إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة قصيرة : اللافتة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة قصيرة : اللافتة

    اللافتة
    كانت الترتيبات لاحتفالية ليلة الميلاد جارية على قدم وساق في القاعة الرئيسة التي خصصت لمراسم الحفل الكبير في البلدة الصغيرة . حيث وضعت الشجرة في زاوية من زوايا القاعة ، وجُهزَ الطعام ، ورتب له مكان يتيح للزوار تناوله متى شاءوا ، ووزعت الكراسي والمناضد كل في مكانه ، ولفت هدايا الصغار بالورق الملون ، كان كل شيء يبعث على البهجة والفرح ، لم يبقى الا تحضير اللافتة الكبيرة التي سيعلن رئيس البلدية من خلال إزاحة الستار عن كلماتها ، إيذاناً ببدء الاحتفال الكبير .

    كان مجدي أحد الخطاطين المعروفين في البلدة ، وهو رجل طيب يمتهن مهنة خط اللافتات لكل من يطلبها . هذا يريد دعوة عرس … وذاك تخرج ابنه من الجامعة ويتمنى دعوة الأهل والأحباب … الخ . ولكن بمرور الوقت تعب نظر مجدي كثيرا حيث أخذ يعتمد على نظاراته التي تتيح له رؤية أفضل خاصة عندما تتواصل ساعات عمله الى وقت متأخر من الليل .

    قبل يوم واحد فقط من موعد الاحتفال استدعاه رئيس بلديته وطلب اليه أن يخط له لافتة كبيرة يزين بها مقدمة قاعة الاحتفال . وهي اللافتة التي سيزاح الستار عنها ، كما جرت العادة في كل سنة في مثل هذه المناسبة . وافق مجدي مبتهجا بشرف هذا الطلب . حضّر أدواته سريعا ، وبحث عن نظاراته … أين يا ترى وضعها آخر مرة . بحث هنا … وفتش هناك … وبعثر أوراق موضوعة في هذه الزاوية … وقلّبَ لافتات موضوعة على منضدة في تلك الزاوية … وفتح درج وأغلق باب دولاب و… لم يجد نظاراته ، ليس لها أثر .

    وبعد فترة بحث وتفكير قرر الاعتماد على عينيه في إكمال العمل المناط به ، فقام بإخراج سجلاته التي تضم العبارات المناسبة لأي احتفال ديني أو اجتماعي يقام في بلدته الصغيرة باحثا بين سطورها عن عبارة ملائمة لهذه الليلة المباركة ، واختار بعناية أجمل واحدة منها .

    وقبل أن يبدأ عمله ، صلى مجدي قائلا :
    يا أبي السماوي أعرف اني لا أستطيع النظر جيدا دون نظاراتي فيمكن أن أُفكر في جملة معينة مثل ما أُفكر بها ، ثم تبدو للناظر اليها بصورة لم أكن أنا نفسي أقصدها . وأنت يا أبي أعلم مني بحالي . فأرجوك يا الهي ساعدني في هذه الليلة المباركة . وأفتح عيوني جيدا ، ودعني أكتب ما يدور في بالي دون تشويه أو تغيير . اصلي باسم ربي يسوع المسيح له المجد الى أبد الدهر . آمين .

    وبدأ يخط عبارته على لافتة بيضاء كبيرة . انتهى من عمله في صباح يوم إقامة الاحتفال . طوى اللافتة الكبيرة بعناية فائقة وذهب بها الى قاعة الحفل . دخل القاعة وأعاد بسطها في وسط أرضيتها استعدادا لحملها من قبل منظمي الحفل لتعليقها في المكان المعد لها في مقدمة القاعة الرئيسة .

    استدعاه رئيس بلديته مستفسرا عن الجملة التي كتبها في لافتة الاحتفال قائلا : ماذا كتبت في لافتتك يا مجدي . فاخرج الرجل ورقة صغيرة من جيبه ، كانت هي نفس الورقة التي خطَّ فيها جملته ، ناقلاً إياها من سجلاته ثم ناقشاً حروفها بعد ذلك في لافتة الاحتفال ناولها إياه قائلا : هذه الجملة التي خططتها في اللافتة يا سيدي .
    قرأ الرجل ما كتبه مجدي :
    ود ال سيح عنو بسد وتس بح


    فأصيب الرجل بالذهول . التفتَ اليه متسائلا : ما معنى هذه الجملة يا مجدي ؟
    فأجابه مجدي مبهوتاً : لا أعرف يا سيدي ، لكنني وجدتها ضمن سجلاتي التي كثيرا ما خططتها مرات عدة سابقا لمثل هذه المناسبة . فتمتم رئيس البلدية مع نفسه : يا الهي . ثم نادى على مساعديه قائلا : اسرعوا … لم يبقى على إزاحة الستار عن لافتة بدء الاحتفال سوى ساعة من الزمن . اجلبوا اللافتة قبل تعليقها .
    حزن مجدي حزنا كبيرا ، وأمسك دموعه لئلا يجهش في البكاء . وتمتم في سره : مُدَّ لي يد العون يا حبيبي يا يسوع .

