رد: الملف القبطى المصرى بمجلس الامن
كتب: محمد الباز الاثنين, 24 أكتوبر 2011 00:10
كان يمكن لدم الشاب المصري مينا دانيال أن يكون سببًا في أن يتمسك الأقباط ببقائهم في مصر، أن يكتبوا أسماءهم على قلبها فلا يمحى أبدًا، أن يعرفوا أن التراب ترابهم، والأرض أرضهم، ولا بد أن يظلوا فيها حتى لو كانت نهايتهم الموت برصاصة مجهولة.مينا دانيال هو أكبر مثال على المواطنة، شارك في ثورة يناير كشاب مصر، أزال نظامًا فاسدًا، وبقي في ميادين التحرير المختلفة ليطالب بحقه، من أجل مجتمع أكثر حرية وعدالة وديمقراطية، وعندما خرج في مظاهرة التحرير التي مات فيها أمام ماسبيرو، لم يخرج لأنه قبطي ومن خرجوا أقباط، ولكن خرج لأنه مصري ومن خرجوا مصريون.
لكن يبدو أن التضحية التي قدمها مينا، وربما لنفس السبب الذي أقول إن الأقباط يجلوا أن يظلوا من أجله، هو نفسه السبب الذي يدفع ملايين الأقباط الآن للخروج من مصر بلا رجعة، مخلفين وراءهم إحساسًا بالهزيمة والمرارة، فقد فتحوا صدورهم لبلدهم، لكنها أغلقت كل الأبواب في وجوههم.
فها هو مينا، لم يكن سلبيًّا، خرج، هتف، ناضل، طالب بحقه، وفي النهاية ماذا حدث له، مات، ولا أحد يريد أن يمنحه حقه على الأقل في الشهادة التي نالها.
يتساءل كثير من الأقباط الآن: لم تطلبون منا أن نخرج، ونشارك في الحياة السياسية؟ لماذا تحرضون شبابنا على أن يشارك في المظاهرات وأن يكون إيجابيًّا في التعبير عن رأيه، فهذا البلد بلده كما أنه بلد المسلمين؟ هل تطلبون منا ذلك حتى نموت برصاصة جبانة طائشة ومتعصبة.
ويكون الحل هو الخروج الكبير، لم أصدق بعض النشطاء الأقباط الذين قالوا إن أكثر من مائة ألف قبطي خرجوا كانوا قد قدموا على هجرة من مصر بعد ثورة يناير، لأنهم أدركوا أنهم لن يسلموا إذا وصل الإسلاميون إلى الحكم، هؤلاء الإسلاميون الذين تأخذ من طرف ألسنتهم حلاوة، لكن فعلهم طعم العلقم.
هل نسبه تعداد سكان مصر من الأقباط 19 بالمائة
صدقت أن آلاف الأقباط أقدموا على فعل الهجرة بعد تفجير كنيسة القديسين، وقتها شعروا بالخطر يحدق بهم من كل جانب، فليس معقولاً أن تذهب لتصلي – ولا أكثر – لتجد نفسك أشلاء يعجز من يحبونك عن جمعها من على أسفلت الطريق، وصدقت أنه بعد كل حادث طائفي يروح الأقباط ضحاياه – الأقباط هم دائمًا الضحايا بالمناسبة – ينوي كثيرون من الأقباط أن يخرجوا بلا رجعة.
لكن هذه المرة لم يكن التصديق كافيًا، إننا أمام دراسات مستفيضة قدمتها مؤسسة "راند" الأميركية عن أوضاع الأقباط في دول الشرق الأوسط وتحديدًا مصر.
مؤسسة "راند" من المؤسسات البحثية العريقة في الولايات المتحدة الأميركية عمرها خمسون عامًا، ومجال عملها هو الأبحاث التي تتناول الأوضاع السياسية في مختلف أنحاء العالم، وتأتي أهميتها من أن أبحاثها تصل إلى الإدارة الأميركية، أي أن كثيرًا من التوصيات التي ترفع منها إلى صانع القرار الأميركي تتحول إلى قرارات على أرض الواقع.
مؤسسة راند اهتمت ومبكرًا جدًّا بإعداد دراسات عن منطقة الشرق الأوسط، لكن هذا الاهتمام أصبح مضاعفًا، بعد أن افتتحت المؤسسة فرعًا لها في قطر، يهتم في المقام الأول بدراسة مشكلات منطقة الشرق الأوسط.
