلة في دقائق ثمينة تَمَّ تسليمها لنا لنستعملها إما بحكمة أو بإهمال. ونحن مُعرّضون بطبيعتنا لتأجيل ما يخص عمل الله؛ فلنحذر من ذلك. والدرس الرئيسي لهذه القصة أن هذا الوكيل بالرغم من عدم أمانته المرفوضة؛ قد استعمل الفرصة التي قُدمت له بحكمة وبسرعة وأعدّ الخطوات لمستقبله. فالحياة التي وإن أُخذت كمتعة فإنها تصبح استثماراً.
    (6) والمسيحيون أيضاً وكلاء على عطايا ومواهب ونعم الله المتنوعة التي أعطاها الله لهم {1بط 4: 10} ويجب علينا أن نستعمل هذه العطايا والإمكانيات لخدمة الآخرين. هناك ثلاث مواقف بهذا الخصوص؛ موقف اللص وموقف الأناني وموقف المسيحي: يقول اللص: " ما هو لك فهو لي ــ سآخذه ". ويقول الأناني : " ما هو لي فهو لي ــ سأحتفظ به". لكن المسيحي يجب أن يقول :" ما هو عطية من الله ــ سوف أُشارك به الآخرين". نحن وكلاء وعلينا أن نستخدم إمكانياتنا لنربح الضالين، ونُشجّع القديسين، ونُقابل بها احتياجات البشر المجروحين.
    (7) وأخيراً ، رجال ونساء الله وكلاء على الإنجيل {1تس 2: 4} وكل مؤمن هو من رجال الله وكل مؤمنة خادمة لله. لقد أودّع الله كنز حقه فينا {2كو4: 7} وعلينا أن نحرس هذا الكنز {1تي 6: 20} وعلينا أن نستثمره في حياة الآخرين { 2تي 2:2}. ولنحذر لأن العدو يريد أن يسرق هذا الكنز من الكنيسة جماعة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها {يه 3و4} وعلينا أن نكون يقظين وشجعان. فلنشارك الإنجيل مع الجميع ونكرز به للخليقة كلها ونعلن محبة الله لكل البشر.
    (8) وختاماً؛ ما هي الوكالة المسيحية الحقيقية؟: ومثل هذا الوكيل سنعطي يوماً حساباً عن وكالتنا {رو 14: 1-12 و 2كو5: 10 وما يتبعه من أعداد}. وإذا كن أمناء فإن الرب سيُقدّم لنا مدحه ومكافأته {مت 25: 21 و1كو 4: 5} لكن إن كنا غير أمناء، سنخسر هذه البركات، حتى لو خلصنا ودخلنا السماء { 1كو3: 13-15}. وهذا ما هو علينا فعله باستمرار: علينا أن نستمر في العشور والعطاء والتقدمة؛ علينا أن نستمر في تخصيص أوقات لعمل الله في بيوتنا وخارجها وفي بيت الله وخارجه؛ علينا أن نستعمل مواهبنا وإمكانياتنا لمجد الله وفي خدمة الآخرين؛ وعلينا أن ننشر الإنجيل رسالة الحب الإلهي لكل البشر وبدون توقف ونربح النفوس للرب ــ هذه هي الوكالة المسيحية الأمينة والحقيقية.

    وبذلك نكون وكلاء أمناء وسوف يكافئنا الرب بسخاء،
    وهذه المكافأة ستجلب المجد لاسم الله المبارك مالك السموات والأرض.
    لا تنسوا يا أحبائي أن هناك نفوساً يُمكن أن تُربح للمسيح المخلص،
    وتبرعك لعمل الله وخدمته وكنيسته؛ يمكن أن يساعد لتحقيق هذا الهدف. آمين.
    القس / الفريد فائق صموئيل
    قسيس إنجيلي

    D. Min. Studies, Fuller

من قاموا بقراءة الموضوع

تقليص

الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

    معلومات المنتدى

    تقليص

    من يتصفحون هذا الموضوع

    يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

      يعمل...
      X