الممثلون
بقلم عماد حنا
لم يكن دوري قد حان بعد وأنا أنتظر في موقف الباصات لكي أحمله بالركاب , كان أمامي باصان علي الأقل . وفي هذا الوقت من النهار يكون عدد الزبائن قليل إذ رجع الجميع من أعمالهم , فاستلقيت داخل الميكروباس أغمض عيني كي أريحها من تعب النهار , ولكن ما أن هدأت قليلا حتى وجدت من يناديني .
- ميخائيل .. ميخائيل
هذا أسمي , نظرت فوجدت السائق إسماعيل يقف مع شاب في مقتبل العمر وجهه أحمر من الخجل , ماذا يريد إسماعيل مني !! لم يحن دوري بعد , فصرخت حتى يسمع
- ماذا تريد يا إسماعيل
- طلبية خاصة , إنهم خواجات أقارب لك يريدون الذهاب إلى كنيسة ما في طهطا .
قلت في تثاقل
- ليس دوري
- أعرف , هو دوري أنا ولكني لا أعرف الطريق , وهم لا يريدون التوقف عند الموقف فقط بل يريدونني أن أوصلهم عند باب الكنيسة . أذهب أنت وأنا سآخذ دورك .
- حسنا
واتجه الشاب إلى عربتي ويبدو أنه استحسن أن أقوم أنا بالتوصيل , قال لي
- معذرة يا عم ميخائيل , أفسدنا نومك
ضحكت في وجهه قائلا
- لا عليك أيها الشاب , أظن أنك لست وحدك
- بالتأكيد , يوجد مجموعة من الأولاد الصغار عمرهم يتراوح من 12 :15 سنة
- لكني مرتبط بعدد
- لن يزيد العدد كثيرا إنشاء الله .
- حسنا , هيا بنا
وذهبنا إلى الكنيسة التي في سوهاج , وسرعان ما أصبحت عربتي كعلبة السردين , من داخلها معبئة بالأولاد والبنات وفوقها أجهزة كثيرة لا أعرف ما هي , وتجاهلت هذا الأمر بعد أن وعدني الشاب ببقشيش سخي , واتجهنا لمدينة طهطا , الشاب الذي اتفق معي بجانبي وشابة أخري مع كثير من الأولاد والبنات في الخلف .
***
في الطريق حاولت اجتذاب أطراف الحديث مع الشاب ولكن يبدو أنه مقل في حديثه , ولكن علي من ؟ لابد وأن يحكي معي , في البداية أخذت أتكلم أنا وهو يستمع إلى
كنت أقول له .
- ما أروعكم أيها الشباب الصغير وأنتم تعرفون طريق الكنيسة من هذه السن , أنا لا أذكر
أنني ذهبت إلى الكنيسة إلا مرتين , مرة يوم المعمودية , وفي هذا الوقت كنت صغيرا
جدا لا أعي والمرة الثانية عندما تزوجت .
وأخذت أضحك وأنظر له لأجده يبتسم ابتسامة صفراء باهته أوقفت الضحكة في حلقي , ولكني أكملت كلامي
- فأنا تزوجت منذ ثمان سنوات ولي طفلتين جميلتين و …
نظرت له , وجدته سارح ولم أجد أي تجاوب مني مجرد ابتسامات باهته فعدت أحاول من جديد .
- أتعرف ؟ .. لن أكرر ما فعله والدي , سأشجع بناتي علي الذهاب إلى الكنيسة عندما يصلا إلى سن هؤلاء , بل أصغر , عندما يكبرا قليلا سأذهب بهن إلى الكنيسة , أنا لا أعرف شيئا عن الله وعما يريده الله مني , ولكني أحاول أن أرضيه بشتى الطرق , أنا لا أعمل شيئا يغضبه , وقلبي نظيف كاللبن الحليب , وأمانتي مشهود لها في الموقف كله , لذلك يحبني الجميع , لولا محبتهم لما تنازل لي إسماعيل عن دوره .
ومرة أخري لم أجد سوي الصمت .
