مراجعة جماعة الإخوان المحظورة!
بقلم: د. عبد المنعم سعيد
نقلا عن :
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/WEEK556.HTM
-- -----------------------------------------------------------------------
كان فوز جماعة الإخوان المسلمين المحظورة شرعيا والمعترف بها عمليا بعدد كبير من المقاعد واحدا من أهم ظواهر الانتخابات النيابية. ولم يكن ذلك الفوز لافتا للنظر لأنه فارق تقاليد سابقة وممتدة منذ نشأت الجماعة عام1928 لم يحصل فيها الإخوان إلا علي أعداد أقل بكثير من المقاعد, ولكن ـ ويالدهشة ـ فإن فوز الإخوان كان هو الدليل الوحيد علي أن هذه الانتخابات اختلفت عن سابقتها من حيث النزاهة والنظافة. فقد جري في هذه الانتخابات ما جري في كل الانتخابات السابقة من اتهامات بالتزوير حتي قبل أن يذهب المواطنون إلي صناديق الاقتراع, وزاد عليها هذه المرة أن القضاء ـ أو جزءا من القضاء علي الأقل ـ راح يقرع الطبول تحذيرا ونذيرا من تدخل السلطة مرة, وعدم تدخلها مرات. وجري ما جري في كل الانتخابات السابقة من رشاوي انتخابية, واستخدام كثيف للعنف, وبالطبع زاد علي ذلك ارتفاع الأسعار للصوت الانتخابي, وفوقها كان هناك من خرج شاهرا السيوف والسنج والجنازير, والعصي بأنواع وأطوال مختلفة. ومع ذلك كله خرجت هذه الانتخابات مختلفة ومتميزة عن سابقتها لأنها لم تعبر فقط عن حالة من الحراك السياسي, أو عن حالة ممتدة من التطور الديموقراطي الذي تصاعد منذ تعديل المادة76 من الدستور, وإنما لأن جماعة محظورة حصلت علي ما حصلت عليه من المقاعد.
والأخطر من ذلك أن الجماعة حصلت علي ما حصلت عليه وهي تحت ضغط بالغ من الأجهزة الأمنية التي راحت تحاسب الجماعة علي مخالفتها للحظر بينما كانت هي تحصد أصوات الناس, وتحت ضغط لا يقل وطأة من الأجهزة الإعلامية القومية وغير القومية التي راحت تفند حالة الإخوان من جميع جوانبها في حضور الإخوان أو في غيابهم. وربما كان أهم ما حققه الإخوان في هذه الانتخابات أنهم نجحوا في وضع القاعدة الأخلاقية والدينية للمعركة الانتخابية حينما جعلوا فوزهم في الانتخابات هو الدليل الوحيد علي الديموقراطية, فإذا ما هزموا في واحد من المقاعد, كان معني ذلك أن الديموقراطية قد غابت, أما إذا فازوا فقد كان معني ذلك أنهم انتزعوا الديموقراطية من براثن الاستبداد. وعندما وقفت جموعهم الغفيرة تهتف حتي عنان السماء أمام اللجان الانتخابية يا قضاه يا قضاه لا تخشوا إلا الله كان المعني الوحيد لها ليس عدالة القضاة, وقدرتهم علي ممارسة دورهم في الإشراف علي العملية الانتخابية, وإنما إعلانهم عن فوز الإخوان المسلمين!. ولأول مرة في الحياة السياسية وغير السياسية صارت خشية الله والخوف منه ومراعاته لا يستدل عليها بمراعاة الحق والضمير وأصوات الناخبين, ولكن بمدي نجاح الإخوان.
وعندما تتمكن جماعة سياسية مهما كانت, خاصة عندما تكون محظورة ومطاردة, من جعل وجودها ونجاحها دليلا علي الديموقراطية وخشية الله معا, فإننا نصبح أمام ظاهرة خطرة علي كلتيهما تستحق المراجعة من قبل الناس ومن قبل الجماعة ذاتها. فعندما تفقد الديموقراطية صلتها بالواقع الفعلي لممارسات الناس وتصبح رهنا لآلة دعائية ضخمة لطرف واحد إذا نجح نجحت وإذا فشل فشلت, فإنه لا توجد طريقة واقعية مهما كانت لحساب الأصوات وعقد انتخابات نظيفة. وعندما تصبح خشية الله العظيم لا تقع في نظر الناس إلا إذا أصبحت الوقائع سائرة في اتجاه واحد, فإننا نصبح أمام خطيئة عظمي سوف يحاسب عليها أطراف عدة أمام التاريخ وأمام الواحد القهار.
