حب في حياتي
بقلم :هايدي حنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا فتاة اسمي ليئة، لي أخت تصغرني اسمها راحيل، وهي أجمل مني بكثير، فأنا دميمة إذا ما قورنت بها، وقد لقبوني عائلتي وعشيرتي بالفتاة ضعيفة العينين .. ياله من لقب !!!!
وبسبب جمال راحيل فقد نالت النصيب الأكبر من الحب والدلال من أفراد عائلتنا، كما إنها نالت إعجاب كل شباب عشيرتنا، وتقدم لخطبتها الكثير من الشباب ولكن الرد عند أبي كان واحد وهو :
_ يجب أن تتزوج أختها الكبرى أولاً …فهذه هي العادات والتقاليد ولا يجب أن نهملها …
ويخرج الشاب مجروح القلب لأنه لم يستطيع أن يتزوج بمن أحبها قلبه، وينظر لي أبي وتنظر لي راحيل، وكانت نظراتهم لي كالسيف، حادة تخترق نفسي وتجرحها فأهرب من تلك النظرات وأبعد بعيداً خارج الخيمة وأرفع عيناي للسماء وأصرخ وأقول :
_ لماذا يارب .. لماذا يارب … لماذا تقسو علي هكذا … لماذا خلقتني دميمة … وخلقت أختي بهذا الجمال … لماذا ؟
ثم أمسح دموعي وأقول …. " بالتأكيد سأجد من يحبني لذاتي وليس للجمال ويتقدم لخطبتي وأتزوجه وأعيش معه زوجة وفية مخلصة تملأ بيته بالحب الذي حرمت منه وأنا في بيت أبي لابان …
تمر الأيام والأحوال هي الأحوال لا جديد … وكثيراً حاولت إقناع والدي أن يزوج راحيل ولا داعي أن ينتظر زواجي قبلها .. ولكن دون جدوى فأبي يحترم العادات والتقاليد وليس عنده أي استعداد أن يغيرها مهما كانت الظروف.
كانت راحيل تذهب كل يوم لترعى أغنام أبي أما أنا فكنت أقوم بأعمال المنزل من تنظيف والطهو وغير ذلك ولا أخرج للرعي … بالطبع فالجميلة هي التي تخرج وتظهر … فجمالها يجعل الآخرون يحاولون مساعدتها في رعي الغنم، أمان الدميمة فعليها أن تختبئ في الخيمة لا يراها أحد …
يارب هل كتب علي أن أعيش في هذا الظلام، ظلام من الخراج بعدم خروجي وظلام داخلي وذلك من خلال شعوري بالظلم ولا أحد يشعر بي ولا أحد يحبني ..
أصبحت أشعر أن الأمل الذي أعيش لأجله وهو العثور على شخص يحبني بدأ يخبو يوماً بعد يوم … إلى أن جاء هذا اليوم الذي عاد الأمل يرقص أمام عيني من جديد .. ففي هذا اليوم دخلت أختي مسرعة لأبي وهي تلهث وتقول :
_ جاءنا ضيف يا أبي
_ من هو يا ابنتي
_ أنه شاب يقول أنه ابن عمتنا
_ ابن أختي رفقة!!!
_ نعم يا أبي اسمه يعقوب .
خرج أبي مسرعاً وهو سعيد لملاقاة هذا الشاب يعقوب ابن عمتنا … إن أبي كان يتكلم عن أخته هذه في بعض الأحيان، حدثنا عن جمالها وجرأتها وكان دائماً يقول أن راحيل تشبه عمتها رفقة كثيراً في جمالها وجرأتها ودهائها ….، ترى لماذا قرر ابن عمتنا يعقوب زيارتنا بعد كل هذه السينين … وفيما كنت أفكر قطع تفكيري صوت أبي وهو يرحب بالضيف ودخل يعقوب علينا … ووجدت نفسي مشدودة إليه وبدأ قلبي يخفق بشدة..
_ ياله من شاب وسيم وجميل ….