كانت أوضاع مسيحيي الشرق الأوسط وتحديدًا الأقباط في مصر على قائمة أولويات مؤسسة "راند"، خاصة في ظل استشرافها للمواجهة الحتمية القادمة بين إيران وإسرائيل، وهو ما يمكن أن يترتب عليه في حالة سيطرة إيران على المنطقة، أن يتحول الشرق كله، من منظار راند إلى شرق إسلامي أصولي متطرف، وفي هذه الحالة فلن يكون هناك مكان لا للمسيحيين في دول الشرق الأوسط، ولا مكان للأقباط في مصر.
النتيجة الأهم التي رصدتها دراسات مؤسسة "راند" أن مشكلة الأقباط في مصر على سبيل المثال ليست مشكلة قوانين، فالأزمة ليست في القانون على الإطلاق، خاصة أن الحكومات الموجودة أكثر تسامحًا مع الأقباط، وهناك مرونة شديدة في التعامل معهم.
لكن الخطر الأكبر هو في الفجوة التي جرت في العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر، فهناك حالة من التباعد والكراهية، وهي حالة أطلق عليها الكاتب نبيل شرف الدين: "طلاقًا نفسيًّا بين المسلمين والأقباط"، فالمشكلة لم تعد مشكلة جماعات إسلامية متطرفة أو غير متطرفة إذن، ولكنها أصبحت مشكلة رجل الشارع العادي الذي لن يرحب ببساطة بوجود الأقباط إلى جواره لا في البيت ولا في الشارع.
فيديو نبيل شرف الدين عدد الاقباط في مصر 20 مليون ومن مصدر موثوق فيه
قد تكون هناك مبالغات في تصور باحثي مؤسسة "راند" بالطبع، لكن ما جرى أنها أوصت الإدارة الأميركية أن تبحث للأقباط في مصر ومن ورائهم المسيحيون في الشرق عن وطن بديل، يمكن أن يكون وطنًا قوميًّا لهم، وقدمت المؤسسة اقتراحات محددة لأماكن يمكن أن تستوعب المسيحيين في الشرق منها إخلاء دولة لبنان لهم، أو تكون الدولة في سيناء أو سيوة.
المهم أن تبدأ الإدارة الأميركية في البحث عن توفير وطن بديل للأقباط خاصة أن الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة العربية تتساقط واحدًا بعد الآخر، وهي الأنظمة التي رغم تخلفها وديكتاتوريتها كانت تمثل حماية من نوع ما للمسيحيين في مقابل الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومن الطبيعي وبعد سقوط هذه الأنظمة أن يصبح ظهر المسيحيين في الشرق الأوسط عاريًا.
شيء مثل هذا يمكن التخطيط له، لكني أعتقد أنه لا يمكن أن يتم تنفيذه على عجل، لكن الأهم من ذلك هو هل يمكن أن نتصور مصر دون أقباط، أن نستيقظ من نومنا فنجدها بلا كنائس ولا أديرة، الأمر فيما أعتقد يدخل في مساحة المستحيلات.
هناك اختلاف حول العدد الحقيقي للأقباط في مصر، وهو اختلاف تلعب فيه السياسة منذ سنوات طويلة، فالأقباط يميلون إلى التهويل يقولون إنهم ما بين 10 و15 مليون قبطي، وهو ما يبعث بالنار في أوصال المتشددين من الإسلاميين الذين يهونون من الأمر كثيرًا، فيقولون إن الأقباط ما بين 3 و5 مليون فقط في مصر.
لكن المفاجأة والتي أنشرها هنا على مسؤولية مصدر مهم في مصلحة السجل المدني أن عدد الأقباط الذين يعيشون في مصر ومن واقع شهادات الميلاد وبطاقات الرقم القومي يصلون إلى 17 مليونًا، كما أن هناك حوالي 3 ملايين قبطي يعيشون في دول العالم المختلفة ولديهم الجنسية المصرية.
أي أننا أمام 20 مليون قبطي بالفعل، وهو رقم كبير بالطبع يجعل من عملية إجلاء المسيحيين عن مصر أمرًا في غاية الصعوبة، ليس بسبب الدين فقط، ولكن بسبب تشابك العلاقات الاقتصادية والتداخل الاجتماعي الهائل الذي لا يمكن أن ينكره أو يتنكَّر له أحد.
على مائدة تشرح ما نعانيه الآن من أحداث يكون الأقباط طرفًا فيها، لا بد أن نعترف أن هناك من بين الجماعات الإسلامية من يحلمون بأن يستيقظوا من نومهم فيجدوا مصر بلدًا خالية من الأقباط تمامًا، ساعتها سيخلدون إلى النوم، فلا بابا شنودة ولا كهنة ولا تنصير ولا أثرياء لديهم النسبة الأكبر من ثروة مصر، ولا قلق من أي جانب، وهؤلاء إن توافقوا على أن يبقى الأقباط في مصر، فليس أمامهم إلا أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية.