    في هذه الأثناء كانت الاستعدادات تجري لرفع اللافتة عاليا ، دون أن ينتبه أحد للتطلع اليها أو قراءة ما دِوِّنَ فيها من كلمات ، لكثرة أعمال الفنيين ومحاولتهم إنجاز كل ما أُنيط بهم ، عازمين على الانتهاء من جميع أعمالهم باسرع وقت خشية من تأخر موعد الافتتاح .

    وأثناء حركة الرجال المستمرة جيئة وذهابا التفَّ على ساق أحدهم طرف غطاء طاولة صغيرة كانت منتصبة بجانب اللافتة ، مما أدى الى قلبها ، وانقلب معها كل ما كان موضوعا فوقها من مواد ، بعضاً من أباريق الزيت ، وعلبتين من الألوان ، وبقايا أوراق شجرة الميلاد وبعضاً من أغصانها المكسرة ، وبعضاً من تويجات الورد ، وقطعاً من ورق الزينة ، وعلبة من الصمغ تبقى نصفها ، كانت جميعها بقايا ما تركه العاملون بعد انتهائهم من ترتيب القاعة وتزيينها ، والذي تطاير جميعه ليحط فوق سطح اللافتة التي لا زالت تفترش أرض القاعة . فانسكب بعض من الزيت هنا خافياً خطاً أو دارساً نقطة ، وسال بعض من اللون هناك راسما خطاً ، أو ناقشاً ما يشبه الحرف متداخلا مع خطوط الحروف المكتوبة سابقا ، أو مالئاً لفراغ لم تنتبه اليه عيون مجدي ، أو صانعاً نقطة فوق حرف أو نقطتين تحت آخر . أما أوراق شجرة الميلاد وبعض من أغصانها المكسرة فالتصقت بمساحات اللافتة البيضاء وأطراف حافاتها بفعل مادة الصمغ الذي تناثرت بدورها أثناء سقوطها ، حتى تحولت اللافتة الى قطعة من الجمال .

    أسرعَ مسئولو القاعة بجمع ما تطاير من الورق ، وتجفيف ما انسكب من لون على سطح أرض القاعة ولم ينتبهوا للافتة وما حلَّ بها ، حيث أتى عاملان مسرعان حملا اللافتة كل من جانب ، مهرولين بها ، معلقين إياها في موضعها المحدد في مقدمة القاعة . ثم أسدلا فوقها
    ستاراً جميلاً أزرق اللون أُعدَّ بعناية ليزيحه رئيس البلدية ، كاشفا عن محتوى اللافتة ، إيذانا ببدء احتفال الليلة السنوي ، كما رُتِبَ له .

    دخل رئيس البلدية مع ضيوفه ، ورأى اللافتة معلقة في مكانها الصحيح ، فهمس في أُذن المشرف على القاعة ، هل تمَّ مراجعة محتوى اللافتة جيدا . لم يفهم المشرف حقيقة محتوى السؤال ولكنه أجاب رئيس بلديته بأدب : نعم يا سيدي لقد تمَّ مراجعة كل شيء ، ووضعه في مكانه الصحيح .

    توجه رئيس البلدية وسحب الخيط فأُزيحت الستارة عن اللافتة لتظهر كأنها قطعة من حدائق الجنة ، وقد كُتب في وسطها :

    وِلِدَ المســيح غنّوا بشَدوِ تسبيح

    فهتف رئيس البلدية في وسط القاعة : فليبدأ الاحتفال مبارك أنت يا يسوع ، نعم …

    [/size]
    وِلِدَ المســيح غنّوا بشَدوِ تسبيح

  • #2
    مشاركة: قصة قصيرة : اللافتة

    رائعة ....

    نريد المزيد والى الامام
    ولكن ان كان انجيلنا مكتوما فانما هو مكتوم في الهالكين -
    الذين فيهم اله هذا الدهر قد اعمى اذهان غير المؤمنين
    لئلا تضيء لهم انارة انجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله .
    (2 كورنثوس 4: 3 - 4)
    للمراسلة
    sayNewMan@yahoo.com
    المدونة
    http://www.newman-in-christ.blgospot.com

    تعليق

    من قاموا بقراءة الموضوع

    تقليص

    الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

      معلومات المنتدى

      تقليص

      من يتصفحون هذا الموضوع

      يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

        يعمل...
        X