وإذا كان ما حدث خلال الأسابيع الماضية هو جزء من مسيرة طويلة فإن استخلاص الدروس منها والبناء عليها هو الطريق الوحيد والمؤسسي للتطور والتقدم في هذا البلد. وكما فعلنا عند مراجعة الحزب الوطني ورصد مسئوليته عن غياب المصداقية عن العملية الانتخابية بل والبناء الديموقراطي كله, فإن الواجب يلح علينا عند مراجعة الإخوان رصد الطريق الخطر الذي يأخذون له النظام السياسي للبلاد. فرغم أن قادة الإخوان لا يكفون أبدا عن الحديث عن كونهم يعملون بالسياسة المدنية, وأنهم يريدون حزبا مدنيا, فإن حركتهم السياسية خلال الأسابيع القليلة لم يكن فيها إلا القليل الذي يدعم هذا الاتجاه, وهو ما يجعلنا نتشكك في ولائهم للفكرة من الأصل أو في فهمهم لها من الأساس. فلا يوجد حزب مدني لا يكاد يعرف إلا مادة واحدة من الدستور وهي المادة الثانية, ولا ينفك يأخذ هذه المادة ويقطع صلاتها بديباجة الدستور ومواده الأولي والثالثة والسابعة والثامنة, ويرتب علي ذلك نتائج اقلها استبعاد طائفة من المواطنين الذين لهم كل الحقوق المتساوية من وظيفة رئاسة الجمهورية, وبعد ذلك يفرض خطابا أخويا دينيا تاريخيا باعتباره أساس العلاقة بين الجميع وليس علي أساس من القانون والدستور الذي تتساوي عندهما الرؤوس.
وقد أصابت الدكتورة مني مكرم عبيد كبد الحقيقة تماما عندما قالت إن المسلمين والأقباط ليسوا أخوة وإنما مواطنون, فبين الإخوة قد يجور الكبير علي الصغير, والقوي علي الضعيف, أما بين المواطنين فلا يوجد إلا علاقات المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات. ولعل ما يوضحه هذا الخلاف, هو ما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين' المحظورة' من تغيير للخطاب السياسي في البلاد بحيث يفقد طابعه المدني تماما, وتعلوا فيه الأقداس التي تجعل السياسة لا وجود لها. فلا يقوم المجتمع المدني, وما فيه من أحزاب وجماعات مدنية, ما لم يكن ما تقوم به قابلا للنقاش وللنقض والمراجعة والمداولة; ومنذ رفعت الجماعة شعار الإسلام هو الحل, ورفعت المصاحف في المظاهرات, وهتفت النساء بأن الله عز وجل قد قال بأن الإسلام هو الحل, فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف ولم يعد هناك ما يقال.
وللحق فإن مثل هذا الخطاب الإخواني لا يتعلق بالإخوان فقط, ولا يتحمل مسئوليته الإخوان فقط, بل إن قطاعات واسعة في أحزاب وجماعات استعارته منذ وقت طويل. ومنذ الميلاد الرسمي للدولة المصرية المستقلة عام1923 لم يحدث أن كانت الدولة معتمدة في أمور كثيرة علي الفتوي ـ الرأي المستند إلي تفسير نص سابق ـ وليس علي التشريع ـ أي القانون الناجم عن المداولة والتدبر من قبل ممثلي الأمة- كما هو الحال الآن. ولكن ما يهمنا هو أن نجاح الإخوان في الانتخابات التشريعية, وطريقتهم التي أداروا بها المعركة الانتخابية, قد أدي إلي انحرافات خطيرة في مسار التحول الديموقراطي المصري لا يصلحه إلا مراجعة جذرية من جانب الجماعة لمنهجها السياسي خطابا وممارسة.
إن مثل هذا النجاح لا يبرر ما تقول به الجماعة الآن, فقد نجح من قبلها الأحزاب الفاشية والنازية في انتخابات عامة كانت الأولي علي طريق وضع نهاية للفكرة الديموقراطية كلها, وكانت هي الأخيرة في مثل هذه النوعية من الانتخابات بالمعني الحرفي للكلمات. ولحسن الحظ هذه المرة أن النظام السياسي قد أعطي الإخوان بالنجاح ثقة للمراجعة, وبعدم الحصول علي الأغلبية ضمانا لاستمرار عملية التطور الديموقراطي. ومرة أخري فإن الطريق الذي قطعته جماعات الإخوان المسلمين في تركيا والمغرب, وحتي في الجزائر, يشير بالفعل إلي وجود إمكان لمدينة كل جماعة واندراجها في الحياة العامة علي أساس من الدستور والقانون باعتبارهما أصحاب المرجعية الأساسية.
