إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

طفلان في المذود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • طفلان في المذود

    طفلان في المذود


    كان الرجل غنيا غنىً لا يمكن تصوره ، انه من أصحاب الملايين . كل ما يريده ويرغب به يستطيع أن يمتلكه في لحظات . بيته قصرا كل ما فيه يخلب الألباب ، أحاطه بأسلاك وأسوار عالية ، يقف محيطين بها رجال مسلحون موزعين على نقاط حراسة ، تعزل كل ما موجود داخل بيته الآمن ، في رأيه، عن خارجه ، وعن كل ما موجود في هذا العالم من أفكار وشرور كما يقول مراراً أمام أصدقائه .

    كل ذلك من أجل ابنه الذي يخاف عليه من نسمة هواء يمكن أن تلمسه وتجرحه . انه (الأغلى) هكذا سمّاه لأنه أغلى ما موجود في حياته ، وأغلى من ذهب الدنيا بالنسبة اليه . وكبر الأغلى ليبلغ من العمر اليوم 10 سنوات .

    عمل والده على تربية الأغلى تربية خاصة عازلا إياه عن بقية الناس العاديين ، لئلا يتأثر بهم ويطمعون فيه وبكل ما يملك . وقد وصل به الأمر الى أن يفتح له مدرسة خاصة به وحده داخل بيته ، ليتعلم فيها حتى لا يضطر الى الانتماء الى مدارس الآخرين التي لا تليق بمركزه وما يملك ، ويمكن من خلال تلك المدارس غير اللائقة له أن يندمج بأولاد ناس هم ليسوا من طبقته ، حيث يمكن أن يتعلم منهم اموراً لا يرغب والده في أن يتعلمها ابنه .

    وكان الولد عكس أبيه ، فهو يتوق للقفز خارج أسوار قصره ، مغادراً القيود التي تحيط به في كل مكان ، وبما انه غير قادر على أن يفعلها بجسده ، فقد تمكن من أن يقوم بها بروحه ، من خلال إرسال نظره الى أرجاء العالم المحيط به من أكثر المناطق ارتفاعا في قصره ، حيث تعود أن يجلس في شرفة غرفته المرتفعة ، يراقب كل ما يجري أمامه بعيداً عنه ، ويتتبع حركته ، فكان يراقب بابتهاج حركة الغيوم قاطعة السماء من أقصاها الى أقصاها ، ويطارد بخياله أسراب الطيور الراسمة بطيران أجنحتها فوق لوحة الهواء المفروشة فوق سطوح البنايات ، الممتدة أمام ناظريه من بعيد .

    وفي يوم من الأيام التي تسبق احتفالات أعياد الميلاد أثناء مراقبته ، كما تعوّد دائما ، للمشهد المترامي الأطراف الممتد أمام ناظريه ، لمحه من بعيد ، شيئا جديدا لم ينتبه الى وجوده قبلا ، انه صليب الكنيسة البعيدة جدا عن بيته ، رآه وقد تحلّى بأبهى حلّة من ألوان الضوء استعدادا لاحتفالات ليلة الميلاد .
    سأل الطفل امه عن تلك الأضواء التي تحيط بذلك الشيء الذي لم يعرفه قبلا ، فحكت له امه حكاية ميلاد الطفل يسوع ، ولماذا العالم كله يفرح ةيبتهج سعادة وسرارا بمولد هذا الطفل العجيب الذي يُفَرِّح الأطفال بقدومه الى عالمنا ، وعندما تأتي ليلة تجسد يسوع في عالمنا طفلا صغيرا يزورون جميعهم مغارة ميلاد الطفل يسوع الموضوعة في كنيسة البلدة . وعندما أنهت الام حكايتها طلب منها الطفل الأغلى أن تصطحبه كبقية أطفال الدنيا لزيارة مغارة عيد الميلاد في الكنيسة التي تحمل الصليب المبهج في انارته ، الذي رآه من شرفة قصره من بعيد.

