أن أهم فرق بين العقيدة الأنجيلية وعقائد الكنائس الأخرى هو ما يتعلق بمدى سلطة الكتاب المقدس. فالأنجيليون يؤمنون أن الكتاب المقدس له وحده السلطة العُليا والأخيرة في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك(solo scriptura). لكن الكثير من الكنائس الأخرى لا توافق على هذا التعليم الأنجيلي. فمثلا الكنيسة الكاثوليكية تعلم أن التقليد الكنسي وتعليم البابا، رأس الكنيسة المعصوم عن الخطأ، لهما سلطة مساوية لسلطة الكتاب المقدس. كما أن العقيدة الكاثوليكية تُعّلم أن تفسير الكتاب المقدس قد أعطي للكنيسة الكاثوليكية وحدها وليس للفرد. أما الأنجيليون فأنهم يؤمنون بأن الكتاب المقدس يمكن فهمه من قبل الفرد العادي بمساعدة الروح القدس. أن هذا الفرق في النظرة إلى سلطة الكتاب المقدس يؤدي إلى إختلافات عقائدية بين الكنائس التي تؤمن بسلطة الكتاب المطلقة و الكنائس التي لا تؤمن بذلك. فمثلأ كثير من التعاليم الكاثوليكية بضمنها الأيمان بالمطهر، والصلاة للمريم والقديسين، وتقبيل أرجل البابا، وإعطاء الموتى مرتبة القداسة، ومنع الاساقفة من الزواج، وصلاة المسبحة، والأستحالة، والأعتراف بالخطايا للقس، والإيمان بأسرار الكنيسة السبعة غير موجودة في الكتاب المقدس لكنها موجودة في التقليد الكاثوليكي وتعاليم الأساقفة. ومن هنا ندرك أهمية عقيدة سلطة الكتاب المقدس. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل المفهموم الأنجيلي لسلطة الكتاب المقدس هو الأصح؟
يعترض البعض على الإيمان الأنجيلي بسلطة الكتاب المقدس المطلقة والوحيدة للأسباب التالية:
1. الأعتراض الكتابي: أن الكتاب المقدس نفسه لا يعلم أنه وحده له السلطة العُليا والأخيرة في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك
2. الأعتراض التاريخي: أن آباء الكنيسة لم يؤمنوا بتلك العقيدة
3. الأعتراض العملي: أن هذه العقيدة تؤدي إلى طوائف ومذاهب عديدة ومن ثم إلى إنقسام المسيحية لأنها تترك تفسير الكتاب المقدس للفرد وليس لكنيسة أرضية واحدة جامعة
في هذا المقال أودُ أن أرد على الأعتراض الكتابي فقط. أن الأعتراض الكتابي هو من أهم الأعترضات، فإن كان للكتاب المقدس حقا السلطة العُليا والأخيرة في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك، اذاً يجب على ذلك التعليم نفسه أن يكون موجوداً في الكتاب المقدس. هل توجد في الكتاب المقدس آية تذكر أنه وحده له السلطة العُليا والأخيرة؟
أن الكتاب المقدس يعلّم بكل وضوح أنه وحده له السلطة المطلقة في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك، وبذلك بنسبه الصفات التالية لنفسه: الوحي الإلهي، المعصموية عن الخطأ، الكفاية (the sufficiency)، السلطة النهائية، الوضوح الروحي ، وعدم القدرة على نقضه. تلك الصفات الفريدة للكتاب المقدس تجعله وحده المشرّع في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك.