ولكن القضية ليست المنهج وحده, وإنما أيضا قضية التنظيم, 993333. ولن أعود لتلك الوثيقة التي نشرتها مجلة المصور الغراء عن اختراق مصر, واستغلال إعلامها, والحركة شبه العسكرية القائمة علي الغلبة والتي تنطلق من مرحلة إلي أخري. ولكن ما هو واجب التأكيد هو أن طريق المراجعة هو التحول من حالة الماليشيات إلي حالة التجمع المدني, صاحب السياسات المدنية ـ أي القابلة للرفض والقبول والمداولة والتعديل ـ حتي ولو كانت المرجعية للاجتهاد فيها هو الإسلام.
وربما تبدو هناك معقولية في قول الإخوان في أنهم يحتاجون للتحول إلي حزب سياسي شرعي حتي يكتسبوا الطبيعة المدنية. ولكن ذلك يعد قلبا للأوضاع, ووضعا للعربة أمام الحصان وليس خلفه حتي تستقيم الأمور, فالمطلوب من الجماعة مراجعة ما فعلته خلال المعركة الانتخابية علي أرضية الديموقراطية الحقة التي يتساوي فيها الإخوان مع غيرهم أمام الله وأمام القانون, ومع مراجعة المنهج مراجعة التنظيم, وبعد أن تصبح مدنية تماما, فإن أبواب العلاقة مع النظام السياسي ينبغي أن تفك أقفالها ومتاريسها. وكان ذلك هو ما جري في تركيا وفي بلدان أخري. أما إذا رفض الإخوان ذلك, ووجدوا أن حال الماليشيات السياسية هي الصيغة التي لا يمكن استبدالها, فإن مصر كلها تصبح في خطر عظيم, ومأزق هائل!!.
بقلم: د. عبد المنعم سعيد
نقلا عن :
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/WEEK556.HTM
-- -----------------------------------------------------------------------
كان فوز جماعة الإخوان المسلمين المحظورة شرعيا والمعترف بها عمليا بعدد كبير من المقاعد واحدا من أهم ظواهر الانتخابات النيابية. ولم يكن ذلك الفوز لافتا للنظر لأنه فارق تقاليد سابقة وممتدة منذ نشأت الجماعة عام1928 لم يحصل فيها الإخوان إلا علي أعداد أقل بكثير من المقاعد, ولكن ـ ويالدهشة ـ فإن فوز الإخوان كان هو الدليل الوحيد علي أن هذه الانتخابات اختلفت عن سابقتها من حيث النزاهة والنظافة. فقد جري في هذه الانتخابات ما جري في كل الانتخابات السابقة من اتهامات بالتزوير حتي قبل أن يذهب المواطنون إلي صناديق الاقتراع, وزاد عليها هذه المرة أن القضاء ـ أو جزءا من القضاء علي الأقل ـ راح يقرع الطبول تحذيرا ونذيرا من تدخل السلطة مرة, وعدم تدخلها مرات. وجري ما جري في كل الانتخابات السابقة من رشاوي انتخابية, واستخدام كثيف للعنف, وبالطبع زاد علي ذلك ارتفاع الأسعار للصوت الانتخابي, وفوقها كان هناك من خرج شاهرا السيوف والسنج والجنازير, والعصي بأنواع وأطوال مختلفة. ومع ذلك كله خرجت هذه الانتخابات مختلفة ومتميزة عن سابقتها لأنها لم تعبر فقط عن حالة من الحراك السياسي, أو عن حالة ممتدة من التطور الديموقراطي الذي تصاعد منذ تعديل المادة76 من الدستور, وإنما لأن جماعة محظورة حصلت علي ما حصلت عليه من المقاعد.
