Sea Shells.jpgقواقع وأصداف

أخذتنا مدرستنا قديماً في رحلة ترفيهية لزيارة شواطئ البحر الأبيض المتوسط ، وهناك كان أول تعامل لي مع القواقع البحرية حيث التقطت بعضاً منها على سبيل الذكرى وبدافع الفضول ولم اكن على أي دراية حقيقية عن طريقة تكونها ولا فوائدها ولا كيفية استخدامها في الحياة العملية سوي انني رأيتها توضع على المناضد للزينة وكنا نسميها "صدفة" ولكن لما كبرنا اكتشفت الكثير عنها وعرفت اسماً آخر لها وهو "القوقعة" ولكن مع توافر المعرفة بدا الأمر مختلفا تماماً فقد اتضح لي ان القوقعة ليست إلا كائناً حياً يعيش بداخل صدفته! نعم فالقواقع هي من الحيوانات الرخوية متفاوتة الآحجام والأوزان ، فمنها ما يبلغ طوله ما يقارب المتر ومنها ما لا يتعدى طوله الملليمتر الواحد ، وهذه الرخويات تشكل طعاما شهيا للكثير من الكائنات الأخرى لسهولة أكلها ولفوائدها الجمة ، لكن الخالق حبا هذه الرخويات بالعديد من الغدد التي تفرز مواد خاصة تتصلب وتترسب على هيئة طبقات فوق بعضها حتى تتكون الصدفة بالشكل المعتاد والذي يكون في النهاية الدرع الواقي الذي تحتمي بداخله القوقعة حتى لا تكون فريسة سهلة للكائنات الجائعة أو المتطفلة ، ولكن مع مرور الزمن تموت القواقع وتبقى أصدافها كشواهد قبور ملونة جميلة تشهد عن ان كائناً هشاً رخواً كان جزءاً لا يتجزأ من هذه الصدفة، لكنه وبكل أسف لم يقو ان يواجه الحياة وتقلباتها ، كائناً هلامياً لم يقدر على معارك الحياة وصعابها!!

وهكذا قد نجد بيننا من يشيد جدراناً نارية حتى يحمي بها كيانه الأدبي الرخوي وبنيانه الهلامي، فلو خرج هذا الكائن من صدفته فهو ميت لا محالة، ولو تركت هذه القواقع تواجه الحياة وحدها دون أصداف لآندثرت دون أدنى شك في وقت قصير غير مأسوف عليها سوى من المنتفعين الآكلين بنيانها الهلامي الرخو،

صديقى هناك الكثير من المبادئ والشعارات كانت يوماً ما حية يافعة قوية لكنها لسبب أو لآخر لم تتحمل قسوة المعارك فماتت وتركت صدفتها خاوية، لم نعرف عنها الكثير لكن صدفتها باقية على منضدة غرفة الضيوف في بيتنا كي ما يطفئون سجائرهم في دهاليز حلزونها، وها انني أرى في الأفق قوقعة غضة طرية لا تقدر ان تواجه السائلين الباحثين وليست قادرة على ان تواجه أضعف رياح النقد فبنت لنفسها أصدافاً حلزونية منيعة وحصينة تتقوقع بداخلها حابسة بنيها بين طياتها فعزلتهم وأضعفتهم وقزمتهم،

نعم ليت تعاليمنا وعقائدنا تقف وحدها متجردة دون دروع واقية ولا حماية واجبة، فتبقى صامدة متماسكة تشهد عن نفسها ، تتحمل النقد بكل صنوفه وتظل صامدة غير محتاجة لأصدافاً تحميها وتبقى عليها ولا جدراناً نارية تأويها وتحمي كيانها.

الملفات المرفقة