    وهنا رفض الأب ذلك الطلب رفضا قاطعا خوفا على ولده من أي شر يمكن أن يصيبه في زيارته تلك . وأخذ الوالد يصيح : قولوا لي ، ما أهمية الكنيسة بالنسبة لطفل عمره 10 سنوات !! ولكن ، في هذه المرة ، أصرَّ الطفل على طلبه بعناد شديد لم يتعوده والده منه . وفي نهاية الأمر رضخ الوالد لطلب ولده .

    وقامت والدته باحضاره الى الكنيسة في ليلة الميلاد ، وعند وصوله الى باب الكنيسة ، توقف قبالتها ممسكاً بيد أُمه رافعا رأسه عاليا ، حتى كادت رقبته أن تتأذى ، مستطلعا شكل الصليب المثبت في أعلى قمة من قمم الكنيسة ، والواقف هو أسفله بالضبط ، وقد بدا في هذه اللحظة في عيون الأغلى كبيرا جدا جدا وجميلا جدا جدا ، ومختلفا كثيرا عن شكل الصليب الذي تعوّد أن يراه من بعيد من شرفة منزله . تحرك الأغلى بعد قليل مع امه التي أدخلته الى الكنيسة ، فأسرع مهرولا ، كما فعل جميع الأطفال الداخلين الى الكنيسة في تلك اللحظة معه ، الى حيث رُتبت مغارة ميلاد الطفل يسوع التي كثيرا ما حلم برؤيتها، ورؤية المذود الذي يرقد فيه ، وامه العذراء ويوسف واقفين بجانبه . واستمتع برؤية الحيوانات تقف حول المذود . فهذا الحمار ، وذاك الخروف ، أما البقرة فقد رآها واقفة في زاوية تنظر بدورها الى مذودها الذي رقد داخله الطفل يسوع . وقد فُرشت أرضية المغارة بالتبن والقش الأصفر ، فبدت للأطفال كأنها مغارة حقيقية. وعلقت أشكالا جميلة للملائكة فوقها ، مما بعث البهجة في نفوس الأطفال . وقد أعدت تلك المغارة وما تحويه من عناصر وشخصيات بحجوم كبيرة جدا لتسع جميع الأطفال القادمين الى الكنيسة في ليلة الميلاد ، والمتشوقين لزيارة المغارة ، والدخول فيها لرؤية الطفل يسوع وهو راقدا في مذوده .

    اندهش الأغلى مما رآه ، انه قد سمع بما موجود في مغارة عيد الميلاد سابقا ، فقد وصفتها له والدته عندما حكت له حكاية ميلاد الطفل يسوع ، ولكنه يراها في هذه الليلة مجسدة أمامه لأول مرة في حياته ، ولم يكن يتصور انها يمكن أن تكون بكل هذا الجمال والروعة .
    انتهى الاحتفال وخرج الأغلى من الكنيسة بصحبة والدته ، التي أركبته السيارة ، ولاحظت انه يكاد يطير من السعادة .

    وفي طريق عودته الى البيت ، وفجأة سدت الطريق عليهم سيارة غريبة سوداء لا تحمل أرقاما . أخرج أحدهم من خلال شباكها الخلفي ، الذي أُنزل في لحظات قطعة سلاح وفجّر بواسطته عجلتين جانبيتين من السيارة التي يركبها الأغلى ، فكادت تنقلب لولا مهارة سائقها ، الذي نجح في ايقافها في آخر لحظة .

    ترجلَّ من السيارة السوداء الغريبة أربعة رجال ملثمون ، كانوا يطلقون الرصاص في كافة الاتجاهات ، بكثافة وبدون تحديد . وبعد أن تمكنوا من قتل اثنين من الحراس المرافقين للطفل الأغلى اندفع أحدهم نحو باب السيارة من الجهة التي كان يجلس فيها الأغلى وفتحها ، ثم سحب الطفل من بين ذراعي أُمه المتشبثة به وبملابسه بكل قوة ، والتي أخذت تصرخ بصورة جنونية ، فلطمها أحدهم بوحشية على وجهها ، فأطلقت ولدها من شدة الألم ، وفقدت بعدها وعيها .