1. الوحي الإلهي
يعلم الكتاب المقدس أنه بأكمله موحى به من الله. حيث نقرأ في 2 تيموثاوس: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ." لننتبه الى إن هذه الآية تعلم أن كل وليس جزء من الكتاب موحى به من الله. ما معنى أن الكتاب موحى به من الله مع أن أسفاره كُتبت بيد أنبياء ورسل لم يكونوا معصموين عن الخطأ؟ يجيب بطرس على سؤالنا هذا في 2 بطرس 1: 21: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." أن الروح القدس هو الكاتب الحقيقي وراء كل كاتب بشري. مع أنه استخدم إناساً غير معصومين عن الخطأ، لكنه أشرف على الكتابة وحفظها من أي خطأ أو نقصان. وعندما يستشهد سفرما في الكتاب المقدس بآية في سفر آخر فإنه غالباً ما ينسب الآية إلى الله أو الروح القدس مع أن الكاتب كان نبياً أو رسولاً. تأمل الآيات التالية:
"أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلاً لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ"(أعمال 1: 16)
" فَلَمَّا سَمِعُوا رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتاً إِلَى اللهِ وَقَالُوا: «أَيُّهَا السَّيِّدُ أَنْتَ هُوَ الإِلَهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا الْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ: لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الْأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ بِالْبَاطِلِ؟" (أعمال 4: 24-25)
"وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا" ( متى 1: 22-23). النبي المقصود هنا هو النبي آشعياء (آشعياء 7: 14)
"وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي»" (متى 2: 15). النبي هنا هو النبي هوشع (هوشع 11: 1)
"بَلْ جَعَلُوا قَلْبَهُمْ مَاساً لِئَلاَّ يَسْمَعُوا الشَّرِيعَةَ وَالْكَلاَمَ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّ الْجُنُودِ بِرُوحِهِ عَنْ يَدِ الأَنْبِيَاءِ الأَوَّلِينَ. فَجَاءَ غَضَبٌ عَظِيمٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْجُنُودِ." (زكريا 7: 12)
الآيات السابقة وغيرها تعلم أن الكاتب الحقيقي لكلمة الله هو الروح القدس. بولس الرسول أيضا كان يدرك أن رسائله موحى بها من الله. في 1 كورنثوس 2: 13 يقول بولس أن كلامه ليس عبارة عن تعليم بشري بل هو كلام من الروح القدس: "الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ." أيضا في نفس الرسالة (1 كورنثوس 14: 37) يكتب بولس: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْسِبُ نَفْسَهُ نَبِيّاً أَوْ رُوحِيّاً فَلْيَعْلَمْ مَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكُمْ أَنَّهُ وَصَايَا الرَّبِّ." وفي رسالة أخرى يكتب الرسول: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَحْنُ أَيْضاً نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضاً فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِين" (1 تسالونيكي 2: 13).
كل الكتاب المقدس موحى به من الله. فكل آية كتبت بأمر وبإشراف الروح القدس. ولأن الكاتب هو الله نفسه فهذا يعني أن الكتاب معصوم عن الخطأ وله وحده السلطة النهائية في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك. التقليد الكنسي وتعاليم الأساقفة لا تتمتع بهذا الوحي الإلهي والعصمة عن الخطأ (كما سنرى بعد قليل) ولذلك لا يحق إعطائها سلطة تعادل سلطة الكتاب المقدس.
2. العصمة عن الخطأ
بما أن كل الكتاب هو موحى به من الله، فهو معصوم عن الخطأ. وذلك لأنه كلام الله، وكلام الله معصوم عن الخطأ كما قال يسوع في يوحنا 17:17: " كلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ." لكن ماذا عن التقليد وتعليم الآساقفة ؟ الكتاب المقدس يعلم بوضوح بأنهما غير معصموين عن الخطأ. حينما سأل الفريسيون والكتبة، رجال الدين في ذلك الوقت، يسوع " لِمَاذَا لاَ يَسْلُكُ تَلاَمِيذُكَ حَسَبَ تَقْلِيدِ الشُّيُوخ؟" أجابهم يسوع:
"«حَسَناً تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ الْمُرَائِينَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ: غَسْلَ الأَبَارِيقِ وَالْكُؤُوسِ وَأُمُوراً أُخَرَ كَثِيرَةً مِثْلَ هَذِهِ تَفْعَلُونَ». ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «حَسَناً! رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ. لأَنَّ مُوسَى قَالَ: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ وَمَنْ يَشْتِمُ أَباً أَوْ أُمّاً فَلْيَمُتْ مَوْتاً. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: إِنْ قَالَ إِنْسَانٌ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ أَيْ هَدِيَّةٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي فَلاَ تَدَعُونَهُ فِي مَا بَعْدُ يَفْعَلُ شَيْئاً لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ. مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللَّهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ. وَأُمُوراً كَثِيرَةً مِثْلَ هَذِهِ تَفْعَلُونَ»." (مرقس 7: 6-13)
في هذا النص يعلم يسوع أن تقليد رجال الدين خاطئ ومناقض لكلمة الله. فهنا نرى أنه يوجد تقليد سيء ولا ننكر أيضا أنه يوجد تقليد جيد، وهو جيد فقط حينما يتماشى مع تعاليم الكتاب. أما الكتاب المقدس فهو بأكمله موحى به من الله وكله حق. إذاً هل يجوز أن يكون لتقليد البشر الغير المنزه عن الخطأ سلطة معادلة لسلطة الكتاب المقدس؟ في كولسي 2: 8 يحذرنا الرسول بولس من التقليد البشري: "اُنْظُرُوا انْ لاَ يَكُونَ احَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ ارْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ." وماذا عن تعاليم الآساقفة امثال البابا الذي يعتبره الكاثوليك نائب المسيح على الأرض؟ نقرأ في غلاطية 2: 11-14عن بولس وكيف أنه وبخ بطرس، الذي يعتبر أول بابا للكنيسة الكاثوليكية، على خطأ يتعلق بالإيمان كان قد أرتكبه:
"وَلَكِنْ لَمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُوماً. لأَنَّهُ قَبْلَمَا أَتَى قَوْمٌ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الأُمَمِ، وَلَكِنْ لَمَّا أَتَوْا كَانَ يُؤَخِّرُ وَيُفْرِزُ نَفْسَهُ، خَائِفاً مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. وَرَاءَى مَعَهُ بَاقِي الْيَهُودِ أَيْضاً، حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضاً انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ! لَكِنْ لَمَّا رَأَيْتُ أَنَّهُمْ لاَ يَسْلُكُونَ بِاسْتِقَامَةٍ حَسَبَ حَقِّ الإِنْجِيلِ، قُلْتُ لِبُطْرُسَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ: «إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمَمِيّاً لاَ يَهُودِيّاً، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الأُمَمَ أَنْ يَتَهَوَّدُوا؟»"
واضح جدا من هذا النص أن بطرس لم يكن منزهاً عن الخطأ. في غلاطية 1: 6-9 يكتب بولس الرسول محذراً من تعاليم البشر الخاطئة:
"إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هَكَذَا سَرِيعاً عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ. لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا». كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الآنَ أَيْضاً: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»."
إن ما بشرهم به بولس من قبل قد سُجل في الرسائل وله سلطة فوق تعليم أي إنسان مهما كانت رتبته الروحية حتى لو كان الرسول بولس نفسه. هذا التحذير يعني أن كلام البشر، حتى الرسل، غير معصوم عن الخطأ وإلا لا حاجة للرسول بولس أن يحذرهم منه. إن الكتاب المقدس وحده معصوم عن الخطأ. التقليد وتعليم الأساقفة غير معصوم عن الخطأ ولذلك لا يحق أن نعطيهم سلطة معادلة لسلطة الكتاب المقدس بل يجب أن نختبرهم على ضؤ كلمة الله، اي الكتاب المقدس وحده.
3. الكفاية (the sufficiency)
الكتاب المقدس يحتوي على كل ما يحتاجة الفرد ليعرف من هو الله، وكيف يخلص من خطاياه، وكيف يعيش الحياة المسيحية. هذا لا يعني إن الكتاب شامل في معلوماته بل أنه كافي في معلوماته. نقرأ في يوحنا 21: 24 – 25: "هَذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَذَا وَكَتَبَ هَذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ. وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ." في الحقيقة لا يوجد كتاب أو تقليد شفهي يحتوي على أو يستطيع ان يضم معلومات شاملة عن الله أو حياة الرب يسوع. لكن الكتاب المقدس هو كافي لقيادة الإنسان إلى الإيمان بيسوع المسيح ومن ثم الحصول على الحياة الأبدية. نقرأ في يوحنا 20: 30 – 31: " وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ." الكتاب المقدس، كونه كلمة الله، قادر على أن يقودنا إلى معرفة شخصية لله وأن يهيئنا للحياة المسيحية. يكتب الرسول بولس في 2 تيموثاوس 3: 15 - 17 :
"وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ."