لقد أفزعني ما فعله مثلاً عبد المنعم الشحات الذي يقدم نفسه على أنه المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية في أحد البرامج الفضائية، عندما قال لجورج إسحاق: نزل رجلك وانت بتكلمني، جرد الشحات جورج من كل ميزة سياسية ونضالية، كان جورج مناضلاً وجهاز أمن الدولة في أشد حالاته تجبرًا وعتوا بينما الشحات يسير على هوى الجهاز المستبد، لكن لم يعامله الشحات إلا على أنه مواطن من الدرجة الثانية، ولا بد أن يتأدب في حضرته.
الكرة الآن كما يقولون في ملعب الأقباط وحدهم، ليعرفوا أن الجماعات الدينية المتطرفة لا تطيقهم، وتحلم بيوم رحيلهم، وليعرفوا أن الشارع لم يعد متعاطفًا معهم، موقعة ماسبيرو تؤكد ذلك حتى لو أنكره الجميع، وليعرفوا أيضًا أن الإدارة الأميركية يمكن أن تتدخل من أجلهم في أي لحظة.
مصر إسلامية بموجب الديمقراطية
لكن قبل ذلك كله أو بعده، يجب أن يعرفوا أن هذا الوطن وطنهم، ليس من منطلق أنهم أصحاب البلد وأن المسلمين ضيوف عليهم، ولكن لأنهم أصحاب البلد بمعنى أنهم أصلها، وأن ما بينهم وبين المسلمين من علاقات جعلتهم جسدًا واحدًا لا يمكن أن ينفصل هكذا بقرار، أو برغبة من أي جهة خارجية أو داخلية.
بعد كل حادثة طائفية يتساقط فيها شهداء الأقباط دون سبب إلا أنهم يريدون أن يعبدوا ربهم كما يريدون، وكما يعرفونه، لا كما يعرفه غيرهم، يشعرون أن هناك مخططًا لإفنائهم وإبادتهم، قد يكون لديهم الحق، ولديهم المبرر، لكن لا بد أن تكون لديهم الإرادة ليبقوا في البلد التي لن تعوضهم أي بلد أخرى عن دفئها.
جريدة الازمة
كتب: محمد الباز الاثنين, 24 أكتوبر 2011 00:10
كان يمكن لدم الشاب المصري مينا دانيال أن يكون سببًا في أن يتمسك الأقباط ببقائهم في مصر، أن يكتبوا أسماءهم على قلبها فلا يمحى أبدًا، أن يعرفوا أن التراب ترابهم، والأرض أرضهم، ولا بد أن يظلوا فيها حتى لو كانت نهايتهم الموت برصاصة مجهولة.مينا دانيال هو أكبر مثال على المواطنة، شارك في ثورة يناير كشاب مصر، أزال نظامًا فاسدًا، وبقي في ميادين التحرير المختلفة ليطالب بحقه، من أجل مجتمع أكثر حرية وعدالة وديمقراطية، وعندما خرج في مظاهرة التحرير التي مات فيها أمام ماسبيرو، لم يخرج لأنه قبطي ومن خرجوا أقباط، ولكن خرج لأنه مصري ومن خرجوا مصريون.
لكن يبدو أن التضحية التي قدمها مينا، وربما لنفس السبب الذي أقول إن الأقباط يجلوا أن يظلوا من أجله، هو نفسه السبب الذي يدفع ملايين الأقباط الآن للخروج من مصر بلا رجعة، مخلفين وراءهم إحساسًا بالهزيمة والمرارة، فقد فتحوا صدورهم لبلدهم، لكنها أغلقت كل الأبواب في وجوههم.
فها هو مينا، لم يكن سلبيًّا، خرج، هتف، ناضل، طالب بحقه، وفي النهاية ماذا حدث له، مات، ولا أحد يريد أن يمنحه حقه على الأقل في الشهادة التي نالها.
يتساءل كثير من الأقباط الآن: لم تطلبون منا أن نخرج، ونشارك في الحياة السياسية؟ لماذا تحرضون شبابنا على أن يشارك في المظاهرات وأن يكون إيجابيًّا في التعبير عن رأيه، فهذا البلد بلده كما أنه بلد المسلمين؟ هل تطلبون منا ذلك حتى نموت برصاصة جبانة طائشة ومتعصبة.