قدمني أبي إليه ومددت يدي لأصافحه وقد انتابني خجل شديد، وما أن لمست يده يدي حتى شعرت برعشة تسري في جسمي وكياني كله وسخونه شديدة أصابت وجنتيّ، فسحبت يدي بسرعة وحاولت أن أرحب به ولكن تلعثم الكلام في فمي، فتدخلت راحيل ورحبت بالضيف وأحسنت الترحيب وانسحبت أنا كالعادة للخلف لأترك لراحيل دفة الكلام والترحيب به .
مكث عندنا يعقوب وكان يذهب مع راحيل كل يوم ليساعدها في رعي أغنام أبي … وكنت أنا أمكث بمفردي تأكلني نار الغيرة على يعقوب من راحيل، وعندما يعود كنت أحاول أن ألفت نظره لي حتى يشعر بي ويشعر بمحبتي له ولكن هيهات فقد كان يعقوب مأخوذ تماماً بجمال راحيل الذي يشبه جمال أمه كما قال لنا أبي … وكعادتي استسلمت للوضع وأنا حزينة باكية ..
مكث يعقوب مدة شهرين عندنا بعدها جلس معه أبي حتى يتفق معه على أجرته مقابل مساعدة أبي في أعماله … وهنا كانت الفاجعة فقد طلب يعقوب الزواج من راحيل مقابل أن يعمل لدى أبي مدة سبع سنوات بدون أجر …
_ هل هذا معقول !! هل يحب يعقوب أختي إلى هذا الحد هل تصل محبته أن يعمل أجير عند أبي بلا مقابل حتى يتزوج منها !!! … ألم تشعر يا يعقوب بمحبتي لك، كان عليك أن تحس بها من نظراتي لك و معاملتي معك فكلها كانت تقول لك " أحبك "، وهنا لم أستطيع أن أتحمل فخرجت مسرعة من الخيمة وأنا أبكي وصرخت بأعلى صوتي:
_ لم أعد أتحمل يارب هذا الظلم … لماذا لم يشعر بي يعقوب وأحبني مثلما أحببته فقد كنت أحتاج لذلك، إن راحيل لم تكن تحتاج لمحبته لأنها فعلاً محبوبة، فكل من يراها يحبها، حتى بين أفراد أسرتنا هي المدللة المحبوبة … لماذا يارب لم يمل قلب يعقوب لي أنا … فأنا أحببته بشدة، كان يجب أن يشعر بهذا الحب آه يارب له من ألم لا أستطيع تحمله …. السبب في كل هذا راحيل لم تعطيه أي فرصة حتى أن يفكر، لقد أحاطت به ونسجت خيوطها عليه مثلما تفعل العنكبوت بفريستها … اللعنة عليها أني أكرهها .. أكرهها ..
*****
مرت السنون السبع وكان أبي لديه أمل أن أتزوج قبل أم تمر هذه السنوات ولكن هيهات إن هذا الأمر أصبح مستحيل ولم أعد حتى أحلم به فهذا ليس من حقي … ليس من حقي أن أحلم السعادة والحب …
أخيراً جاء اليوم الموعود يوم وفاء أبي بالعهد .. يوم زواج راحيل بيعقوب، في هذا اليوم حبست نفسي في الخيمة وأخذت أبكي وأبكي بمرارة وألم لم أشعر بها من قبل … وتمنيت الموت لنفسي فهذا أفضل لي، لقد كان حب يعقوب ابن عمتي هو حبي الوحيد الذي ملك على حياتي والآن فقدته فلّما الحياة إذاً … وأنا أفكر بهذه الأمور دخل علي فجأة أبي ومن كثرة توتره لم يلاحظ الدموع التي في عيني، وقال لي :
_ خذي أرتدي هذا !!