الطريق طويل , هل سنظل هكذا ؟ نظرت إلى الأولاد والبنات من خلفي , كان كل ولد وبنت فيهم لديه ورقة صغيرة يقرأها في صمت وهدوء , كانوا كالملائكة ولكن كانوا خائفين بعض الشيء كما لو كانوا مقبلين علي امتحان , تري لماذا يذهبون إلى كنيسة في بلد أخري ويتكلفون مشقة الانتقال من مكان إلى مكان , أليست كنيستهم تكفيهم ؟ ماذا ينون أن يفعلوا ؟ .
مرة أخري حاولت أن أسأله
- معذرة أيها الصديق , لم أعرف أسمك بعد
- شادي
- وأنا ميخائيل
- سبق وتعارفنا , أهلا بك
وعاد الصمت , يا إلهي , هل أتكلم مع أخرس ؟! لكني لم أستسلم بعد سألته
- لماذا تذهبون إلى الكنيسة التي في طهطا , ليس الوقت وقت موالد ولا كنيستكم معتادة علي إقامتها , فلماذا تذهبون ؟
- نحن نذهب كي نقدم خدمة
- خدمة ؟! ما هي .. هل هناك شخص مريض تريدون زيارته ؟
وعندها أدرك شادي أنه لن يستطيع البقاء صامتا طوال الطريق فقال
- كلا , إننا فريق نقدم عظات بطريقة جديدة , تحتوي علي الترانيم وتمثيل بعض المواقف من الكتاب المقدس نقدمها في كثير من الكنائس , والآن جاء الدور علي الكنيسة التي في طهطا .
نظرت إلى الأطفال وقلت
- حقا ما أجملهم , وأنا الذي أذهب عشرات المرات يوميا من سوهاج إلى طهطا وبالعكس لم أفكر في الذهاب إلى الكنيسة لا في سوهاج ولا في طهطا .
قال الشاب والخجل مرتسم علي وجهه
- أنت سوف توصلنا إلى الكنيسة , بدلا من أن تنتظر دورك في الموقف لماذا لا تدخل وتحضر الاجتماع وترجع بنا إلى حيث جئنا , سوف نضاعف الأجرة طالما ركبنا ذهاب وإياب .
- هل يمكنني هذا فعلا ؟ هل يمكنني حضور اجتماعكم ؟
- بالتأكيد يا عم ميخائيل تستطيع الحضور
فرحت وأطلقت ضحكة سعيدة , وأخذت أصفر لحن أغنية شهيرة ثم أوقفت صفارتي خجلا من هؤلاء الملائكة الصغار , ولكن فجأة تذكرت شيئا هاما فقلت لشادي
- ولكن الكاهن , إذا عرف أنني دخلت هذه الكنيسة سوف يحرمنني
قال شادي ضاحكا وقد زال خجله
- ومن سوف يقول للكاهن ؟ , ثم أنت أصلا لا تذهب إلى الكنيسة , ولا يوجد أي كاهن يعرفك .
- بل كلهم يعرفونني جيدا , صحيح لم يفكر أحدهم في دعوتي لدخول الكنيسة رغم أني صباح كل أحد أقف علي باب الكنيسة أنتظر الركاب, ولكني لم أفكر في دخول الكنيسة ولم يفكر أحد في دعوتي , ولكني.. علي كل حال سأدخل , من سيقول للكاهن
***
ووصلنا إلى طهطا , وفي الكنيسة سرعان ما دخل الأولاد في نشاط كبير ,وفي صمت بدءوا ينشئون مسرحا صغيرا , وبدأت في مشاركتهم وأنا سعيد جدا إذ شعرت أن لي أهمية في بيت الرب , وقد بدا لي أن هؤلاء الصغار هم محترفون في عملهم وشعرت بالفرحة تغمرني فقلت
- أوه .. كما هذا العمل جميل
وسمعت الشابة كلماتي فقالت مبتسمة
- وعندما تري الخدمة سوف تفرح أكثر يا عم ميخائيل .
- وحتى إذا كان لا يوجد خدمة شعوري أنني أرضي الله بأي وسيلة شئ رائع احتاجه دائما , طوباكم أنتم فأنتم عائشون للرب طوال الوقت .
