إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الكلام الذي اكلمكم به روح وحياة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكلام الذي اكلمكم به روح وحياة

    الكلام الذي اكلمكم به روح وحياة
    سحر نعيم فتحي

    الجزء الأول

    كتاب مقدس، حروف كلماته تضج بالحياة والناس والدروب وقصص ملوك وملكات وأنبياء ورسل. وأعظم قصصه تلك هي التي تحكي قصة الله مع خليقته.
    ففي اولى اصحاحات سفره الأول يكون الله هو خالق الأحداث ومدبرها دون منازع، ونقرأ من خلال كلماته قصة الله مع الانسان، قصة الواحد الخالق مع ذلك الواحد المخلوق، قصة الله وخليقته آدم.
    أما بعد وصول آدم الى الأرض فنجد ان الله يختفي من الصورة، وتبدأ أحداث ما زال بعضها مستمرا حتى هذه اللحظة، تروي لنا قصة المخلوق مع خالقه، قصة بحث الانسان عن الله الذي أضاعه في لحظة معصية وتكبر. أما أبطال تلك القصة فهم ملايين من البشر ، الذين أتوا الى هذه الحياة ثم غادروها مودعين، لتأتي بعدهم ملايين أُخرى ليغادرها كل بدوره، وهكذا دواليك. والقصة في هذه المرة تروي بحثهم عن ذلك الواحد الاله الحقيقي الذي أوجدهم جميعهم بحسب مشيئة كلمته ومنحهم قبساً من ذاته.
    وعندما تُدرَس كلمة الله معناه إننا نسعى لمعرفة فكر الله، وبالتالي معرفة الله ذلك الواحد الذي صنعنا وأحبَّ ما صنعت يداه ووجده حسن جداً. ولذلك فالكتاب المقدس ليس كتابا يُقرأ، بل هو كتاباً يتنفس.
    فكلماته رغم انها قد كُتبت قبل آلاف السنين، من قبل أُناس غرباء عنّا، وعن حياتنا، ولكن حالما تقع عيوننا عليه، فسوف تبدأ حروف كلماته تنبض بالحياة . فالكتاب المقدس هو مأدبة المحبة العامرة بكل ما لذَّ وطاب للروح قبل الجسد وللقلب قبل العقل.
    فهل جربت يوما أن تقرأ الكتاب المقدس ، لا بعينيك فقط، ولكن بحواسك الخمسة مجتمعة. هل جربت يوما أن لا تعتمد على نظرك فقط في قراءة كلماته بل تدعو بقية حواسك ، كحاسة شمك التي تستطيع من خلالها أن تتنسم اريج عطر كلماته. وتنصت عبر حاسة سمعك الى أصوات كلماته، كصوت الله وهو ينادي: صموئيل… صموئيل، وصوت حوافر الخيل وهي تدق الأرض في حروب خاضها ملوك وملكات. أما حساة لمسك فستسمح لك بلمس كل ما هو كان موجودا قبل وجودك بالآف السنين، وأخيرا تستطيع أن تتذوق عبر حاسة ذوقك كأس خمر صُبَّه يسوع وناوله لتلاميذه الملتفين حوله في ليلته الأخيرة معهم قبل 1975 عاما من يومنا هذا . ستقول كيف؟ فأقول لك انه من يشتهي أن يتمتع بقراءة كلمات الكتاب المقدس عليه أن يسمح لحواسه الخمس أن تشاركه متعة قراءته.


    فاذا ما جلست يوما تقرأ في سفر التكوين قصة نوح وطوفانه فستشعر وكأن أصابعك الماسكة بدفتي كتابك المقدس، بدأت تتندى، وان طرف أردانك وملابسك أخذا يقطران قليلا من مياه ذلك الطوفان.
    وستنبعث في ذاتك مشاعر لمعاني تنبثق من كلمات لا تعدو في حقيقتها سوى كونها حبراً على وجه ورقة بيضاء، ولكن نفس تلك الكلمات تشبعت لحظة قراءتك لها برائحة رطوبة ثقيلة جدا بدأت تملأ فضاء المكان لتمتزج بمختلف أنواع الروائح الاخرى كرائحة الصخور المبللة، ورائحة طبقة كثيفة من الطحالب التي التصقت بها، ورائحة خشب السفينة شديد البلل، والرائحة اللاذعة لطبقات من الملح الذي تراكم على أطراف الألواح الخشبية الخشنة الملمس والتي أخذت تزعج قليلا انوف الموجودين معك على السفينة فيبدأ أحدهم يدعك بطرف أنامله مقدمة أنفه ، لشعوره بحرقة لعله يتخلص من تأثيرها عليه . وستتضح أمامك بعد قراءتك لقصة الطوفان الكثير من معاني الحياة التي لم تُذكر أصلا في آيات سفر التكوين، ولكنها قد حدثت فعلا وكما تتصورها أنت بالضبط، لأن الانسان هو الانسان في كل زمان ومكان.

    فصوت نوح وهو يهتف مبشرا بظهور الأرض، التي سرعان ما نشفت وانبثقت أخيرا لتصافح أشعة الشمس. وأرجل الرجال شديدي البأس المبللة التي تحاول إنزال الأطفال، وأيادي الشباب الممتدة الى الشيوخ لمساعدتهم في التشبث بالسلالم الخشبية والحبال المتدلية من أجل الوصول الى الأرض اليابسة. وستمتلئ أُذنيك بأصوات حناجر الحيوانات المتداخلة مع أصوات حوافرها وأقدامها التي أطلقتها للريح وهي تحث الخطى مسرعة الى اليابسة في كل اتجاه، غير مصدقين أنفسهم بعد أن ضاقت أرواحهم بطول فترة سجنهم.
    انها ملحمة الحرية . فقصة الطوفان هي قصة انتقال الذات الانسانية من عالم عبودية المادة (السفينة) الى عالم حرية الروح والفكر بعد أن اغتسلت بماء الطوفان.