_ ما هذا ؟! انه رداء فرح راحيل
_ نعم
_ ولماذا أرتديه أنا إذاً ! .. أليس اليوم هو يوم زفافها هي على يعقوب أم تراني أخطأت
_ لا .. اليوم يوم زفافك أنتي على يعقوب
لم اصدق ما يقوله أبي وتحول حزني ومرارتي لفرح وقلت لنفسي :" هل أحس بي أخيراً يعقوب، هل أحس بحبي له وتقدم لخطبتي وترك راحيل .. أخرجني أبي من دائرة أفكاري بالحقيقة المُرة …
_ أسرعي يا ليئة وأرتدي هذا الرداء وأخفي وجهك قبل أن يعرف يعقوب بأنك لست راحيل
_ فصرخت وقلت " ماذا !!! "
_ اسمعي يا ليئة لقد انتظرت طويلاً حتى يتقدم لخطبتك أي شاب ولكن دون جدوى، وعلى وما أظن أنه أصبح من المستحيل أن يتقدم لك أي شاب وأن تتزوجي خاصة بعد زواج راحيل
_ ونكست رأسي وقلت : وهل هذا ذنبي يا أبي
_ ليس ذنبك ولكن كان علي أن أحل هذه المشكلة، ولذا قررت خداع يعقوب وأجعلك أنتي زوجة له بدلاً من راحيل..
_ قلت صارخة : مستحيل لن أقبل هذا الأمر أبداً .
_ ثار أبي علي وقال : لا يحق لك القبول أو الرفض فهذا أمر عليكي تنفيذه دون أي مناقشة .
_ لكن يا أبي ….
_ قطع أبي الكلام قائلاً : أرتدي هذا الرداء فوراً .
_ وعندما يكتشف يعقوب الأمر ؟
_ ستكوني أصبحتي زوجة له بالفعل
_ ولكن هذه إهانة كبيرة لي يا أبي وأنا لا أقبلها
_ كفي عن هذه الفلسفة … واسمعي ما أقوله لم فهذه هي الطريقة الوحيدة لكي تتزوجي
_ آه … يالها من طريقة مهينة ومذلة
_ عليكي أن تستعدي … بعد فترة سأحضر وأسلمك ليعقوب وتصبحي زوجة له … لا يجوز أن تتزوج الصغرى قبل الكبرى .. وعلى يعقوب أن يفهم عادتنا ويقبلها
_ بهذه الطريقة !!
_ نعم
_ سيثور عليك لأنك خدعته
_ سأتدبر هذا الأمر فيما بعد .. وبعد أن أكون قد نفذت خطتي .
_ خرج أبي وتركني وأنا مذهولة … انه حلم حياتي أن اصبح زوجة ليعقوب ولكن ليس بهذه الطريقة المهينة لي ولكرامتي .. وعلى مضض ارتديت الرداء وانتظرت أبي حتى آتى وأمسك بيدي وسحبني ورائه كمن يسحب شاة وهي في طريقها للذبح بدون شفقة أو رحمة، وهل هناك فرق فأبي يسحبني وأنا في طريقي لذبح كرامتي وقلبي غير مبالي لمشاعري، فهذا هو الحال عند أبي لم يعمل حساب ولو يوم واحد لمشاعري وكأن البنت الدميمة ليس لديها مشاعر، عليها أن تقبل أي قرار مهما كان مهين … يارب ليتك تأخذ نفسي وأنا في طريقي ليعقوب، فأهون علي أن أصل عنده وأنا جثة هامدة عن أن يتزوجني وهو يحب أختي ويكرهني .
سلمني أبي ليعقوب، وفي اليوم التالي بعد زواجنا أكتشف يعقوب اللعبة فثار وغضب علي وخرج وذهب لأبي وثار عليه لأنه خدعه وزوجه مني وهو كان يريد راحيل ولا يريدني أنا …
آه ….ما اصعب تلك الكلمات على أذن أي فتاة … من يستطيع تحمل هذا الموقف … شاب يتزوج فتاة بالخداع ولا يريدها، فهي مرفوضة منه ولكنه يحب أختها ويريد الزواج منها .
وأخيراً أتفق أبي ويعقوب أن يمكث معي أسبوع بعدها يتزوج راحيل مقابل العمل عنده مدة سبع سنوات أخرى .. ألهذا الحد يحب يعقوب راحيل … يعمل عند أبي بدون أجر لمدة أربعة عشر عاماً حباً براحيل وبالزواج منها .