    أمسكوا بالطفل بعنف شديد وكمموا فمه ، وعصبوا عينيه ، وأجلسوه في المقعد الخلفي لسيارتهم ، بين اثنين من الرجال ضخام الجسد . وطارت السيارة الغريبة السوداء بحمولتها الغالية دون ترك أي أثر . وقد حدثت جميع تفاصيل هذه الأحداث خلال ثانيتين أو ثلاثة لا غير . وقامت الدنيا بعدها ولم تقعد .

    فوالده يملك من المال ما يمكنه من دفع فدية ابنه بأطنان من الأموال الورقية والمعدنية ، وبأي عُملة أو نقد هم سيطالبونه به .
    ووضع رجال الشرطة الخطط في الامساك بالخاطفين . حيث جُهز بيت الطفل بعشرات من أجهزة التنصت والكاميرات تحسباً لأي اتصال يمكن أن يقوم به الخاطفون . واندست عشرات العيون الأمنية لمراقبة جميع الطرق المؤدية الى بيته ، لئلا يزوره أحدهم ، حتى ولو تمت تلك الزيارة عند الفجر . ووزع رجال الأمن آلاف الصور لوجه الصبي على الصحف لنشرها في اليوم التالي ، وأُظهرت على جميع شاشات المحطات التلفزيونية لعل أحدهم يراه ويتمكن من الاتصال بوالديه ، أو بمكاتب الأمن . ورغم كل ذلك … لا أثر لهم .

    واصلت السيارة الغريبة السوداء انطلاقها ، سائقها رغم انتباهه ومهارته في ادارة مقود مركبته ، ونتيجة لسرعته المتناهية ، وكان الوقت قد تجاوز منتصف الليل بساعتين ، فقد فقدَ سيطرته على ذلك المقود للحظة من الزمن ، فكانت تلك اللحظة كافية لخروج مركبته عن الطريق وانقلابها ودحرجتها حول نفسها مرات عديدة ، ومات كل من كان بداخلها ما عدا الأغلى الذي حماه جسديّ الحارسين الضخمين اللذين كانا جالسين على جانبيه من جهتي اليسار واليمين .

    بعث انقلاب السيارة الخوف الشديد في قلب الطفل ، خاصة وهو معصوب العينين ، فاقد القدرة على أن يرى شيئا ، مما حال دون قدرته على أن يفهم ماذا حدث بالضبط . بعد فترة قصيرة سكن كل شيء ، وكانت أصوات دوران عجلات السيارة المنقلبة الأمامية والخلفية ، التي أضحت تدور في الهواء ، هو الصوت الوحيد الذي كان يُسمع في تلك اللحظة ، وساد هدوء غريب .

    فتحرك الطفل قليلا من الموضع الذي حُشر داخله ، وحرر ذراعيه ، ونجح في تخليص نفسه من عُصابة عينيه ، وانتزع بقوة كمامة فمه ، والذي ساعد على ذلك انه لم يكن موثوق اليدين . وبدأ يزحف ببطئ تحت الرجال الموتى السابحين في دمائهم ، رافعا عن جسده يد هذا ، مُبعدا عنه رأس ذاك ، وتمكن أخيرا في أن ينسل خارج هيكل السيارة المعدني المحطم .

    جلس وحيدا خائفا ، ناظراً حوله فاذا هو في مكان مجهول بالنسبة اليه ، جالسا على حافة طريق سريع يمتد أمامه ، لا يعرف من أين يبدأ أو الى اين يتجه ، وقد ساد ظلام مخيف غطى سماء المدينة كلها .

    أخذ الغالي يتفحص المكان لعله يرى شيئا ما يرشده أو ينقذه من المحنة التي هو فيها ، فهو رغم صغر سنه ، كان يستطيع أن يتعامل مع المواقف الصعبة دون خوف ، خاصة وهو لم يجرب الخوف الشديد من قبل ، كما هو الحال الذي عليه الآن . وفجأة … رفع رأسه بعيدا عن الأرض ، الى فوق ، انتبه اليه … انه بعيد جدا ، ورغم ذلك لمحه مضيئا فوق سطوح العديد من البنايات البعيدة السابحة وسط ظلام دامس .

