إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المجنون والنظاره

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المجنون والنظاره

    جلست في سكينة الليل أتأمل أسرار الحياة و ما وراء الوجود الأزلي معلقا ناظريّ في بحر السماء اللامتناهي أناشد النجوم و الكواكب علّها تجيبني و تقدم لي ما عجز البشر عن تقديمه... علّ أحد يخبرني عن سبب حزني و اختلافي عن بقية بني البشر...
    قيل لي أن لكل داء دواء... وأن دوائي يكمن في السعادة... وعليّ أن أجدّ وراء السعادة وعندها سأرى الحياة من منظور آخر ملئ بالأمل و الإشراق. فبدأت أسعى وراء السعادة و لكن... هل تأتي السعادة من الخارج؟ ألست ببحثي عن السعادة كمن يطارد الشمس الغارقة في بحر الأفق؟ فوقفت في مكاني متسائلا مخاطبا نفسي عن حقيقة السعادة, فسمعت نفسي تخاطب نفسي قائلة: إنما السعادة هي الحرية و الحرية هي الجنون, ولن تحظى بالسعادة ما لم تختبر معنى الحرية ولن تصبح حرا ما لم تكن مجنونا.
    فقررت أن أصبح حرا و أزيل عبء العادات و التقاليد عن كاهلي و أحيا متمتعا بالسعادة التي سأحياها بحرية بعيدا عن كل القيود التي وضعها بني البشر.
    مرت الأيام و أنا أحيا السعادة بالحرية التي تمتعت بها من جديد بعد تحطيمي لقيود التقاليد البشرية و حواجز العادات الشرقية, وعندها بدأت أتساءل: ألم تقل لي نفسي أن السعادة مقترنة بالحرية و الحرية بالجنون؟ ألست أحيا بسعادة؟ لماذا ربطت نفسي السعادة بالجنون؟ ألعلي لا أحيا السعادة؟ ألعلي لن أحياها ما لم أختبر معنى الجنون؟
    عندها قالت لي نفسي: لن تختبر معنى الجنون ما لم تزل نظّارتك عن عينيك...
    عدت إلى غرفتي حزينا, فاشلا, أرثي نفسي متأملا بالسعادة مخاطبا إياها و متوسلا ألا تذهب كما يتوسل الطفل أمه أن لا تبتعد عنه في الليالي العاصفة, بقيت على هذه الحال أياما و أنا أنظر إلى البشر من زجاج غرفتي متأملا بضحكات الأطفال و مغازلة الشباب للشابات و إسراع الرجال و النساء إلى أعمالهم... فبينما كنت أتأمل بهم سمعت صوت نفسي من جديد يقول لي: انظر إلى نظاراتهم و تنوع ألوانها...
    فنظرت إلى المارة بتمعن وبدأت أبحث فيما بينهم عن أحد ما مرتد نظارة كما يبحث النسر على فريسته ولكنني لم أرى أية نظّارة فتابعت تحديقي بهم إلى أن أدركت قصد نفسي وعن أي نظارة كانت تقصد...
    رأيت الأطفال وقد وضعوا نظارات بالية قديمة تكاد عدساتها تميل إلى السواد من قدمها, يضحكون و يتحدثون عن مستقبلهم فلما استمعت إلى حديثهم وجدت أنهم قد اتفقوا على مهنة الطب كمهنة للمستقبل... فصرخت مدهوشا: نعم إنني أرى نظّاراتهم... أرى نظرتهم للمستقبل من نظّارة والديهم...
    أرجعت رأسي إلى الوراء و أغمضت عيني سعيدا ممتنا لاكتشافي معنى النظارة ولقدرتي أخيرا على رؤيتها... ولكنني تفاجأت ليس فقط من قدرتي على رؤية النظارة بل أيضا استطعت أن أرى أولئك الأطفال يكبرون و تمر بهم السنون أمام ناظري بلحظة من الزمن حتى أصبحوا شبابا أشداء في مقتبل العمر وكانوا يتحدثون فيما بينهم.. فلما استمعت إلى حديثهم وجدتهم يرثون بعضهم بعضا على فشلهم في الحصول على الطب كمهنة لهم... ولكنني وجدت أيضا أنهم ينزعون نظاراتهم القديمة و يرتدون بدلا منها نظارات زهرية اللون... فابتدأوا يطمئنون بعضهم بعضا بأن الحياة ما زالت أمامهم و أن مستقبلهم سيحمل لهم النجاح و الازدهار وأن أي مهنة أخرى غير الطب سينجحوا بها... فتصافحوا و تعاهدوا على ذلك وذهب كل واحد في طريقه ليشق درب النجاح المنشود... ومرة أخرى استطعت أن أرى السنون تمر بهم في لحظة من الزمن و تجمعهم ببعض من جديد... فاقتربت منهم لأستمع إلى حديثهم فوجدتهم يتحدثون فيما بينهم عن الزواج وأنهم حتى ولو فشلوا في إيجاد العمل الذي سيؤمن لهم الغنى و الازدهار, إلا أنهم على يقين بأن زواجهم سيكون ناجحا وأنهم سيؤسسون أسرة ناجحة يسود فيها الحب و الوئام... ولكن السنوات مرت بهم و جمعتهم أمام ناظريّ من جديد لأرى آثار الهرم و التعب وقد نال منهم فاستمعت إلى حديثهم لأجد أنهم يتحدثون عن مستقبل أطفالهم, وأنه على الرغم من فشلهم في تأسيس أسرة ناجحة متحابة وعلى الرغم من فشلهم في تحقيق أحلامهم, إلا أنهم على يقين أن أطفالهم سيحققون ما فشلوا هم في تحقيقه... فأمعنت النظر بشدة فوجدت أن نظاراتهم الزهرية القديمة البالية التي تكاد تصبح سوداء اللون قد انتقلت إلى أبنائهم....
    عندها استجمعت قواي و ركضت باتجاههم صارخا كمن يرى وحشا كاسرا يفتك بأسرته, فنبّهتهم لموضوع النظارات التي نقلوها إلى أطفالهم و حذّرتهم من خطورة ذلك... فالتفتوا بفزع ناظرين إلى أبنائهم متفحصين وجوههم بدقة لكنهم سرعان ما حولوا نظرهم إليّ و ابتدأوا يسخرون مني لأنهم لا يروا أصلا أية نظارة...
    و اتهموني بالجنون!!!


    الفرعون 2-8-2006
    الروح القدس هو الذى غسل خطايا النفس بدم المسيح فى ماء المعمودية . وقدسها ، وبررها بروحه القدوس

من قاموا بقراءة الموضوع

تقليص

الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

    معلومات المنتدى

    تقليص

    من يتصفحون هذا الموضوع

    يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

      يعمل...
      X