والأخطر من ذلك أن الجماعة حصلت علي ما حصلت عليه وهي تحت ضغط بالغ من الأجهزة الأمنية التي راحت تحاسب الجماعة علي مخالفتها للحظر بينما كانت هي تحصد أصوات الناس, وتحت ضغط لا يقل وطأة من الأجهزة الإعلامية القومية وغير القومية التي راحت تفند حالة الإخوان من جميع جوانبها في حضور الإخوان أو في غيابهم. وربما كان أهم ما حققه الإخوان في هذه الانتخابات أنهم نجحوا في وضع القاعدة الأخلاقية والدينية للمعركة الانتخابية حينما جعلوا فوزهم في الانتخابات هو الدليل الوحيد علي الديموقراطية, فإذا ما هزموا في واحد من المقاعد, كان معني ذلك أن الديموقراطية قد غابت, أما إذا فازوا فقد كان معني ذلك أنهم انتزعوا الديموقراطية من براثن الاستبداد. وعندما وقفت جموعهم الغفيرة تهتف حتي عنان السماء أمام اللجان الانتخابية يا قضاه يا قضاه لا تخشوا إلا الله كان المعني الوحيد لها ليس عدالة القضاة, وقدرتهم علي ممارسة دورهم في الإشراف علي العملية الانتخابية, وإنما إعلانهم عن فوز الإخوان المسلمين!. ولأول مرة في الحياة السياسية وغير السياسية صارت خشية الله والخوف منه ومراعاته لا يستدل عليها بمراعاة الحق والضمير وأصوات الناخبين, ولكن بمدي نجاح الإخوان.
وعندما تتمكن جماعة سياسية مهما كانت, خاصة عندما تكون محظورة ومطاردة, من جعل وجودها ونجاحها دليلا علي الديموقراطية وخشية الله معا, فإننا نصبح أمام ظاهرة خطرة علي كلتيهما تستحق المراجعة من قبل الناس ومن قبل الجماعة ذاتها. فعندما تفقد الديموقراطية صلتها بالواقع الفعلي لممارسات الناس وتصبح رهنا لآلة دعائية ضخمة لطرف واحد إذا نجح نجحت وإذا فشل فشلت, فإنه لا توجد طريقة واقعية مهما كانت لحساب الأصوات وعقد انتخابات نظيفة. وعندما تصبح خشية الله العظيم لا تقع في نظر الناس إلا إذا أصبحت الوقائع سائرة في اتجاه واحد, فإننا نصبح أمام خطيئة عظمي سوف يحاسب عليها أطراف عدة أمام التاريخ وأمام الواحد القهار.
وإذا كان ما حدث خلال الأسابيع الماضية هو جزء من مسيرة طويلة فإن استخلاص الدروس منها والبناء عليها هو الطريق الوحيد والمؤسسي للتطور والتقدم في هذا البلد. وكما فعلنا عند مراجعة الحزب الوطني ورصد مسئوليته عن غياب المصداقية عن العملية الانتخابية بل والبناء الديموقراطي كله, فإن الواجب يلح علينا عند مراجعة الإخوان رصد الطريق الخطر الذي يأخذون له النظام السياسي للبلاد. فرغم أن قادة الإخوان لا يكفون أبدا عن الحديث عن كونهم يعملون بالسياسة المدنية, وأنهم يريدون حزبا مدنيا, فإن حركتهم السياسية خلال الأسابيع القليلة لم يكن فيها إلا القليل الذي يدعم هذا الاتجاه, وهو ما يجعلنا نتشكك في ولائهم للفكرة من الأصل أو في فهمهم لها من الأساس. فلا يوجد حزب مدني لا يكاد يعرف إلا مادة واحدة من الدستور وهي المادة الثانية, ولا ينفك يأخذ هذه المادة ويقطع صلاتها بديباجة الدستور ومواده الأولي والثالثة والسابعة والثامنة, ويرتب علي ذلك نتائج اقلها استبعاد طائفة من المواطنين الذين لهم كل الحقوق المتساوية من وظيفة رئاسة الجمهورية, وبعد ذلك يفرض خطابا أخويا دينيا تاريخيا باعتباره أساس العلاقة بين الجميع وليس علي أساس من القانون والدستور الذي تتساوي عندهما الرؤوس.
