المسيح وحده أوجد حلاً حقيقياً لمشكلة الخطيئة
"من أعلم بهذه منذ القدم.. ألست أنا الرب ولا إله غيري؟ بار ومخلّص وليس هناك آخر" (سفر إشعياء 45: 21). "فأنت أيها الرب هو أبونا، واسمك فادينا منذ القدم" (سفر إشعياء 63: 16) "ونحن أنفسنا نشهد أن الآب قد أرسل الابن مُخلِّصا للعالم" (رسالة يوحنا الأولى 4: 14).
العالم الضائع
أعلن السيد المسيح مرارا وتكرارا أنه جاء ليخلص الهالكين. (إنجيل متى 18: 11).
ما معنى كون الإنسان ضائعا؟ كون الإنسان ضائعا، معناه أنه سيرجع بعد حياته الأرضية إلى الفناء والعدم بشكل نهائي، وأنه سيفقد نصيبه من الفردوس الذي أعده الله لبني الإنسان عندما خلق سبحانه آدم وحواء. وبفقدان الإنسان نصيبه من الفردوس يفقد الحياة الأبدية أيضا. فإن الله عز وجل قد أعلن لآدم وحواء من قبل أنهما سوف لا يحافظان على الحياة والسعادة إلا إذا عاشا بانسجام مع إرادته الصالحة من أجلهما. لكن ويا للأسف، فإن آدم وحواء صدقا كذب وبهتان الشيطان وتمردا على الله بعصيانهما أوامره. ومنذ ذلك الوقت بدأ الموت عمله، وشنت قوى الشر حملتها التخريبية على الإنسانية وأبعد البشر أكثر فأكثر عن خالقهم وأغرقتهم هذه القوى الشريرة في التعاسة و اليأس و الكآبة و المرض. ولو أراد الله لأباد آدم وحواء ودمرهما في الحال وخلق مكانهما كائنات أخرى، لكنه تعالى كان يحبهما محبة الأب لبنيه. لذلك استعمل فورا خطة الخلاص التي أعدها من قبل وأعلمهما بأنه بالإيمان (بالمسيا) المسيح الموعود الذي سيأتي لأرضنا يمكنهما استعادة الحياة الأبدية.
"الهالكون": هل هم الكفار، كبار المجرمين، الذي لم يؤمنوا مطلقا، والذين عاشوا في الفساد، أم هم أولئك الذين فقدوا الضمير الخلقي؟ يقول النبي "النفس التي تخطئ فهي تموت" (حزقيال 18: 20) إذن، الهالكون هم كل الذين يخطئون. لكن، هل كل الناس مخطئون؟ ألم يوجد بينهم أناس يعملون بالمعروف ويعيشون بحسب شريعة الله؟ لا على الإطلاق، ويا حسرتاه! يقول الرسول بولس في رسالته للمؤمنين في روما: "ليس إنسان بار، ولا واحد.. جميع الناس قد ضلوا وصاروا كلهم بلا نفع. ليس من يفعل الصلاح، لا ولا واحد" (رسالة رومية 3: 10-12) وإن النبي سليمان العظيم والمشهور بحكمته قد قال كلاماً مماثلاً، وذلك منذ تسعة قرون قبل مجيء السيد المسيح: "ليس من صديّق على وجه الأرض يصنع خيراً ولا يخطئ" (سفر الجامعة 7: 20) يُستعمل لقب "الصِّديق" في الكتاب المقدس للإشارة إلى خاصية الذي هو عادل ومنصف، لكنه غالبا ما يُستعمل لوصف الإنسان الذي يطيع الشريعة الإلهية على الوجه الأكمل.