يمر الأسبوع ويتزوج يعقوب بأختي … وتمر الأيام ويفتح الله رحمي وحبلت أما راحيل فكانت عاقر، وشكرت الله كثيراً فقد كنت مكروهة من يعقوب ولعل هذا الطفل يجعله يحبني، أنجبت ولداً وقلت الله نظر لمذلتي أنه الآن يحبني زوجي فسميته " رأوبين " أي انظروا هوذا ابن … ولكن للأسف لم يحبني يعقوب قط بل كان يقضي معظم أوقاته مع راحيل وفي حضنها، وكانت تمر علي الليالي وأنا وحدي ويعقوب مع راحيل، وكنت أشعر إن فراشي ملئ بالشوك لا أستطيع النوم عليه … وكثيراً ما بللت فراشي بالدموع … وحاولت أن أجعل يعقوب يحبني ولكن حب راحيل تملكه ولم يترك لي مكان في قلبه حتى ولو صغير .
أكرمني الله مرة أخرى وحبلت وأنجبت ولداً آخر وقلت لنفسي إن الله سمع إني مكروهة فأعطاني هذا أيضا ." وسميته " شمعون " … ثم حبلت مرة ثالثة وأنجبت ولد أيضا وقلت هذه المرة سيقترن بي زوجي لأني أنجبت له ثلاث بنين وسميته " لاوي " أي مقترن .. ولكن للأسف لم يقترن بي زوجي …
حبلت للمرة الرابعة … ولكني لم أفرح هذه المرة بحبلي لأني عرفت أنني مهما أنجبت ليعقوب لن يحبني، وإن محبته لراحيل لن يزعزعها أي شيء … ومرت الشهور ويوم ولادتي أقترب .. وفي ليلة ومثل معظم الليالي كنت وحيدة شعرت بالاختناق وخرجت أستنشق الهواء ونظرت للسماء وقلت :
_ يا الله لم أجد يوماً حباً في حياتي … لم يحبني أحد … كنت دائماً مكروهة ومرفوضة … من عائلتي ومن زوجي … هل هذا لأني دميمة … وما ذنبي في ذلك ….حتى زوجي الذي أحببته من كل قلبي لم يبادلني حباً بحب …. احتاج للحب يملأ قلبي وروحي .. هل سأجده يوماً أم سأظل هكذا … إن الموت أهون علي من هذه الحياة … لقد ظلمني أبي وأختي وزوجي … أما أنت …. لحظة … آه يا الله لماذا لم ألتفت لهذا الأمر من قبل ….
لقد وجدت الحب في حياتي يا الله … فأنت تحبني لقد رزقتني بثلاث بنين والرابع قادم، لأنك عرفت أنني مكروه من يعقوب رزقتني بالبنين … وأعطيتني فرصة حتى أعوض الحب الذي حرمت منه في أولادي … شكراً لك إلهي … شكراً لك … ساعدني حتى أتمسك بك كلما شعرت الرفض ممن هم حولي … وساعدني حتى أتذكر حبك لي كلما شعرت بأنني مكروهة من الناس …
وبعد هذه الكلمات دخلت الخيمة وأنا سعيدة وبداخلي سلام لم اشعر به من قبل …وفي هذه الليلة أنجبت أبني الرابع وقلت هذه المرة يجب أن أحمد الله من أجل محبته لي لذا سميته " يهوذا " أي أحمد الرب … وقلت لنفسي :
أخيراً يا نفسي وجدت حب حقيقي في حياتي .
عزيزي القارئ :
ــــــــــــــــــــــ
هل تعرف إلى أي مدى وصلت محبة الله لليئة ؟ ….وصلت هذه المحبة لدرجة أنه من نسلها جاء السيد المسيح ، فإن أبنها الرابع وهو يهوذا من نسله جاء السيد المسيح
( إنجيل متى إصحاح 1 ).
فليئة التي يقول عنها الكتاب المقدس إنها كانت مكروهة هي جدة السيد المسيح … يا لها من محبة فائقة .
قد تشعر أن الناس يكرهوك وأنك شخص مرفوض .. مكروه … محروم من المحبة …
عندما تشعر بهذه المشاعر عزيزي القارئ تأكد أنك مخطئ لأنه يوجد من يحبك .. ولن يتخلى عنك أبداً … فالله يحبك محبة فائقة … وإذا كنت تشك بهذا الأمر تذكر ليئة وكيف أن العالم رفضها ولكن الله أحبها وكافئها وهي المكروه من حولها .