ويكون الحل هو الخروج الكبير، لم أصدق بعض النشطاء الأقباط الذين قالوا إن أكثر من مائة ألف قبطي خرجوا كانوا قد قدموا على هجرة من مصر بعد ثورة يناير، لأنهم أدركوا أنهم لن يسلموا إذا وصل الإسلاميون إلى الحكم، هؤلاء الإسلاميون الذين تأخذ من طرف ألسنتهم حلاوة، لكن فعلهم طعم العلقم.
هل نسبه تعداد سكان مصر من الأقباط 19 بالمائة
صدقت أن آلاف الأقباط أقدموا على فعل الهجرة بعد تفجير كنيسة القديسين، وقتها شعروا بالخطر يحدق بهم من كل جانب، فليس معقولاً أن تذهب لتصلي – ولا أكثر – لتجد نفسك أشلاء يعجز من يحبونك عن جمعها من على أسفلت الطريق، وصدقت أنه بعد كل حادث طائفي يروح الأقباط ضحاياه – الأقباط هم دائمًا الضحايا بالمناسبة – ينوي كثيرون من الأقباط أن يخرجوا بلا رجعة.
لكن هذه المرة لم يكن التصديق كافيًا، إننا أمام دراسات مستفيضة قدمتها مؤسسة "راند" الأميركية عن أوضاع الأقباط في دول الشرق الأوسط وتحديدًا مصر.
مؤسسة "راند" من المؤسسات البحثية العريقة في الولايات المتحدة الأميركية عمرها خمسون عامًا، ومجال عملها هو الأبحاث التي تتناول الأوضاع السياسية في مختلف أنحاء العالم، وتأتي أهميتها من أن أبحاثها تصل إلى الإدارة الأميركية، أي أن كثيرًا من التوصيات التي ترفع منها إلى صانع القرار الأميركي تتحول إلى قرارات على أرض الواقع.
مؤسسة راند اهتمت ومبكرًا جدًّا بإعداد دراسات عن منطقة الشرق الأوسط، لكن هذا الاهتمام أصبح مضاعفًا، بعد أن افتتحت المؤسسة فرعًا لها في قطر، يهتم في المقام الأول بدراسة مشكلات منطقة الشرق الأوسط.
كانت أوضاع مسيحيي الشرق الأوسط وتحديدًا الأقباط في مصر على قائمة أولويات مؤسسة "راند"، خاصة في ظل استشرافها للمواجهة الحتمية القادمة بين إيران وإسرائيل، وهو ما يمكن أن يترتب عليه في حالة سيطرة إيران على المنطقة، أن يتحول الشرق كله، من منظار راند إلى شرق إسلامي أصولي متطرف، وفي هذه الحالة فلن يكون هناك مكان لا للمسيحيين في دول الشرق الأوسط، ولا مكان للأقباط في مصر.
النتيجة الأهم التي رصدتها دراسات مؤسسة "راند" أن مشكلة الأقباط في مصر على سبيل المثال ليست مشكلة قوانين، فالأزمة ليست في القانون على الإطلاق، خاصة أن الحكومات الموجودة أكثر تسامحًا مع الأقباط، وهناك مرونة شديدة في التعامل معهم.
لكن الخطر الأكبر هو في الفجوة التي جرت في العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر، فهناك حالة من التباعد والكراهية، وهي حالة أطلق عليها الكاتب نبيل شرف الدين: "طلاقًا نفسيًّا بين المسلمين والأقباط"، فالمشكلة لم تعد مشكلة جماعات إسلامية متطرفة أو غير متطرفة إذن، ولكنها أصبحت مشكلة رجل الشارع العادي الذي لن يرحب ببساطة بوجود الأقباط إلى جواره لا في البيت ولا في الشارع.
فيديو نبيل شرف الدين عدد الاقباط في مصر 20 مليون ومن مصدر موثوق فيه
قد تكون هناك مبالغات في تصور باحثي مؤسسة "راند" بالطبع، لكن ما جرى أنها أوصت الإدارة الأميركية أن تبحث للأقباط في مصر ومن ورائهم المسيحيون في الشرق عن وطن بديل، يمكن أن يكون وطنًا قوميًّا لهم، وقدمت المؤسسة اقتراحات محددة لأماكن يمكن أن تستوعب المسيحيين في الشرق منها إخلاء دولة لبنان لهم، أو تكون الدولة في سيناء أو سيوة.
المهم أن تبدأ الإدارة الأميركية في البحث عن توفير وطن بديل للأقباط خاصة أن الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة العربية تتساقط واحدًا بعد الآخر، وهي الأنظمة التي رغم تخلفها وديكتاتوريتها كانت تمثل حماية من نوع ما للمسيحيين في مقابل الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومن الطبيعي وبعد سقوط هذه الأنظمة أن يصبح ظهر المسيحيين في الشرق الأوسط عاريًا.