هل من المستطاع لدى الإنسان أن يكون صديقا؟ كانت هذه صفة آدم وحواء عندما خلقهما العلي، لكنهما فقدا هذه الأهلية عندما أصغيا لكلام إبليس واستسلما لإغراءاته. ومنذ ذلك الحين، يولد كل البشر وبهم ميل ونزوع طبيعي إلى الشر ورثوه عن والديهم، ومع هذا النزوع ضعف أخلاقي ومعنوي يجعلهم عاجزين على الدوام عن مقاومة الشر على مختلف أشكاله وأنواعه. لذلك يصرح النبي إشعياء: "كلنا أصبحنا كنجس، وأضحت جميع أعمال برنا كثوب قذر" (إشعياء 64: 6). هل يمكننا التخلص من هذا الوضع البشري؟ كلا! فبكل وضوح يصرح أيوب بصدد الإنسان: "من يستولد الطاهر من النجس؟ لا أحد" (أيوب 14: 4). لكن إذا أصبح الناس أقوياء أخلاقيا، بما فيه الكفاية، ومثابرين في جهودهم، هلا أمكنهم البلوغ فوق حالة والديهم الأثمة؟ إن النبي إرميا يأتي ههنا ليزيل عنا هذه الفكرة الوهمية ويقول بوحي من الله عز وجل في هذا الموضوع: "هل يمكن للأثيوبي أن يغير جلده، أو النمر رقطه؟ كذلك أنتم لا تقدرون أن تصنعوا خيرا بعد أن الفتم ارتكاب الشر!" (إرميا 13: 23) ويضيف: "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس، فمن يقدر أن يفهمه" (إرميا 17: 9). فنحن والحالة هذه، غير قادرين على التخلص من الطبيعة الآثمة التي هي نصيب البشري بدون استثناء، وعاجزين أيضا عن مقاومة تأثير الشر في قرارة نفسنا وحياتنا الجسمية. وحن غير قادرين أيضا على تغيير مصيرنا، بحيث أن نجعل الأسباب لا تنتج تأثيراتها الطبيعية وألا يكون الموت هو النتيجة الطبيعية لهيأتنا الآثمة.
الخلاص ممكن! "أما الله، وهو غني في الرحمة، فبسبب محبته العظيمة التي أحبنا بها، وإذ كنا نحن أيضا أمواتاً بالذنوب، أحيانا مع المسيح، إنما بالنعمة أنتم مخلصون" (إنجيل أفسس 2: 4، 5) ويلح الرسول يوحنا أيضا على هذه الحقيقة العظيمة والعجيبة فيقول: "قد أظهر الله محبته لنا إذ أرسل ابنه الأوحد إلى العالم لكي نحيا به" (رسالة يوحنا الأولى 4: 9) لأن الله يحبنا بدون استثناء "فهو يريد لجميع الناس أن يخلصوا ويقبلوا إلى معرفة الحق بالتمام" (رسالة تيموثاوس الأولى 2: 4).
كيف؟ بواسطة السيد المسيح، الذي هو "الطريق والحق والحياة" ليس يسوع المسيح طريقا بين طرق عديدة ليوصلنا إلى الله وصوب فردوسه، إنه الطريق الوحيد، "لا يأتي أحد إلى الآب إلا بي" هذا قوله! (إنجيل يوحنا 14: 6) ويصرح الرسول بولس قائلا لأكبر الفقهاء اليهود الذين اجتمعوا للتشاور قصد منعه من التبشير بالإنجيل: "ليس بأحد غيره الخلاص إذ ليس تحت السماء اسم آخر قدمه الله للبشر به يجب أن نخلص!" (أعمال الرسل 4: 12). بمناسبة ميلاد يسوع، أوحى الله تبارك وتعالى عدة نبوات أعلنت بأن يسوع المسيح سيكون مخلِّص العالم: بواسطة الملاك جبرائيل الذي كلم يوسف، بواسطة الكاهن زكريا، بواسطة الملائكة الذي ظهروا للرعاة في بيت لحم وبواسطة سمعان الشيخ في هيكل أورشليم (انظر إنجيل متى 1: 21 – لوقا 1: 68، 69، 2: 11، 29-32).