***
وبدأت الكنيسة تمتلئ بالحضور , وجلست في أخر مقعد إذ شعرت بأني لا أستحق هذا الشرف , وبدأت الخدمة , ويا لها من خدمة شعرت أني في السماء . ترنيمات جميلة وأصوات ملائكية .. وأولاد وضعوا أنفسهم في خدمة الله , لم أكن أعرف كيف أرضي الله , في البداية عرفت ما فعله الله من أجلي من خلال الترنيمات , ومن خلال التعليقات التي كانت بين الترنيمات , وأيضا من التمثيليات التي مثلوها والتي رأيت من خلالها يسوع مصلوبا لأجلي
كثيرا ما سمعت عن صليب يسوع ولكني لم أعرف انه لأجلي إلا اليوم , حقائق كثيرة يتغاضى عنها الإنسان ولكن عندما تبرز أمام عينيه يشعر بأهميتها وأيضا يشعر بروعتها.
و بعدها وقف الشاب وسأل لحاضرين ذلك السؤال " كيف نرضي الله ؟ .ز نعم , هذا هو السؤال الذي أبحث له عن إجابة طوال عمري , كنت أحاول إرضاؤه بأعمال كثيرة ولكن في داخلي أشعر بأن هذه الأمور غير كافية للوصول لمرضاة الله , يوجد شئ ناقص , ولكن لم أعرف ما هو و لم أعرف كيف أكمله .
وكانت الإجابة علي لسان الشاب إذ قال
- الله لا يريد أعمال , وان كانت مهمة , ولكن الله يريدك أن تعمل من خلاله , أن تسلم نفسك بالكامل له وأن تثق أنك بين أيدي الله وهي أيدي أمينة عليك كما وعد , وهذا ما يسمي بالإيمان , وبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه , هكذا يقول الكتاب المقدس , وبعد هذا الإيمان دعه هو يعمل من خلالك , أعمالك مهما كانت فهي ناقصة بدونه , أما من خلال مشيئة الله هو يكمل كل شئ .
قلت في نفسي " ولكن كيف أسلم حياتي " فكان الرد أيضا علي لسان ذلك الشاب
- صلي له الآن .. بتوبة اطلب أن يستلم الله حياتك بالكامل , هي لك , لكن قل له يا رب أنا بدونك ضائع وخاطئ , أتوب عن أخطائي , وعن ماضي كله , وأعطيك حياتي بالكامل , هي لك .
وفعلت ما قال , بتوبة صادقة ولهفة حقيقية كي أرضي الله وشعرت بجمال الله ومحبته وعظمته .
قال الشاب
- إن سلمت حياتك لله صرت ابنا له
آذن فقد صرت ابنا لله , يا له من مجد عظيم , أردت أن أحتضن شادي , بل واحتضن إسماعيل السائق الذي أخذت مكانه لانه أراني شئ لم أكن أعرفه ولكني كنت أبحث عنه دائما . وجعلني في مرتبه لم أتخيلها , أن أكون ابنا لله .
ولكن بداخلي أسئلة كثيرة , ومعلومات أريد أن أعرفها , عند رجوعهم سوف أسألهم الكثير وأعرف مواعيد اجتماعاتهم وأواظب عليها حتى أعرف الله أكثر وأعيش له أكثر
***
وانتهت الخدمة , وفي نشاط ذهبت إلي الأولاد أهنئهم وكان الجميع يفعلون ذلك وكان سرور الأولاد واضحا ولهم الحق فهم يخدمون ملك الملوك , اتجهت إلى شادي سلمت عليه بحرارة . قال شادي لي
- هل أعجبتك الخدمة يا عم ميخائيل ؟
- أجل , ولقد اتخذت قرارا هاما في ..
قاطعني
- وما رأيك بالأصوات , هل كانت جميلة ؟
- جدا , ولكني أردت أن أسأل
قاطعني من جديد
- تعال .. تعال معنا يا عم ميخائيل , يوجد مشروب وسندوتش , لنأكل ونشرب ونرحل , لقد تأخرنا ويجب أن لا نعطلك أكثر من هذا
- أنتم لا تعطلوني , ولكن ..