شيء مثل هذا يمكن التخطيط له، لكني أعتقد أنه لا يمكن أن يتم تنفيذه على عجل، لكن الأهم من ذلك هو هل يمكن أن نتصور مصر دون أقباط، أن نستيقظ من نومنا فنجدها بلا كنائس ولا أديرة، الأمر فيما أعتقد يدخل في مساحة المستحيلات.
هناك اختلاف حول العدد الحقيقي للأقباط في مصر، وهو اختلاف تلعب فيه السياسة منذ سنوات طويلة، فالأقباط يميلون إلى التهويل يقولون إنهم ما بين 10 و15 مليون قبطي، وهو ما يبعث بالنار في أوصال المتشددين من الإسلاميين الذين يهونون من الأمر كثيرًا، فيقولون إن الأقباط ما بين 3 و5 مليون فقط في مصر.
لكن المفاجأة والتي أنشرها هنا على مسؤولية مصدر مهم في مصلحة السجل المدني أن عدد الأقباط الذين يعيشون في مصر ومن واقع شهادات الميلاد وبطاقات الرقم القومي يصلون إلى 17 مليونًا، كما أن هناك حوالي 3 ملايين قبطي يعيشون في دول العالم المختلفة ولديهم الجنسية المصرية.
أي أننا أمام 20 مليون قبطي بالفعل، وهو رقم كبير بالطبع يجعل من عملية إجلاء المسيحيين عن مصر أمرًا في غاية الصعوبة، ليس بسبب الدين فقط، ولكن بسبب تشابك العلاقات الاقتصادية والتداخل الاجتماعي الهائل الذي لا يمكن أن ينكره أو يتنكَّر له أحد.
على مائدة تشرح ما نعانيه الآن من أحداث يكون الأقباط طرفًا فيها، لا بد أن نعترف أن هناك من بين الجماعات الإسلامية من يحلمون بأن يستيقظوا من نومهم فيجدوا مصر بلدًا خالية من الأقباط تمامًا، ساعتها سيخلدون إلى النوم، فلا بابا شنودة ولا كهنة ولا تنصير ولا أثرياء لديهم النسبة الأكبر من ثروة مصر، ولا قلق من أي جانب، وهؤلاء إن توافقوا على أن يبقى الأقباط في مصر، فليس أمامهم إلا أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية.
لقد أفزعني ما فعله مثلاً عبد المنعم الشحات الذي يقدم نفسه على أنه المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية في أحد البرامج الفضائية، عندما قال لجورج إسحاق: نزل رجلك وانت بتكلمني، جرد الشحات جورج من كل ميزة سياسية ونضالية، كان جورج مناضلاً وجهاز أمن الدولة في أشد حالاته تجبرًا وعتوا بينما الشحات يسير على هوى الجهاز المستبد، لكن لم يعامله الشحات إلا على أنه مواطن من الدرجة الثانية، ولا بد أن يتأدب في حضرته.
الكرة الآن كما يقولون في ملعب الأقباط وحدهم، ليعرفوا أن الجماعات الدينية المتطرفة لا تطيقهم، وتحلم بيوم رحيلهم، وليعرفوا أن الشارع لم يعد متعاطفًا معهم، موقعة ماسبيرو تؤكد ذلك حتى لو أنكره الجميع، وليعرفوا أيضًا أن الإدارة الأميركية يمكن أن تتدخل من أجلهم في أي لحظة.
مصر إسلامية بموجب الديمقراطية
لكن قبل ذلك كله أو بعده، يجب أن يعرفوا أن هذا الوطن وطنهم، ليس من منطلق أنهم أصحاب البلد وأن المسلمين ضيوف عليهم، ولكن لأنهم أصحاب البلد بمعنى أنهم أصلها، وأن ما بينهم وبين المسلمين من علاقات جعلتهم جسدًا واحدًا لا يمكن أن ينفصل هكذا بقرار، أو برغبة من أي جهة خارجية أو داخلية.
بعد كل حادثة طائفية يتساقط فيها شهداء الأقباط دون سبب إلا أنهم يريدون أن يعبدوا ربهم كما يريدون، وكما يعرفونه، لا كما يعرفه غيرهم، يشعرون أن هناك مخططًا لإفنائهم وإبادتهم، قد يكون لديهم الحق، ولديهم المبرر، لكن لا بد أن تكون لديهم الإرادة ليبقوا في البلد التي لن تعوضهم أي بلد أخرى عن دفئها.
جريدة الازمة
تعليق