** هذه القصة مذكورة في تكوين 39 : 9 _ 35
بقلم :هايدي حنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا فتاة اسمي ليئة، لي أخت تصغرني اسمها راحيل، وهي أجمل مني بكثير، فأنا دميمة إذا ما قورنت بها، وقد لقبوني عائلتي وعشيرتي بالفتاة ضعيفة العينين .. ياله من لقب !!!!
وبسبب جمال راحيل فقد نالت النصيب الأكبر من الحب والدلال من أفراد عائلتنا، كما إنها نالت إعجاب كل شباب عشيرتنا، وتقدم لخطبتها الكثير من الشباب ولكن الرد عند أبي كان واحد وهو :
_ يجب أن تتزوج أختها الكبرى أولاً …فهذه هي العادات والتقاليد ولا يجب أن نهملها …
ويخرج الشاب مجروح القلب لأنه لم يستطيع أن يتزوج بمن أحبها قلبه، وينظر لي أبي وتنظر لي راحيل، وكانت نظراتهم لي كالسيف، حادة تخترق نفسي وتجرحها فأهرب من تلك النظرات وأبعد بعيداً خارج الخيمة وأرفع عيناي للسماء وأصرخ وأقول :
_ لماذا يارب .. لماذا يارب … لماذا تقسو علي هكذا … لماذا خلقتني دميمة … وخلقت أختي بهذا الجمال … لماذا ؟
ثم أمسح دموعي وأقول …. " بالتأكيد سأجد من يحبني لذاتي وليس للجمال ويتقدم لخطبتي وأتزوجه وأعيش معه زوجة وفية مخلصة تملأ بيته بالحب الذي حرمت منه وأنا في بيت أبي لابان …
تمر الأيام والأحوال هي الأحوال لا جديد … وكثيراً حاولت إقناع والدي أن يزوج راحيل ولا داعي أن ينتظر زواجي قبلها .. ولكن دون جدوى فأبي يحترم العادات والتقاليد وليس عنده أي استعداد أن يغيرها مهما كانت الظروف.
كانت راحيل تذهب كل يوم لترعى أغنام أبي أما أنا فكنت أقوم بأعمال المنزل من تنظيف والطهو وغير ذلك ولا أخرج للرعي … بالطبع فالجميلة هي التي تخرج وتظهر … فجمالها يجعل الآخرون يحاولون مساعدتها في رعي الغنم، أمان الدميمة فعليها أن تختبئ في الخيمة لا يراها أحد …
يارب هل كتب علي أن أعيش في هذا الظلام، ظلام من الخراج بعدم خروجي وظلام داخلي وذلك من خلال شعوري بالظلم ولا أحد يشعر بي ولا أحد يحبني ..
أصبحت أشعر أن الأمل الذي أعيش لأجله وهو العثور على شخص يحبني بدأ يخبو يوماً بعد يوم … إلى أن جاء هذا اليوم الذي عاد الأمل يرقص أمام عيني من جديد .. ففي هذا اليوم دخلت أختي مسرعة لأبي وهي تلهث وتقول :
_ جاءنا ضيف يا أبي
_ من هو يا ابنتي
_ أنه شاب يقول أنه ابن عمتنا
_ ابن أختي رفقة!!!
_ نعم يا أبي اسمه يعقوب .
خرج أبي مسرعاً وهو سعيد لملاقاة هذا الشاب يعقوب ابن عمتنا … إن أبي كان يتكلم عن أخته هذه في بعض الأحيان، حدثنا عن جمالها وجرأتها وكان دائماً يقول أن راحيل تشبه عمتها رفقة كثيراً في جمالها وجرأتها ودهائها ….، ترى لماذا قرر ابن عمتنا يعقوب زيارتنا بعد كل هذه السينين … وفيما كنت أفكر قطع تفكيري صوت أبي وهو يرحب بالضيف ودخل يعقوب علينا … ووجدت نفسي مشدودة إليه وبدأ قلبي يخفق بشدة..
_ ياله من شاب وسيم وجميل ….