تركني ومضي , ولكني لن أتركه إلا وأفهم كل شئ , أخذت أنظر إلى المكان , وجدت في الركن مكتبة صغيرة ذهبت إليها , وجدت شاب ابتسم لي عندما أقبلت عليه وقال
- هل تريد تسجيلا للعظة مع الترانيم ؟
- بل أريد الإنجيل المقدس , أريد أن أقرأ كلام الله
- هل تريد العهدين أم العهد الجديد فقط
- لا أفهم
- هل تريد الكتاب المقدس كله أم العهد الجديد فقط .
أيضا لم أفهم ولكني قلت
- أريد أن أقرأ عن ما فعله المسيح من أجلي وماذا يريد مني
حينئذ أعطاني كتاب العهد الجديد أفتحه لأجد عبارة أتجيل متي , شعرت بسعادة وأعطيته ثمنه واتجهت إلى العربة أنتظر الفريق .
***
من هؤلاء الذين يركبون معي العربة الآن , هل هم نفس الأشخاص الذين كانوا معي ونحن ذاهبون إلى الكنيسة , لماذا اختلفوا الآن ؟ أين الملائكة المصلين المنظرين خدمة يسوع ؟. أكيد ركب معي أولاد آخرون لم يعرفوا يسوع ولا يعرفون خدمته .
الصوت العالي , وأولاد يصفقون ويغنون أغاني مبتذلة وإعلانات تلفزيونية غريبة
قلت لشادي
- هل هؤلاء هم من أتوا معنا أم ركب آخرون .
قال شادي ضاحكا
- بل هم
سألته
- لماذا لم يكن صوتهم ظاهرا عند ذهابنا ؟
- لقد كانوا خائفين إذ كانوا مقبلين علي خدمة , أما الآن وقد انتهت فهم يعبرون عن فرحتهم .
- يعبرون عن فرحتهم هذا ؟ أين الترنيمات الجميلة التي كانوا يرنمون بها ؟
خجل الشاب شادي وحاول إيقافهم , ولكنه كلما حاول يزدادوا أكثر , فقلت له
- أتركهم علي راحتهم , فما موجود داخل القلب لابد وأن يظهر علي اللسان .
وبقيت صامتا طوال الطريق , لم أستطيع أن أسأل أي سؤال , ماتت الأسئلة داخلي تماما كما ماتت الفرحة التي اعترتني منذ قليل
وصلنا إلى الكنيسة التي في سوهاج , نزل شادي وقال
- شكرا يا عم ميخائيل , هل لديك تليفون بحيث نستأجر الباص كلما أردنا الذهاب إلى خدمة ؟.
قلت له
- عندما تذهب إلى ما تسميه خدمة اذهب إلى موقف الباصات وخذ الباص الذي عليه الدور ولا تدع السائق إلى حضور الاجتماع , أما إذا دعيته فلكي يستفيد من خدمتكم عليك أن لا ترجع بنفس الباص .
قال شادي مستغربا
- لماذا , هل آذيناك في شئ ؟
- وأي أذية , علي العموم أني لا أعترض علي شئ , أنكم يا عزيزي ممثلون محترفون , تتقنون عملكم جيدا , حتى استطعتم أن تقنعوني , ولكن بعد انتهاء العل ترجعون إلى حياتكم العادية, والتي هي أسوا من حياتي , خدعتموني فظننت أن ما تقولونه هو أيضا حياتكم ,ولكني كنت مخطئا . آني أشكركم لأنكم أنرتم عيني علي شئ كان ينقصني , وأنا لا أنكر أني تعلمت منكم كثيرا عندما فتحتم إنجيلكم وتكلمتم من خلاله , والآن علي أن أمارس ذلك الذي تعلمته وحدي , فهذا أفضل , أو أن أبحث عن شخص يعرف كيف يعيش ذلك الكلام فيعلمني إياه , سامحكم الله .
وتركته ومضيت لألحق بدوري في الموقف .