إن كان الكتاب المقدس يعلم عن ذاته بأنه قادر على أن يحكمنا للخلاص، وأنه نافع لتعليمنا، وتوبيخنا، وتقويمنا، وتأدبينا لكي نكون كاملين ومتأهبين لكل عمل صالح، فما حاجتنا إلى إضافة تقاليد وتعاليم بشرية، خاصة حينما ينقصها الكثير مقارنة بقدرة ونفع وكفاية الكتاب المقدس؟
4. السلطة العُليا
يعلم الكتاب المقدس أنه له سلطة العليا والآخيرة فوق أي شيء آخر أن كان كنيسةً او رسولاً أو حتى ملاكاً. في غلاطية 1: 6-9 (آية ذكرت سابقا) يعلم الرسول بولس إن بشارة الناس، وإن كانوا رسلاً، وبشارة الملائكة يجب أن ُتختبر على ضؤ كلمة الله. في أعمال الرسل17: 11 يقول بولس عن اليهود في بِيرِيَّة:َ "وَكَانَ هَؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الْأُمُورُ هَكَذَا؟" بولس الرسول لم ينتهر البيريين لأنهم اختبروا كلامه على ضؤ الكتاب بل على العكس فقد حسبهم شرفاء. لقد طلب بولس من المؤمنين قائلاً: "امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ" (1 تسالونيكي 5: 21).
إن المسيح استخدم الكتاب المقدس كالمحكمة العليا في الطعن القضائي لأي أمر يتطلب المناظرة. للصدقيين قال يسوع: " تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللَّهِ" (متى 22: 29). للفريسيين قال: " لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ" (لوقا 7: 8). للشيطان قال: " مَكْتُوبٌ " (متى 4). علينا أن نتبع خطوات المسيح بإعطاء الكتاب المقدس السلطة النهائية في أي أمر.
5. الوضوح الروحي
الوضوح الروحي للكتاب يعني أن الرسالة الكتابية ممكن فهمها من قبل الفرد المسيحي العادي. نقرأ في مزمور 119: 105-130: " سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي.... فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ يُعَقِّلُ الْجُهَّالَ ". رسالة الكتاب واضحة حتى أن المسيح توقع من الناس أن يبحثوا في الكتب ويفهموها (لوقا 24: 25 – 27). الوضوح الروحي لكلمة الله يعني أننا لسنا بحاجة إلى مؤسسة أرضية لها وحدها الحق المطلق في تفسير الكتاب. في الحقيقة إن درسنا تقليد هذه الكنائس الثيوقراطية وتعاليمها نجد أنها معقدة جدا وليس فيها الوضوح الروحي الذي في الكتاب المقدس.
6. عدم القدرة على نقض الكتاب أو تغييره
في يوحنا 10: 35 , قال يسوع: " وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ " وقال أيضاً في متى 5: 18: "فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ." إن تقليد وتعاليم البشر تتغير. فاذا درسنا تاريخ الكنائس نجد أن تعاليمها قد تغيرت عبر السنين. أما كلمة الله فتبقى إلى الأبد: "إِلَى الأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ" (مزمور 119: 89).
الخاتمة
إن الكتاب المقدس قد علم بكل وضوح أنه وحده له السلطة العليا والآخيرة في كل ما يتعلق بالإيمان والعقيدة والسلوك وذلك لكونه وحده موحى به من الله، وحده معصوم عن الخطأ، وحده كاف وقادر على أن يمكننا من الخلاص ويهيئنا لكل عمل صالح نعمله في مسيرتنا مع المسيح، وحده له السلطة العليا فوق الكل، فوق التقليد، وتعليم الرسل، وتقليد الناس. وحده له الوضوح الروحي، ووحده غير قابل للنقض أو التغيير. ليس هذا فقط، بل أن الكتاب المقدس يحذرنا من إضافة أي شيء له. تأمل في الآيات التالية:
"أَيُّهَا الإِخْوَةُ ... لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ." (1 كورنثوس 4: 6)
"لا تَزِيدُوا عَلى الكَلامِ الذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلا تُنَقِّصُوا مِنْهُ لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ التِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا." (تثنية 4: 2)
"كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ نَقِيَّةٌ. تُرْسٌ هُوَ لِلْمُحْتَمِينَ بِهِ. لاَ تَزِدْ عَلَى كَلِمَاتِهِ لِئَلاَّ يُوَبِّخَكَ فَتُكَذَّبَ." (أمثال 30: 5-6)
"لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هَذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هَذَا يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هَذِهِ النُّبُوَّةِ يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هَذَا الْكِتَابِ." (رؤيا يوحنا 22: 18-19)
إن الكنائس التي تضيف تعليماً على الكتاب المقدس تخالف وصية الكتاب نفسه. فأيها القارئ الكريم لمن أعطيت السلطة الآخيرة في حياتك؟ هل أنت كالفريسيين أبطلت تعاليم الله بتقليدك والطقوس المتمسك بها؟ أدعوك لكي تضع ثقتك في الكتاب المقدس وحده وأن تقرأه يوميا ً لأنه فيه وحده تجد الحياة الأبدية.