قدمني أبي إليه ومددت يدي لأصافحه وقد انتابني خجل شديد، وما أن لمست يده يدي حتى شعرت برعشة تسري في جسمي وكياني كله وسخونه شديدة أصابت وجنتيّ، فسحبت يدي بسرعة وحاولت أن أرحب به ولكن تلعثم الكلام في فمي، فتدخلت راحيل ورحبت بالضيف وأحسنت الترحيب وانسحبت أنا كالعادة للخلف لأترك لراحيل دفة الكلام والترحيب به .
مكث عندنا يعقوب وكان يذهب مع راحيل كل يوم ليساعدها في رعي أغنام أبي … وكنت أنا أمكث بمفردي تأكلني نار الغيرة على يعقوب من راحيل، وعندما يعود كنت أحاول أن ألفت نظره لي حتى يشعر بي ويشعر بمحبتي له ولكن هيهات فقد كان يعقوب مأخوذ تماماً بجمال راحيل الذي يشبه جمال أمه كما قال لنا أبي … وكعادتي استسلمت للوضع وأنا حزينة باكية ..
مكث يعقوب مدة شهرين عندنا بعدها جلس معه أبي حتى يتفق معه على أجرته مقابل مساعدة أبي في أعماله … وهنا كانت الفاجعة فقد طلب يعقوب الزواج من راحيل مقابل أن يعمل لدى أبي مدة سبع سنوات بدون أجر …
_ هل هذا معقول !! هل يحب يعقوب أختي إلى هذا الحد هل تصل محبته أن يعمل أجير عند أبي بلا مقابل حتى يتزوج منها !!! … ألم تشعر يا يعقوب بمحبتي لك، كان عليك أن تحس بها من نظراتي لك و معاملتي معك فكلها كانت تقول لك " أحبك "، وهنا لم أستطيع أن أتحمل فخرجت مسرعة من الخيمة وأنا أبكي وصرخت بأعلى صوتي:
_ لم أعد أتحمل يارب هذا الظلم … لماذا لم يشعر بي يعقوب وأحبني مثلما أحببته فقد كنت أحتاج لذلك، إن راحيل لم تكن تحتاج لمحبته لأنها فعلاً محبوبة، فكل من يراها يحبها، حتى بين أفراد أسرتنا هي المدللة المحبوبة … لماذا يارب لم يمل قلب يعقوب لي أنا … فأنا أحببته بشدة، كان يجب أن يشعر بهذا الحب آه يارب له من ألم لا أستطيع تحمله …. السبب في كل هذا راحيل لم تعطيه أي فرصة حتى أن يفكر، لقد أحاطت به ونسجت خيوطها عليه مثلما تفعل العنكبوت بفريستها … اللعنة عليها أني أكرهها .. أكرهها ..
*****
مرت السنون السبع وكان أبي لديه أمل أن أتزوج قبل أم تمر هذه السنوات ولكن هيهات إن هذا الأمر أصبح مستحيل ولم أعد حتى أحلم به فهذا ليس من حقي … ليس من حقي أن أحلم السعادة والحب …
أخيراً جاء اليوم الموعود يوم وفاء أبي بالعهد .. يوم زواج راحيل بيعقوب، في هذا اليوم حبست نفسي في الخيمة وأخذت أبكي وأبكي بمرارة وألم لم أشعر بها من قبل … وتمنيت الموت لنفسي فهذا أفضل لي، لقد كان حب يعقوب ابن عمتي هو حبي الوحيد الذي ملك على حياتي والآن فقدته فلّما الحياة إذاً … وأنا أفكر بهذه الأمور دخل علي فجأة أبي ومن كثرة توتره لم يلاحظ الدموع التي في عيني، وقال لي :
_ خذي أرتدي هذا !!