بقلم عماد حنا
لم يكن دوري قد حان بعد وأنا أنتظر في موقف الباصات لكي أحمله بالركاب , كان أمامي باصان علي الأقل . وفي هذا الوقت من النهار يكون عدد الزبائن قليل إذ رجع الجميع من أعمالهم , فاستلقيت داخل الميكروباس أغمض عيني كي أريحها من تعب النهار , ولكن ما أن هدأت قليلا حتى وجدت من يناديني .
- ميخائيل .. ميخائيل
هذا أسمي , نظرت فوجدت السائق إسماعيل يقف مع شاب في مقتبل العمر وجهه أحمر من الخجل , ماذا يريد إسماعيل مني !! لم يحن دوري بعد , فصرخت حتى يسمع
- ماذا تريد يا إسماعيل
- طلبية خاصة , إنهم خواجات أقارب لك يريدون الذهاب إلى كنيسة ما في طهطا .
قلت في تثاقل
- ليس دوري
- أعرف , هو دوري أنا ولكني لا أعرف الطريق , وهم لا يريدون التوقف عند الموقف فقط بل يريدونني أن أوصلهم عند باب الكنيسة . أذهب أنت وأنا سآخذ دورك .
- حسنا
واتجه الشاب إلى عربتي ويبدو أنه استحسن أن أقوم أنا بالتوصيل , قال لي
- معذرة يا عم ميخائيل , أفسدنا نومك
ضحكت في وجهه قائلا
- لا عليك أيها الشاب , أظن أنك لست وحدك
- بالتأكيد , يوجد مجموعة من الأولاد الصغار عمرهم يتراوح من 12 :15 سنة
- لكني مرتبط بعدد
- لن يزيد العدد كثيرا إنشاء الله .
- حسنا , هيا بنا
وذهبنا إلى الكنيسة التي في سوهاج , وسرعان ما أصبحت عربتي كعلبة السردين , من داخلها معبئة بالأولاد والبنات وفوقها أجهزة كثيرة لا أعرف ما هي , وتجاهلت هذا الأمر بعد أن وعدني الشاب ببقشيش سخي , واتجهنا لمدينة طهطا , الشاب الذي اتفق معي بجانبي وشابة أخري مع كثير من الأولاد والبنات في الخلف .
***
في الطريق حاولت اجتذاب أطراف الحديث مع الشاب ولكن يبدو أنه مقل في حديثه , ولكن علي من ؟ لابد وأن يحكي معي , في البداية أخذت أتكلم أنا وهو يستمع إلى
كنت أقول له .
- ما أروعكم أيها الشباب الصغير وأنتم تعرفون طريق الكنيسة من هذه السن , أنا لا أذكر
أنني ذهبت إلى الكنيسة إلا مرتين , مرة يوم المعمودية , وفي هذا الوقت كنت صغيرا
جدا لا أعي والمرة الثانية عندما تزوجت .
وأخذت أضحك وأنظر له لأجده يبتسم ابتسامة صفراء باهته أوقفت الضحكة في حلقي , ولكني أكملت كلامي
- فأنا تزوجت منذ ثمان سنوات ولي طفلتين جميلتين و …
نظرت له , وجدته سارح ولم أجد أي تجاوب مني مجرد ابتسامات باهته فعدت أحاول من جديد .
- أتعرف ؟ .. لن أكرر ما فعله والدي , سأشجع بناتي علي الذهاب إلى الكنيسة عندما يصلا إلى سن هؤلاء , بل أصغر , عندما يكبرا قليلا سأذهب بهن إلى الكنيسة , أنا لا أعرف شيئا عن الله وعما يريده الله مني , ولكني أحاول أن أرضيه بشتى الطرق , أنا لا أعمل شيئا يغضبه , وقلبي نظيف كاللبن الحليب , وأمانتي مشهود لها في الموقف كله , لذلك يحبني الجميع , لولا محبتهم لما تنازل لي إسماعيل عن دوره .
ومرة أخري لم أجد سوي الصمت .