يعترض البعض على الإيمان الأنجيلي بسلطة الكتاب المقدس المطلقة والوحيدة للأسباب التالية:
1. الأعتراض الكتابي: أن الكتاب المقدس نفسه لا يعلم أنه وحده له السلطة العُليا والأخيرة في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك
2. الأعتراض التاريخي: أن آباء الكنيسة لم يؤمنوا بتلك العقيدة
3. الأعتراض العملي: أن هذه العقيدة تؤدي إلى طوائف ومذاهب عديدة ومن ثم إلى إنقسام المسيحية لأنها تترك تفسير الكتاب المقدس للفرد وليس لكنيسة أرضية واحدة جامعة
في هذا المقال أودُ أن أرد على الأعتراض الكتابي فقط. أن الأعتراض الكتابي هو من أهم الأعترضات، فإن كان للكتاب المقدس حقا السلطة العُليا والأخيرة في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك، اذاً يجب على ذلك التعليم نفسه أن يكون موجوداً في الكتاب المقدس. هل توجد في الكتاب المقدس آية تذكر أنه وحده له السلطة العُليا والأخيرة؟
أن الكتاب المقدس يعلّم بكل وضوح أنه وحده له السلطة المطلقة في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك، وبذلك بنسبه الصفات التالية لنفسه: الوحي الإلهي، المعصموية عن الخطأ، الكفاية (the sufficiency)، السلطة النهائية، الوضوح الروحي ، وعدم القدرة على نقضه. تلك الصفات الفريدة للكتاب المقدس تجعله وحده المشرّع في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك.
1. الوحي الإلهي
يعلم الكتاب المقدس أنه بأكمله موحى به من الله. حيث نقرأ في 2 تيموثاوس: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ." لننتبه الى إن هذه الآية تعلم أن كل وليس جزء من الكتاب موحى به من الله. ما معنى أن الكتاب موحى به من الله مع أن أسفاره كُتبت بيد أنبياء ورسل لم يكونوا معصموين عن الخطأ؟ يجيب بطرس على سؤالنا هذا في 2 بطرس 1: 21: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." أن الروح القدس هو الكاتب الحقيقي وراء كل كاتب بشري. مع أنه استخدم إناساً غير معصومين عن الخطأ، لكنه أشرف على الكتابة وحفظها من أي خطأ أو نقصان. وعندما يستشهد سفرما في الكتاب المقدس بآية في سفر آخر فإنه غالباً ما ينسب الآية إلى الله أو الروح القدس مع أن الكاتب كان نبياً أو رسولاً. تأمل الآيات التالية:
"أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلاً لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ"(أعمال 1: 16)
" فَلَمَّا سَمِعُوا رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتاً إِلَى اللهِ وَقَالُوا: «أَيُّهَا السَّيِّدُ أَنْتَ هُوَ الإِلَهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا الْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ: لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الْأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ بِالْبَاطِلِ؟" (أعمال 4: 24-25)
"وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا" ( متى 1: 22-23). النبي المقصود هنا هو النبي آشعياء (آشعياء 7: 14)
"وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي»" (متى 2: 15). النبي هنا هو النبي هوشع (هوشع 11: 1)
"بَلْ جَعَلُوا قَلْبَهُمْ مَاساً لِئَلاَّ يَسْمَعُوا الشَّرِيعَةَ وَالْكَلاَمَ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّ الْجُنُودِ بِرُوحِهِ عَنْ يَدِ الأَنْبِيَاءِ الأَوَّلِينَ. فَجَاءَ غَضَبٌ عَظِيمٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْجُنُودِ." (زكريا 7: 12)
الآيات السابقة وغيرها تعلم أن الكاتب الحقيقي لكلمة الله هو الروح القدس. بولس الرسول أيضا كان يدرك أن رسائله موحى بها من الله. في 1 كورنثوس 2: 13 يقول بولس أن كلامه ليس عبارة عن تعليم بشري بل هو كلام من الروح القدس: "الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ." أيضا في نفس الرسالة (1 كورنثوس 14: 37) يكتب بولس: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْسِبُ نَفْسَهُ نَبِيّاً أَوْ رُوحِيّاً فَلْيَعْلَمْ مَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكُمْ أَنَّهُ وَصَايَا الرَّبِّ." وفي رسالة أخرى يكتب الرسول: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَحْنُ أَيْضاً نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضاً فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِين" (1 تسالونيكي 2: 13).