وقد أصابت الدكتورة مني مكرم عبيد كبد الحقيقة تماما عندما قالت إن المسلمين والأقباط ليسوا أخوة وإنما مواطنون, فبين الإخوة قد يجور الكبير علي الصغير, والقوي علي الضعيف, أما بين المواطنين فلا يوجد إلا علاقات المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات. ولعل ما يوضحه هذا الخلاف, هو ما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين' المحظورة' من تغيير للخطاب السياسي في البلاد بحيث يفقد طابعه المدني تماما, وتعلوا فيه الأقداس التي تجعل السياسة لا وجود لها. فلا يقوم المجتمع المدني, وما فيه من أحزاب وجماعات مدنية, ما لم يكن ما تقوم به قابلا للنقاش وللنقض والمراجعة والمداولة; ومنذ رفعت الجماعة شعار الإسلام هو الحل, ورفعت المصاحف في المظاهرات, وهتفت النساء بأن الله عز وجل قد قال بأن الإسلام هو الحل, فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف ولم يعد هناك ما يقال.
وللحق فإن مثل هذا الخطاب الإخواني لا يتعلق بالإخوان فقط, ولا يتحمل مسئوليته الإخوان فقط, بل إن قطاعات واسعة في أحزاب وجماعات استعارته منذ وقت طويل. ومنذ الميلاد الرسمي للدولة المصرية المستقلة عام1923 لم يحدث أن كانت الدولة معتمدة في أمور كثيرة علي الفتوي ـ الرأي المستند إلي تفسير نص سابق ـ وليس علي التشريع ـ أي القانون الناجم عن المداولة والتدبر من قبل ممثلي الأمة- كما هو الحال الآن. ولكن ما يهمنا هو أن نجاح الإخوان في الانتخابات التشريعية, وطريقتهم التي أداروا بها المعركة الانتخابية, قد أدي إلي انحرافات خطيرة في مسار التحول الديموقراطي المصري لا يصلحه إلا مراجعة جذرية من جانب الجماعة لمنهجها السياسي خطابا وممارسة.
إن مثل هذا النجاح لا يبرر ما تقول به الجماعة الآن, فقد نجح من قبلها الأحزاب الفاشية والنازية في انتخابات عامة كانت الأولي علي طريق وضع نهاية للفكرة الديموقراطية كلها, وكانت هي الأخيرة في مثل هذه النوعية من الانتخابات بالمعني الحرفي للكلمات. ولحسن الحظ هذه المرة أن النظام السياسي قد أعطي الإخوان بالنجاح ثقة للمراجعة, وبعدم الحصول علي الأغلبية ضمانا لاستمرار عملية التطور الديموقراطي. ومرة أخري فإن الطريق الذي قطعته جماعات الإخوان المسلمين في تركيا والمغرب, وحتي في الجزائر, يشير بالفعل إلي وجود إمكان لمدينة كل جماعة واندراجها في الحياة العامة علي أساس من الدستور والقانون باعتبارهما أصحاب المرجعية الأساسية.
ولكن القضية ليست المنهج وحده, وإنما أيضا قضية التنظيم, 993333. ولن أعود لتلك الوثيقة التي نشرتها مجلة المصور الغراء عن اختراق مصر, واستغلال إعلامها, والحركة شبه العسكرية القائمة علي الغلبة والتي تنطلق من مرحلة إلي أخري. ولكن ما هو واجب التأكيد هو أن طريق المراجعة هو التحول من حالة الماليشيات إلي حالة التجمع المدني, صاحب السياسات المدنية ـ أي القابلة للرفض والقبول والمداولة والتعديل ـ حتي ولو كانت المرجعية للاجتهاد فيها هو الإسلام.
وربما تبدو هناك معقولية في قول الإخوان في أنهم يحتاجون للتحول إلي حزب سياسي شرعي حتي يكتسبوا الطبيعة المدنية. ولكن ذلك يعد قلبا للأوضاع, ووضعا للعربة أمام الحصان وليس خلفه حتي تستقيم الأمور, فالمطلوب من الجماعة مراجعة ما فعلته خلال المعركة الانتخابية علي أرضية الديموقراطية الحقة التي يتساوي فيها الإخوان مع غيرهم أمام الله وأمام القانون, ومع مراجعة المنهج مراجعة التنظيم, وبعد أن تصبح مدنية تماما, فإن أبواب العلاقة مع النظام السياسي ينبغي أن تفك أقفالها ومتاريسها. وكان ذلك هو ما جري في تركيا وفي بلدان أخري. أما إذا رفض الإخوان ذلك, ووجدوا أن حال الماليشيات السياسية هي الصيغة التي لا يمكن استبدالها, فإن مصر كلها تصبح في خطر عظيم, ومأزق هائل!!.