    كان هو الشكل الوحيد السابح في بحر من النور ، وقد تعود أن يراه أمامه ، منذ بداية اسبوع احتفالات أعياد الميلاد … انه صليب الكنيسة التي زارها في منتصف ليلة نفس هذا اليوم .
    ولأنه يعرفه ويستطيع أن يميزه من بين مئات الأشجار وسطوح البنايات وأعمدة الكهرباء وأسلاكها ، ولأنه أحبه منذ أن كان يراقبه من شرفة منزله ، ولأنه الوحيد الذي يمكن أن يحدد له اتجاه سيره في ظلمة دروب هذه المدينة الغريبة عنه ، خاصة بعد ضياعه فيها ، قرر أن يتخذ صليب الكنيسة المرتفع مرشدا له في رحلة عودته .

    وبدأ يتحرك سائرا في الدروب ، مخترقا الطرقات ، قاطعا الشوارع ، وعينيه مثبتة على صليب الكنيسة ، وأضواءه الجميلة التي تتلألأ محيطة به من قمته حتى قاعدته .
    وأخيرا نجح في الوصول الى مبنى تلك الكنيسة التي يعرفها حق المعرفة ، لقد حضر اليها قبل ساعات من اختطافه .

    دخلها عند الفجر ، تعبا جدا ، لا يقوى على السير من شدة الانهاك والبرد . لقد كانت تلك الكنيسة خالية بدورها وباردة . انه لا يعرف أحد فيها ، ما عدا يسوع ، أو مكان مميز داخلها ، ما عدا مغارة يسوع التي أحبها ، وهي الموضع الوحيد الذي تُرك في تلك الليلة مضيئا داخل الكنيسة من أجل احتفالات أعياد الميلاد .

    قضى الرجال الليل بطوله يبحثون عنه ، لقد عثروا على السيارة المنقلبة في موضعها ، وعثروا على جميع جثثت ركابها ، ولكنهم لم يعثروا على الأغلى الذي جميعهم كانوا يبحثون عنه .

    وأخيرا عند الصباح رفع راعي الكنيسة هاتف مكتبه وكلّم رجال الأمن قائلا :
    - أرجو حضوركم . الطفل الذي تبحثون عنه موجودا داخل مبنى الكنيسة .
    اندفع عشرات من رجال الأمن الى داخل البناية ، حيث قادهم راعيها الى مغارة الطفل يسوع ، التي ما زالت بدورها تسبح في أنوارها ليجدوا الطفل الأغلى نائما في المذود بجانب يسوع ، الذي ابتعد قليلا عن وسط المذود ، مقتربا قليلا من احدى جانبيه ، ليفسح مجالا أكبر لنوم الأغلى بجانبه في مذوده . وكانت ذراعا يسوع تضمان جسد الطفل الأغلى ، أما غطاءه فقد قام الأغلى بسحبه والقاءه فوق جسده المتعب . واستسلم بكل اطمئنان لنوم جميل ، ساعدت الاضاءة المركزّة على موضع المغارة من بعث الدفء والارتياح في جسده .

    رفع راعي الكنيسة هاتف مكتبه للمرة الثانية وأتصل بوالد الأغلى قائلا :
    - اطمئن يا سيدي … ولا تخف ، فقد وجدنا ابنك نائما في مذود ، يحرسه يسوع .

  • #2
    مشاركة: طفلان في المذود

    السادة مسؤولي المنتدى
    نعمة ربنا يسوع المسيح وسلامه معكم دائما
    أرجو تفضلكم مشكورين بتكبير الخط قليلا ، فيظهر اني قد ارتكبت خطأ في تقدير حجم الخط .
    تقديري وشكري . والرب معكم

    تعليق


    • #3
      مشاركة: طفلان في المذود

      بسم الله الفوى 000 الى الابنه الحبيبه سحر بارك الله فيكى قصتك جميله وصدقى لقد ادمعت عيونى وسرت قلبى01 اذاد الرب موهبتك وادام عليكى نعمت السلام والسلام لكىمن الرب والتحيه منى 0 اخوكى

      تعليق

      من قاموا بقراءة الموضوع

      تقليص

      الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

        معلومات المنتدى

        تقليص

        من يتصفحون هذا الموضوع

        يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

          يعمل...
          X