كل الكتاب المقدس موحى به من الله. فكل آية كتبت بأمر وبإشراف الروح القدس. ولأن الكاتب هو الله نفسه فهذا يعني أن الكتاب معصوم عن الخطأ وله وحده السلطة النهائية في كل ما يتعلق بالإيمان والسلوك. التقليد الكنسي وتعاليم الأساقفة لا تتمتع بهذا الوحي الإلهي والعصمة عن الخطأ (كما سنرى بعد قليل) ولذلك لا يحق إعطائها سلطة تعادل سلطة الكتاب المقدس.
2. العصمة عن الخطأ
بما أن كل الكتاب هو موحى به من الله، فهو معصوم عن الخطأ. وذلك لأنه كلام الله، وكلام الله معصوم عن الخطأ كما قال يسوع في يوحنا 17:17: " كلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ." لكن ماذا عن التقليد وتعليم الآساقفة ؟ الكتاب المقدس يعلم بوضوح بأنهما غير معصموين عن الخطأ. حينما سأل الفريسيون والكتبة، رجال الدين في ذلك الوقت، يسوع " لِمَاذَا لاَ يَسْلُكُ تَلاَمِيذُكَ حَسَبَ تَقْلِيدِ الشُّيُوخ؟" أجابهم يسوع:
"«حَسَناً تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ الْمُرَائِينَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ: غَسْلَ الأَبَارِيقِ وَالْكُؤُوسِ وَأُمُوراً أُخَرَ كَثِيرَةً مِثْلَ هَذِهِ تَفْعَلُونَ». ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «حَسَناً! رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ. لأَنَّ مُوسَى قَالَ: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ وَمَنْ يَشْتِمُ أَباً أَوْ أُمّاً فَلْيَمُتْ مَوْتاً. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: إِنْ قَالَ إِنْسَانٌ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ أَيْ هَدِيَّةٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي فَلاَ تَدَعُونَهُ فِي مَا بَعْدُ يَفْعَلُ شَيْئاً لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ. مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللَّهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ. وَأُمُوراً كَثِيرَةً مِثْلَ هَذِهِ تَفْعَلُونَ»." (مرقس 7: 6-13)
في هذا النص يعلم يسوع أن تقليد رجال الدين خاطئ ومناقض لكلمة الله. فهنا نرى أنه يوجد تقليد سيء ولا ننكر أيضا أنه يوجد تقليد جيد، وهو جيد فقط حينما يتماشى مع تعاليم الكتاب. أما الكتاب المقدس فهو بأكمله موحى به من الله وكله حق. إذاً هل يجوز أن يكون لتقليد البشر الغير المنزه عن الخطأ سلطة معادلة لسلطة الكتاب المقدس؟ في كولسي 2: 8 يحذرنا الرسول بولس من التقليد البشري: "اُنْظُرُوا انْ لاَ يَكُونَ احَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ ارْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ." وماذا عن تعاليم الآساقفة امثال البابا الذي يعتبره الكاثوليك نائب المسيح على الأرض؟ نقرأ في غلاطية 2: 11-14عن بولس وكيف أنه وبخ بطرس، الذي يعتبر أول بابا للكنيسة الكاثوليكية، على خطأ يتعلق بالإيمان كان قد أرتكبه:
"وَلَكِنْ لَمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُوماً. لأَنَّهُ قَبْلَمَا أَتَى قَوْمٌ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الأُمَمِ، وَلَكِنْ لَمَّا أَتَوْا كَانَ يُؤَخِّرُ وَيُفْرِزُ نَفْسَهُ، خَائِفاً مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. وَرَاءَى مَعَهُ بَاقِي الْيَهُودِ أَيْضاً، حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضاً انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ! لَكِنْ لَمَّا رَأَيْتُ أَنَّهُمْ لاَ يَسْلُكُونَ بِاسْتِقَامَةٍ حَسَبَ حَقِّ الإِنْجِيلِ، قُلْتُ لِبُطْرُسَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ: «إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمَمِيّاً لاَ يَهُودِيّاً، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الأُمَمَ أَنْ يَتَهَوَّدُوا؟»"