_ ما هذا ؟! انه رداء فرح راحيل
_ نعم
_ ولماذا أرتديه أنا إذاً ! .. أليس اليوم هو يوم زفافها هي على يعقوب أم تراني أخطأت
_ لا .. اليوم يوم زفافك أنتي على يعقوب
لم اصدق ما يقوله أبي وتحول حزني ومرارتي لفرح وقلت لنفسي :" هل أحس بي أخيراً يعقوب، هل أحس بحبي له وتقدم لخطبتي وترك راحيل .. أخرجني أبي من دائرة أفكاري بالحقيقة المُرة …
_ أسرعي يا ليئة وأرتدي هذا الرداء وأخفي وجهك قبل أن يعرف يعقوب بأنك لست راحيل
_ فصرخت وقلت " ماذا !!! "
_ اسمعي يا ليئة لقد انتظرت طويلاً حتى يتقدم لخطبتك أي شاب ولكن دون جدوى، وعلى وما أظن أنه أصبح من المستحيل أن يتقدم لك أي شاب وأن تتزوجي خاصة بعد زواج راحيل
_ ونكست رأسي وقلت : وهل هذا ذنبي يا أبي
_ ليس ذنبك ولكن كان علي أن أحل هذه المشكلة، ولذا قررت خداع يعقوب وأجعلك أنتي زوجة له بدلاً من راحيل..
_ قلت صارخة : مستحيل لن أقبل هذا الأمر أبداً .
_ ثار أبي علي وقال : لا يحق لك القبول أو الرفض فهذا أمر عليكي تنفيذه دون أي مناقشة .
_ لكن يا أبي ….
_ قطع أبي الكلام قائلاً : أرتدي هذا الرداء فوراً .
_ وعندما يكتشف يعقوب الأمر ؟
_ ستكوني أصبحتي زوجة له بالفعل
_ ولكن هذه إهانة كبيرة لي يا أبي وأنا لا أقبلها
_ كفي عن هذه الفلسفة … واسمعي ما أقوله لم فهذه هي الطريقة الوحيدة لكي تتزوجي
_ آه … يالها من طريقة مهينة ومذلة
_ عليكي أن تستعدي … بعد فترة سأحضر وأسلمك ليعقوب وتصبحي زوجة له … لا يجوز أن تتزوج الصغرى قبل الكبرى .. وعلى يعقوب أن يفهم عادتنا ويقبلها
_ بهذه الطريقة !!
_ نعم
_ سيثور عليك لأنك خدعته
_ سأتدبر هذا الأمر فيما بعد .. وبعد أن أكون قد نفذت خطتي .
_ خرج أبي وتركني وأنا مذهولة … انه حلم حياتي أن اصبح زوجة ليعقوب ولكن ليس بهذه الطريقة المهينة لي ولكرامتي .. وعلى مضض ارتديت الرداء وانتظرت أبي حتى آتى وأمسك بيدي وسحبني ورائه كمن يسحب شاة وهي في طريقها للذبح بدون شفقة أو رحمة، وهل هناك فرق فأبي يسحبني وأنا في طريقي لذبح كرامتي وقلبي غير مبالي لمشاعري، فهذا هو الحال عند أبي لم يعمل حساب ولو يوم واحد لمشاعري وكأن البنت الدميمة ليس لديها مشاعر، عليها أن تقبل أي قرار مهما كان مهين … يارب ليتك تأخذ نفسي وأنا في طريقي ليعقوب، فأهون علي أن أصل عنده وأنا جثة هامدة عن أن يتزوجني وهو يحب أختي ويكرهني .
سلمني أبي ليعقوب، وفي اليوم التالي بعد زواجنا أكتشف يعقوب اللعبة فثار وغضب علي وخرج وذهب لأبي وثار عليه لأنه خدعه وزوجه مني وهو كان يريد راحيل ولا يريدني أنا …
آه ….ما اصعب تلك الكلمات على أذن أي فتاة … من يستطيع تحمل هذا الموقف … شاب يتزوج فتاة بالخداع ولا يريدها، فهي مرفوضة منه ولكنه يحب أختها ويريد الزواج منها .
وأخيراً أتفق أبي ويعقوب أن يمكث معي أسبوع بعدها يتزوج راحيل مقابل العمل عنده مدة سبع سنوات أخرى .. ألهذا الحد يحب يعقوب راحيل … يعمل عند أبي بدون أجر لمدة أربعة عشر عاماً حباً براحيل وبالزواج منها .