هل نحن حقا في حاجة إلى مخلِّص؟ أليس باستطاعتنا التخلص من المأزق لوحدنا؟ هي نحن حقا بحاجة إلى يسوع المسيح للوصل إلى طريق الفردوس والحصول على الحياة الأبدية؟ إذا كان الهلاك الأبدي قد جاء نتيجة انتهاكنا شريعة الله، أليس من الطبيعي أن يأتي الخلاص بطاعتنا لله؟ أليس باستطاعتنا ربح الجنة بأعمالنا الصالحة!؟ بالتأكيد لا يمكننا الدخول إلى الجنة يوما ما إن لم نسع في الطاعة لله جل جلاله. لكن طاعتنا اليوم لا يمكنها تعويض انتهكناه وتعدينا عليه البارحة. لنأخذ مثلا: لنفترض أني قتلت جاري. يمكنني أن أتأسف بكل إخلاص وصدق على قتله وأحاول ما استطعت عمل الخير لزوجته ولكن هذا لا يمكنه إعادة الزوج فزوجته، وخطأي لا يمكن إصلاحه أبداً. هل يمكن أن يُكَفر عن هذا الاغتيال؟ ليس باستطاعة أي مبلغ مالي تعويض هذا الدين، حتى ولو تألمت أشد الآلام في جسدي، فعقابي هذا لا ينفع. فلا يمكن في كلا الحالتين إعادة الحياة للرجل المقتول. وهذا عينه بالنسبة لكل الخطايا، كيفما كانت كبيعتها. لا يمكننا التكفير عن أي منها وليس بإمكاننا التحرر بالتكفير عن أنفسنا، لأن "أجرة الخطية هي الموت" (رسالة رومية 6: 23). لا يمكننا التكفير كليا عن شر مرتكب، حتى ولو أمكننا إعادة شيء مختلس أو حاولنا التعويض بالأعمال الحسنة، عن خطأ اقترفناه في حق إنسان، فسيبقى أثر الشر بصفة معنوية. وهذا الشر يفسد شخصيتنا ويُعتبر إهانة في حق الله. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يمكننا في حماسة عزم أن نقرر فصاعدا بعدم اقتراف ولو بخطأ صغير، بالكلام أو بالعمل بل ولا بالتكفير، ونطيع الله دائما وأبدا! هل حاولت من قبل؟ إن كان الجواب: نعم، فكم من الزمن دام تصميمك هذا؟ إن الاختبار اليومي يظهر بأننا عاجزين كل العجز عن مراعاة شريعة الله بكمال من تلقاء أنفسنا. ما هو رأيك؟ وبطبيعة الحال، نطرح على أنفسنا نفس السؤال الذي طرحه التلاميذ على يسوع المسيح: "من يقدر أن يخلص؟ فنظر إليهم وقال لهم: هذا مستحيل عند الناس، أما عند الله فكل شيء مستطاع" (إنجيل متى 19: 25، 26). لو أننا تُركنا لأنفسنا، لنواجه مصيرنا، لكان الوضع ميؤوس منه، والورطة لا خلاص منها. لكن لحسن الحظ ليس الأمر كذلك، لأن الله خالقنا وأبونا لم يتخل عنا. "لأن أجرة الخطية هي الموت، وأما هبة الله فهي الحياة الأبدية في المسيح يسوع ربنا" (رسالة رومية 6: 23). لاحظ عزيز القارئ أنه توجد في الآية كلمة أما، ولهذه الكلمة معناها العظيم، لأن الله تدخل ليعطينا الجواب للمسألة الخطيرة التي أثارها سقوط الإنسان. وهذا التدخل يحظى بعناية الله وهو موضوع الوحي الموجود في الكتاب المقدس. لقد أخطأنا وابتعدنا عن الله، أما الله سبحانه وتعالى فهو يحبنا دائما! وهو يقول له المجد لنا نحن أبناؤه: "أحببتكم حبا أبديا، لذلك اجتذبتكم إلي برحمة" (إرميا 31: 3).
كيف يُخلّصنا يسوع المسيح؟! قد وضعنا فيما سبق، مقارنة بي الخطية والدين. إذا أردنا إيفاء ديون أحد وجب علينا أن نكون مستدينين نحن أيضا! إن كان حسابنا في البنك مكشوف ونحن مجردين من كل الموارد، لا يمكننا مساعدة صديق له هو كذلك عجز مالي في البنك! لقد عرض يسوع المسيح له المجد نفسه ليأخذ مكاننا ولإيفاء كل "ديوننا" التي اقترضناها مع الله، إذ أصبحنا مستدينين له تعالى. من أجل ذلك أوجب على السيد المسيح أولا أن يجيء ويحيا حياة إنسان على أرضنا دون أن يخطئ أبدا. وهذا ما فعل. وفي الوقت نفسه أظهر السيد المسيح للكون بأكمله بأن كل إنسان خُلق على الوجه الأكمل كآدم يمكنه أن يبقى أمينا لله تبارك وتعالى ولا يخطئ. في البدء كان آدم كاملا أخلاقيا، لكنه لم يتمكن من الحفاظ على هيئته البريئة. وجاء يسوع المسيح في حالات تشبه حالات آدم، لكن أقل ملائمة بكثير. في الواقع، مع أن يسوع جاء من الله، ووُلد من الروح القدس، إذن، بدون أي ميل وراثي للشر، وذلك بعد 4000 سنة من الانحلال الجسدي، فإن