الطريق طويل , هل سنظل هكذا ؟ نظرت إلى الأولاد والبنات من خلفي , كان كل ولد وبنت فيهم لديه ورقة صغيرة يقرأها في صمت وهدوء , كانوا كالملائكة ولكن كانوا خائفين بعض الشيء كما لو كانوا مقبلين علي امتحان , تري لماذا يذهبون إلى كنيسة في بلد أخري ويتكلفون مشقة الانتقال من مكان إلى مكان , أليست كنيستهم تكفيهم ؟ ماذا ينون أن يفعلوا ؟ .
مرة أخري حاولت أن أسأله
- معذرة أيها الصديق , لم أعرف أسمك بعد
- شادي
- وأنا ميخائيل
- سبق وتعارفنا , أهلا بك
وعاد الصمت , يا إلهي , هل أتكلم مع أخرس ؟! لكني لم أستسلم بعد سألته
- لماذا تذهبون إلى الكنيسة التي في طهطا , ليس الوقت وقت موالد ولا كنيستكم معتادة علي إقامتها , فلماذا تذهبون ؟
- نحن نذهب كي نقدم خدمة
- خدمة ؟! ما هي .. هل هناك شخص مريض تريدون زيارته ؟
وعندها أدرك شادي أنه لن يستطيع البقاء صامتا طوال الطريق فقال
- كلا , إننا فريق نقدم عظات بطريقة جديدة , تحتوي علي الترانيم وتمثيل بعض المواقف من الكتاب المقدس نقدمها في كثير من الكنائس , والآن جاء الدور علي الكنيسة التي في طهطا .
نظرت إلى الأطفال وقلت
- حقا ما أجملهم , وأنا الذي أذهب عشرات المرات يوميا من سوهاج إلى طهطا وبالعكس لم أفكر في الذهاب إلى الكنيسة لا في سوهاج ولا في طهطا .
قال الشاب والخجل مرتسم علي وجهه
- أنت سوف توصلنا إلى الكنيسة , بدلا من أن تنتظر دورك في الموقف لماذا لا تدخل وتحضر الاجتماع وترجع بنا إلى حيث جئنا , سوف نضاعف الأجرة طالما ركبنا ذهاب وإياب .
- هل يمكنني هذا فعلا ؟ هل يمكنني حضور اجتماعكم ؟
- بالتأكيد يا عم ميخائيل تستطيع الحضور
فرحت وأطلقت ضحكة سعيدة , وأخذت أصفر لحن أغنية شهيرة ثم أوقفت صفارتي خجلا من هؤلاء الملائكة الصغار , ولكن فجأة تذكرت شيئا هاما فقلت لشادي
- ولكن الكاهن , إذا عرف أنني دخلت هذه الكنيسة سوف يحرمنني
قال شادي ضاحكا وقد زال خجله
- ومن سوف يقول للكاهن ؟ , ثم أنت أصلا لا تذهب إلى الكنيسة , ولا يوجد أي كاهن يعرفك .
- بل كلهم يعرفونني جيدا , صحيح لم يفكر أحدهم في دعوتي لدخول الكنيسة رغم أني صباح كل أحد أقف علي باب الكنيسة أنتظر الركاب, ولكني لم أفكر في دخول الكنيسة ولم يفكر أحد في دعوتي , ولكني.. علي كل حال سأدخل , من سيقول للكاهن
***
ووصلنا إلى طهطا , وفي الكنيسة سرعان ما دخل الأولاد في نشاط كبير ,وفي صمت بدءوا ينشئون مسرحا صغيرا , وبدأت في مشاركتهم وأنا سعيد جدا إذ شعرت أن لي أهمية في بيت الرب , وقد بدا لي أن هؤلاء الصغار هم محترفون في عملهم وشعرت بالفرحة تغمرني فقلت
- أوه .. كما هذا العمل جميل
وسمعت الشابة كلماتي فقالت مبتسمة
- وعندما تري الخدمة سوف تفرح أكثر يا عم ميخائيل .
- وحتى إذا كان لا يوجد خدمة شعوري أنني أرضي الله بأي وسيلة شئ رائع احتاجه دائما , طوباكم أنتم فأنتم عائشون للرب طوال الوقت .