    أما عندما تنتقل بصفحات كتابك المقدس الى انجيل يوحنا لتقرأ كلمات سُطرت في اصحاحه الثاني تقول:
    «وكان ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة. قال لهم يسوع املأوا الأجراء ماء. فملأوها الى فوق. ثم قال لهم استقوا الآن وقدموا الى رئيس المتكأ» .
    فستتمثل أمامك لحظتها ستة أجران فارغة منتصبة في موضع ملاصق للجدار المقابل لموضوع جلوسك ، وكلما رفعت رأسك قليلا عن كتابك المقدس ستراها شامخة أمامك حجمها يملأ الفراغ الممتد من أرض غرفتك حتى سقفها، وسيلوح لك لونها الأشبه بلون الطين الجاف. وقد هرع الرجال كل يحمل جرته أو اناء كبير ممتلئ ماء ليفرغه داخل فتحة جرن من تلك الأجران، وبعد فترة من صب الماء داخلها أخذ طينها الذي أضناه العطش، يتشرب بذلك الماء البارد ، وعندما امتلئت (الى فوق) أي عندما أكمل الماء ملئ حجم فراغها كله وارتوت الى آخر قطرة صُبت فيها، بدأ بالانسكاب من فوها، وأصبحت هي التي تُسقي الآخرين، الذين كانوا أكثر عطشاً منها. فتصور سطوح تلك الأجران الخارجية وقد أخذت قطرات الماء تتسلل من جوانبها الداخلية الى سطوحها الخارجية عبر مسامات الطين غير المنظورة لترسم عشرات المسيلات من جريان مائي رفيعة جدا وقد استمرت بعض منها في جريانها من قمة تلك الأجران الى قاعدتها، مكملة طريقها لتنسكب على أرضية المكان. لو حدث كل ذلك أمامك فسترى الماء البارد العذب يفترش أرضية مكان جلوسك، لقد فاض حتى وصل الى موضع قدميك. أما أرجل الرجال المواصلين عملهم في ملئ تلك الاجران، في رواحهم ومجيئهم فقد أخذت تُقطر ماءً وهم لا زالوا يسكبون بعضاً منه رغما عنهم على ملابسهم ، مما أدى الى ابتلالها بالكامل. انه عرس، والعمل على أشده، وصوت الموسيقى يصدح ممتزجا بزغاريد تتداخل بدورها مع أصوات رجال ونساء وتصفيق وغناء ووقع أقدام أطفال يجرون هنا وهناك . وللحظة تجد نفسك تحس بالعطش وفي شوق شديد الى جرعة ماء أو ربما تحدثك نفسك الى تناول قليل من الخمر. ألم تكن حاضرا في عرس قانا، الذي يضوع في أجواءه رائحة النبيذ الأحمر فلم لا تتناول قليلا من ذلك الخمر الذي صنعه يسوع!!
    وبعد كل ذلك يتسائل كثيرون أهي مجرد أحداث تاريخية تُروى ومن ثم تُنسى ويُقال عنها أحياناً قصص "عفى عليها الزمن"، أم انها كلمات حيّة تتدفق الحياة في عروق حروفها الى الأبد.
    والقوة الحقيقية التي جعلت قارئ تلك الكلمات يرى فيها كل تلك الصور تتراكض أمام عينيه، ذلك لأنه هو يسوع دون غيره الذي قال: «املأوا الأجران ماء».


    وعندما تقرأ الآية الحادية عشر من الإصحاح العاشر في انجيل يوحنا التي تقول كلماتها: «أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف».
    فانصت السمع قليلا ، فسيحمل الهواء الى أُذنيك صوت رغاء خراف، وهي تتحرك ببطئ وتثاقل في تجمعاتها المعتادة ، ورائحة صوفها يعبق بالمكان ، وصوت فكيها وهما يمضغان حشائشاً خضراء . ومن بعيد يلوح لك راعيها الأمين واقفاً يراقب بانتباه شديد، خوفا على خرافه من الضياع.
    فكلمة الله ما زالت الى يومنا هذا تخلق عوالما عجائبية من الصوت والرائحة لكل قارئ لها، متمعن في معانيها في أي مكان كان، وفي أي زمان هو متواجد فيه.
    هي ليست صورا تتلاحق ، هي مشاعر تُحس وتمتزج بأريج عطر الايمان بدلالات معانيها وروح قائلها. فلو قالها أي شخص كان لما ترك كل هذا الأثر في روح متلقيها، ولكن قائلها هو من أرسل روحه الى مؤمنيه لتبقى معهم الى الأبد. هو يسوع المسيح لا أحد غيره.
    ولذلك يمكن إذا تحركت قليلا في موضع جلوسك، وأنت لا زلت منهمكا في قرائتك الى أن تصل الآية 16 من نفس الاصحاح التي تقول كلماته: « ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضا فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد » حتى تبدو لك سحابة من الخراف تركض واحدة بجانب الأُخرى، لقد أخفتها بحركتك تلك!! وعندما تنطلق تلك الحيوانات مسرعة في عدوّها فسيملأ الفضاء صوت أجراسها المعلقة في رقابها متناغمة في دقاتها مع اهتزاز أجسامها الممتلئة . وسينطلق راعيها خلفها عائدا بها الى حضائرها ، لأنه يبقى دائما راعيها الصالح .

من قاموا بقراءة الموضوع

تقليص

الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

    معلومات المنتدى

    تقليص

    من يتصفحون هذا الموضوع

    يوجد حاليا 2 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 2 زائر)

      يعمل...
      X