جسمه البشري الشبيه برجال جيله كان ضعيفا. وقد نما في مجتمع فاسد بالخطية وهذا نقيض البيئة التي عاش فيها آدم. وبالرغم من كل هذا فإن يسوع الذي سماه الرسول بطرس "آدم الثاني" لم يخطئ أبدا وبأي طريقة. وقد تكلم عنه الرسل بطرس ويوحنا وبولس وسموه المسيح البار. يقول النبي حزقيال "أما النفس التي تخطئ فهي تموت" (حزقيال 18: 20) لكن يسوع المسيح جاء على الأرض ليخلصنا من الموت، فأخذ مكاننا وتحمل الإدانة التي استحققناها بسبب انتهاكنا الشريعة الإلهية، أي أنه تعذب ومات من أجلنا. "لَكِنَّهُ حَمَلَ أَحْزَانَنَا وَتَحَمَّلَ أَوْجَاعَنَا، وَنَحْنُ حَسِبْنَا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَاقَبَهُ وَأَذَلَّهُ، 5إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مَجْرُوحاً مِنْ أَجْلِ آثَامِنَا وَمَسْحُوقاً مِنْ أَجْلِ مَعَاصِينَا، حَلَّ بِهِ تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا، وَبِجِرَاحِهِ بَرِئْنَا. 6كُلُّنَا كَغَنَمٍ شَرَدْنَا مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى سَبِيلِهِ، فَأَثْقَلَ الرَّبُّ كَاهِلَهُ بِإِثْمِ جَمِيعِنَا. 7ظُلِمَ وَأُذِلَّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، بَلْ كَشَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8بِالضِّيقِ وَالْقَضَاءِ قُبِضَ عَلَيْهِ، وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ اسْتُؤْصِلَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، وَضُرِبَ مِنْ أَجْلِ إِثْمِ شَعْبِي؟ 9جَعَلُوا قَبْرَهُ مَعَ الأَشْرَارِ، وَمَعَ ثَرِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ جَوْراً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. 10وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سُرَّ اللهُ أَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. وَحِينَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ فَإِنَّهُ يَرَى نَسْلَهُ وَتَطُولُ أَيَّامُهُ، وَتُفْلِحُ مَسَرَّةُ الرَّبِّ عَلَى يَدِهِ. 11وَيَرَى ثِمَارَ تَعَبِ نَفْسِهِ وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ يُبَرِّرُ بِمَعْرِفَتِهِ كَثِيرِينَ وَيَحْمِلُ آثَامَهُمْ. 12لِذَلِكَ أَهَبُهُ نَصِيباً بَيْنَ الْعُظَمَاءِ، فَيَقْسِمُ غَنِيمَةً مَعَ الأَعِزَّاءِ، لأَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ، وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. وَهُوَ حَمَلَ خَطِيئَةَ كَثِيرِينَ، وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ." (سفر إشعياء 53: 4-11). والحالة هذه، فإن الرحمن الرحيم قرر أن بفضل حياة السيد المسيح الطاهرة الممتازة والخالية من العيوب، وبفضل آلامه وموته أصبح ممكنا الحصول على غفران الخطايا واسترجاع الحياة الأبدية للذين لهم رغبة في ذلك. لأن يسوع المسيح قد كَفَّر عن خطايانا وزلاتنا على الصليب وبذلك وفى ديننا لله وافتدانا. وقد شرح الرسول بولس أنه "كما بعصيان الإنسان الواحد (آدم) جُعل الكثيرون خاطئين، فكذلك أيضا بطاعة الواحد (المسيح) سيُجعل الكثيرون أبرارا" (رسالة رومية 5: 19) ذلك لأن "الله بررنا مجانا بنعمته، بالفداء بالمسيح يسوع الذي قدمه الله كفارة عنا" (رسالة رومية 3: 24).
مبررين، معناها أننا اعتُبرنا بررة. كأننا لم نخطئ. وكما أن حالتنا الآثمة والخاطئة يشبهها الكتاب المقدس بثياب وسخ، فإن الكمال الأخلاقي الذي يريد ان يعطيه لنا يسوع المسيح مشبه بثياب بيض: رمز الطهارة. إن السيد المسيح يرغب أن يتحمل خطايانا ويلبسنا بره كما لو غطانا بثياب. لكن يجب ألا ننخدع! إن هذا البر هو عطية مجانية، أي أنه فضل لا نستحقه! وهذه هي الوسيلة الوحيدة لخلاصنا، والدخول يوما إلى فردوس الله حيث السعادة الكالمة في الحياة الأبدية.
تعليق