يمر الأسبوع ويتزوج يعقوب بأختي … وتمر الأيام ويفتح الله رحمي وحبلت أما راحيل فكانت عاقر، وشكرت الله كثيراً فقد كنت مكروهة من يعقوب ولعل هذا الطفل يجعله يحبني، أنجبت ولداً وقلت الله نظر لمذلتي أنه الآن يحبني زوجي فسميته " رأوبين " أي انظروا هوذا ابن … ولكن للأسف لم يحبني يعقوب قط بل كان يقضي معظم أوقاته مع راحيل وفي حضنها، وكانت تمر علي الليالي وأنا وحدي ويعقوب مع راحيل، وكنت أشعر إن فراشي ملئ بالشوك لا أستطيع النوم عليه … وكثيراً ما بللت فراشي بالدموع … وحاولت أن أجعل يعقوب يحبني ولكن حب راحيل تملكه ولم يترك لي مكان في قلبه حتى ولو صغير .
أكرمني الله مرة أخرى وحبلت وأنجبت ولداً آخر وقلت لنفسي إن الله سمع إني مكروهة فأعطاني هذا أيضا ." وسميته " شمعون " … ثم حبلت مرة ثالثة وأنجبت ولد أيضا وقلت هذه المرة سيقترن بي زوجي لأني أنجبت له ثلاث بنين وسميته " لاوي " أي مقترن .. ولكن للأسف لم يقترن بي زوجي …
حبلت للمرة الرابعة … ولكني لم أفرح هذه المرة بحبلي لأني عرفت أنني مهما أنجبت ليعقوب لن يحبني، وإن محبته لراحيل لن يزعزعها أي شيء … ومرت الشهور ويوم ولادتي أقترب .. وفي ليلة ومثل معظم الليالي كنت وحيدة شعرت بالاختناق وخرجت أستنشق الهواء ونظرت للسماء وقلت :
_ يا الله لم أجد يوماً حباً في حياتي … لم يحبني أحد … كنت دائماً مكروهة ومرفوضة … من عائلتي ومن زوجي … هل هذا لأني دميمة … وما ذنبي في ذلك ….حتى زوجي الذي أحببته من كل قلبي لم يبادلني حباً بحب …. احتاج للحب يملأ قلبي وروحي .. هل سأجده يوماً أم سأظل هكذا … إن الموت أهون علي من هذه الحياة … لقد ظلمني أبي وأختي وزوجي … أما أنت …. لحظة … آه يا الله لماذا لم ألتفت لهذا الأمر من قبل ….
لقد وجدت الحب في حياتي يا الله … فأنت تحبني لقد رزقتني بثلاث بنين والرابع قادم، لأنك عرفت أنني مكروه من يعقوب رزقتني بالبنين … وأعطيتني فرصة حتى أعوض الحب الذي حرمت منه في أولادي … شكراً لك إلهي … شكراً لك … ساعدني حتى أتمسك بك كلما شعرت الرفض ممن هم حولي … وساعدني حتى أتذكر حبك لي كلما شعرت بأنني مكروهة من الناس …
وبعد هذه الكلمات دخلت الخيمة وأنا سعيدة وبداخلي سلام لم اشعر به من قبل …وفي هذه الليلة أنجبت أبني الرابع وقلت هذه المرة يجب أن أحمد الله من أجل محبته لي لذا سميته " يهوذا " أي أحمد الرب … وقلت لنفسي :
أخيراً يا نفسي وجدت حب حقيقي في حياتي .
عزيزي القارئ :
ــــــــــــــــــــــ
هل تعرف إلى أي مدى وصلت محبة الله لليئة ؟ ….وصلت هذه المحبة لدرجة أنه من نسلها جاء السيد المسيح ، فإن أبنها الرابع وهو يهوذا من نسله جاء السيد المسيح
( إنجيل متى إصحاح 1 ).
فليئة التي يقول عنها الكتاب المقدس إنها كانت مكروهة هي جدة السيد المسيح … يا لها من محبة فائقة .
قد تشعر أن الناس يكرهوك وأنك شخص مرفوض .. مكروه … محروم من المحبة …
عندما تشعر بهذه المشاعر عزيزي القارئ تأكد أنك مخطئ لأنه يوجد من يحبك .. ولن يتخلى عنك أبداً … فالله يحبك محبة فائقة … وإذا كنت تشك بهذا الأمر تذكر ليئة وكيف أن العالم رفضها ولكن الله أحبها وكافئها وهي المكروه من حولها .
** هذه القصة مذكورة في تكوين 39 : 9 _ 35
تعليق