***
وبدأت الكنيسة تمتلئ بالحضور , وجلست في أخر مقعد إذ شعرت بأني لا أستحق هذا الشرف , وبدأت الخدمة , ويا لها من خدمة شعرت أني في السماء . ترنيمات جميلة وأصوات ملائكية .. وأولاد وضعوا أنفسهم في خدمة الله , لم أكن أعرف كيف أرضي الله , في البداية عرفت ما فعله الله من أجلي من خلال الترنيمات , ومن خلال التعليقات التي كانت بين الترنيمات , وأيضا من التمثيليات التي مثلوها والتي رأيت من خلالها يسوع مصلوبا لأجلي
كثيرا ما سمعت عن صليب يسوع ولكني لم أعرف انه لأجلي إلا اليوم , حقائق كثيرة يتغاضى عنها الإنسان ولكن عندما تبرز أمام عينيه يشعر بأهميتها وأيضا يشعر بروعتها.
و بعدها وقف الشاب وسأل لحاضرين ذلك السؤال " كيف نرضي الله ؟ .ز نعم , هذا هو السؤال الذي أبحث له عن إجابة طوال عمري , كنت أحاول إرضاؤه بأعمال كثيرة ولكن في داخلي أشعر بأن هذه الأمور غير كافية للوصول لمرضاة الله , يوجد شئ ناقص , ولكن لم أعرف ما هو و لم أعرف كيف أكمله .
وكانت الإجابة علي لسان الشاب إذ قال
- الله لا يريد أعمال , وان كانت مهمة , ولكن الله يريدك أن تعمل من خلاله , أن تسلم نفسك بالكامل له وأن تثق أنك بين أيدي الله وهي أيدي أمينة عليك كما وعد , وهذا ما يسمي بالإيمان , وبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه , هكذا يقول الكتاب المقدس , وبعد هذا الإيمان دعه هو يعمل من خلالك , أعمالك مهما كانت فهي ناقصة بدونه , أما من خلال مشيئة الله هو يكمل كل شئ .
قلت في نفسي " ولكن كيف أسلم حياتي " فكان الرد أيضا علي لسان ذلك الشاب
- صلي له الآن .. بتوبة اطلب أن يستلم الله حياتك بالكامل , هي لك , لكن قل له يا رب أنا بدونك ضائع وخاطئ , أتوب عن أخطائي , وعن ماضي كله , وأعطيك حياتي بالكامل , هي لك .
وفعلت ما قال , بتوبة صادقة ولهفة حقيقية كي أرضي الله وشعرت بجمال الله ومحبته وعظمته .
قال الشاب
- إن سلمت حياتك لله صرت ابنا له
آذن فقد صرت ابنا لله , يا له من مجد عظيم , أردت أن أحتضن شادي , بل واحتضن إسماعيل السائق الذي أخذت مكانه لانه أراني شئ لم أكن أعرفه ولكني كنت أبحث عنه دائما . وجعلني في مرتبه لم أتخيلها , أن أكون ابنا لله .
ولكن بداخلي أسئلة كثيرة , ومعلومات أريد أن أعرفها , عند رجوعهم سوف أسألهم الكثير وأعرف مواعيد اجتماعاتهم وأواظب عليها حتى أعرف الله أكثر وأعيش له أكثر
***
وانتهت الخدمة , وفي نشاط ذهبت إلي الأولاد أهنئهم وكان الجميع يفعلون ذلك وكان سرور الأولاد واضحا ولهم الحق فهم يخدمون ملك الملوك , اتجهت إلى شادي سلمت عليه بحرارة . قال شادي لي
- هل أعجبتك الخدمة يا عم ميخائيل ؟
- أجل , ولقد اتخذت قرارا هاما في ..
قاطعني
- وما رأيك بالأصوات , هل كانت جميلة ؟
- جدا , ولكني أردت أن أسأل
قاطعني من جديد
- تعال .. تعال معنا يا عم ميخائيل , يوجد مشروب وسندوتش , لنأكل ونشرب ونرحل , لقد تأخرنا ويجب أن لا نعطلك أكثر من هذا
- أنتم لا تعطلوني , ولكن ..