واضح جدا من هذا النص أن بطرس لم يكن منزهاً عن الخطأ. في غلاطية 1: 6-9 يكتب بولس الرسول محذراً من تعاليم البشر الخاطئة:
"إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هَكَذَا سَرِيعاً عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ. لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا». كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الآنَ أَيْضاً: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»."
إن ما بشرهم به بولس من قبل قد سُجل في الرسائل وله سلطة فوق تعليم أي إنسان مهما كانت رتبته الروحية حتى لو كان الرسول بولس نفسه. هذا التحذير يعني أن كلام البشر، حتى الرسل، غير معصوم عن الخطأ وإلا لا حاجة للرسول بولس أن يحذرهم منه. إن الكتاب المقدس وحده معصوم عن الخطأ. التقليد وتعليم الأساقفة غير معصوم عن الخطأ ولذلك لا يحق أن نعطيهم سلطة معادلة لسلطة الكتاب المقدس بل يجب أن نختبرهم على ضؤ كلمة الله، اي الكتاب المقدس وحده.
3. الكفاية (the sufficiency)
الكتاب المقدس يحتوي على كل ما يحتاجة الفرد ليعرف من هو الله، وكيف يخلص من خطاياه، وكيف يعيش الحياة المسيحية. هذا لا يعني إن الكتاب شامل في معلوماته بل أنه كافي في معلوماته. نقرأ في يوحنا 21: 24 – 25: "هَذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَذَا وَكَتَبَ هَذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ. وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ." في الحقيقة لا يوجد كتاب أو تقليد شفهي يحتوي على أو يستطيع ان يضم معلومات شاملة عن الله أو حياة الرب يسوع. لكن الكتاب المقدس هو كافي لقيادة الإنسان إلى الإيمان بيسوع المسيح ومن ثم الحصول على الحياة الأبدية. نقرأ في يوحنا 20: 30 – 31: " وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ." الكتاب المقدس، كونه كلمة الله، قادر على أن يقودنا إلى معرفة شخصية لله وأن يهيئنا للحياة المسيحية. يكتب الرسول بولس في 2 تيموثاوس 3: 15 - 17 :
"وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ."
إن كان الكتاب المقدس يعلم عن ذاته بأنه قادر على أن يحكمنا للخلاص، وأنه نافع لتعليمنا، وتوبيخنا، وتقويمنا، وتأدبينا لكي نكون كاملين ومتأهبين لكل عمل صالح، فما حاجتنا إلى إضافة تقاليد وتعاليم بشرية، خاصة حينما ينقصها الكثير مقارنة بقدرة ونفع وكفاية الكتاب المقدس؟
4. السلطة العُليا
يعلم الكتاب المقدس أنه له سلطة العليا والآخيرة فوق أي شيء آخر أن كان كنيسةً او رسولاً أو حتى ملاكاً. في غلاطية 1: 6-9 (آية ذكرت سابقا) يعلم الرسول بولس إن بشارة الناس، وإن كانوا رسلاً، وبشارة الملائكة يجب أن ُتختبر على ضؤ كلمة الله. في أعمال الرسل17: 11 يقول بولس عن اليهود في بِيرِيَّة:َ "وَكَانَ هَؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الْأُمُورُ هَكَذَا؟" بولس الرسول لم ينتهر البيريين لأنهم اختبروا كلامه على ضؤ الكتاب بل على العكس فقد حسبهم شرفاء. لقد طلب بولس من المؤمنين قائلاً: "امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ" (1 تسالونيكي 5: 21).