تركني ومضي , ولكني لن أتركه إلا وأفهم كل شئ , أخذت أنظر إلى المكان , وجدت في الركن مكتبة صغيرة ذهبت إليها , وجدت شاب ابتسم لي عندما أقبلت عليه وقال
- هل تريد تسجيلا للعظة مع الترانيم ؟
- بل أريد الإنجيل المقدس , أريد أن أقرأ كلام الله
- هل تريد العهدين أم العهد الجديد فقط
- لا أفهم
- هل تريد الكتاب المقدس كله أم العهد الجديد فقط .
أيضا لم أفهم ولكني قلت
- أريد أن أقرأ عن ما فعله المسيح من أجلي وماذا يريد مني
حينئذ أعطاني كتاب العهد الجديد أفتحه لأجد عبارة أتجيل متي , شعرت بسعادة وأعطيته ثمنه واتجهت إلى العربة أنتظر الفريق .
***
من هؤلاء الذين يركبون معي العربة الآن , هل هم نفس الأشخاص الذين كانوا معي ونحن ذاهبون إلى الكنيسة , لماذا اختلفوا الآن ؟ أين الملائكة المصلين المنظرين خدمة يسوع ؟. أكيد ركب معي أولاد آخرون لم يعرفوا يسوع ولا يعرفون خدمته .
الصوت العالي , وأولاد يصفقون ويغنون أغاني مبتذلة وإعلانات تلفزيونية غريبة
قلت لشادي
- هل هؤلاء هم من أتوا معنا أم ركب آخرون .
قال شادي ضاحكا
- بل هم
سألته
- لماذا لم يكن صوتهم ظاهرا عند ذهابنا ؟
- لقد كانوا خائفين إذ كانوا مقبلين علي خدمة , أما الآن وقد انتهت فهم يعبرون عن فرحتهم .
- يعبرون عن فرحتهم هذا ؟ أين الترنيمات الجميلة التي كانوا يرنمون بها ؟
خجل الشاب شادي وحاول إيقافهم , ولكنه كلما حاول يزدادوا أكثر , فقلت له
- أتركهم علي راحتهم , فما موجود داخل القلب لابد وأن يظهر علي اللسان .
وبقيت صامتا طوال الطريق , لم أستطيع أن أسأل أي سؤال , ماتت الأسئلة داخلي تماما كما ماتت الفرحة التي اعترتني منذ قليل
وصلنا إلى الكنيسة التي في سوهاج , نزل شادي وقال
- شكرا يا عم ميخائيل , هل لديك تليفون بحيث نستأجر الباص كلما أردنا الذهاب إلى خدمة ؟.
قلت له
- عندما تذهب إلى ما تسميه خدمة اذهب إلى موقف الباصات وخذ الباص الذي عليه الدور ولا تدع السائق إلى حضور الاجتماع , أما إذا دعيته فلكي يستفيد من خدمتكم عليك أن لا ترجع بنفس الباص .
قال شادي مستغربا
- لماذا , هل آذيناك في شئ ؟
- وأي أذية , علي العموم أني لا أعترض علي شئ , أنكم يا عزيزي ممثلون محترفون , تتقنون عملكم جيدا , حتى استطعتم أن تقنعوني , ولكن بعد انتهاء العل ترجعون إلى حياتكم العادية, والتي هي أسوا من حياتي , خدعتموني فظننت أن ما تقولونه هو أيضا حياتكم ,ولكني كنت مخطئا . آني أشكركم لأنكم أنرتم عيني علي شئ كان ينقصني , وأنا لا أنكر أني تعلمت منكم كثيرا عندما فتحتم إنجيلكم وتكلمتم من خلاله , والآن علي أن أمارس ذلك الذي تعلمته وحدي , فهذا أفضل , أو أن أبحث عن شخص يعرف كيف يعيش ذلك الكلام فيعلمني إياه , سامحكم الله .
وتركته ومضيت لألحق بدوري في الموقف .
تعليق