إن المسيح استخدم الكتاب المقدس كالمحكمة العليا في الطعن القضائي لأي أمر يتطلب المناظرة. للصدقيين قال يسوع: " تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللَّهِ" (متى 22: 29). للفريسيين قال: " لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللَّهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ" (لوقا 7: 8). للشيطان قال: " مَكْتُوبٌ " (متى 4). علينا أن نتبع خطوات المسيح بإعطاء الكتاب المقدس السلطة النهائية في أي أمر.
5. الوضوح الروحي
الوضوح الروحي للكتاب يعني أن الرسالة الكتابية ممكن فهمها من قبل الفرد المسيحي العادي. نقرأ في مزمور 119: 105-130: " سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي.... فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ يُعَقِّلُ الْجُهَّالَ ". رسالة الكتاب واضحة حتى أن المسيح توقع من الناس أن يبحثوا في الكتب ويفهموها (لوقا 24: 25 – 27). الوضوح الروحي لكلمة الله يعني أننا لسنا بحاجة إلى مؤسسة أرضية لها وحدها الحق المطلق في تفسير الكتاب. في الحقيقة إن درسنا تقليد هذه الكنائس الثيوقراطية وتعاليمها نجد أنها معقدة جدا وليس فيها الوضوح الروحي الذي في الكتاب المقدس.
6. عدم القدرة على نقض الكتاب أو تغييره
في يوحنا 10: 35 , قال يسوع: " وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ " وقال أيضاً في متى 5: 18: "فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ." إن تقليد وتعاليم البشر تتغير. فاذا درسنا تاريخ الكنائس نجد أن تعاليمها قد تغيرت عبر السنين. أما كلمة الله فتبقى إلى الأبد: "إِلَى الأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ" (مزمور 119: 89).
الخاتمة
إن الكتاب المقدس قد علم بكل وضوح أنه وحده له السلطة العليا والآخيرة في كل ما يتعلق بالإيمان والعقيدة والسلوك وذلك لكونه وحده موحى به من الله، وحده معصوم عن الخطأ، وحده كاف وقادر على أن يمكننا من الخلاص ويهيئنا لكل عمل صالح نعمله في مسيرتنا مع المسيح، وحده له السلطة العليا فوق الكل، فوق التقليد، وتعليم الرسل، وتقليد الناس. وحده له الوضوح الروحي، ووحده غير قابل للنقض أو التغيير. ليس هذا فقط، بل أن الكتاب المقدس يحذرنا من إضافة أي شيء له. تأمل في الآيات التالية:
"أَيُّهَا الإِخْوَةُ ... لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ." (1 كورنثوس 4: 6)
"لا تَزِيدُوا عَلى الكَلامِ الذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلا تُنَقِّصُوا مِنْهُ لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ التِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا." (تثنية 4: 2)
"كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ نَقِيَّةٌ. تُرْسٌ هُوَ لِلْمُحْتَمِينَ بِهِ. لاَ تَزِدْ عَلَى كَلِمَاتِهِ لِئَلاَّ يُوَبِّخَكَ فَتُكَذَّبَ." (أمثال 30: 5-6)
"لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هَذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هَذَا يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هَذِهِ النُّبُوَّةِ يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هَذَا الْكِتَابِ." (رؤيا يوحنا 22: 18-19)
إن الكنائس التي تضيف تعليماً على الكتاب المقدس تخالف وصية الكتاب نفسه. فأيها القارئ الكريم لمن أعطيت السلطة الآخيرة في حياتك؟ هل أنت كالفريسيين أبطلت تعاليم الله بتقليدك والطقوس المتمسك بها؟ أدعوك لكي تضع ثقتك في الكتاب المقدس وحده وأن تقرأه يوميا ً لأنه فيه وحده تجد الحياة الأبدية.
تعليق