إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة قصيرة : بستان الورد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة قصيرة : بستان الورد

    بستان الورد

    أخذ الرجل العجوز ضيفه الشاب متجولا به في أنحاء مستشفى (فاقدي نعمة البصر) ممهداً لتسلمه مهام عمله الجديد مديرا للمستشفى ، بدلاً من مديرها السابق ، مضيفه ، الذي أُحيل على التقاعد .

    كان الوقت شتاءً جميلا والشمس ترسم بأشعة فنان مبدع ألوانها على الجدران البيضاء ، عاكسة أشكال منحنيات نوافذها ، ظلالا فنية محببة للناظر اليها ، باعثة في روحه دفقة من الشعور بالراحة والبهجة غير المنظورة .

    أبعد الضيف قدح الشاي الساخن عن شفتيه ، بعد أن رشف منه قطرات ، ونظر الى مضيفه قائلا :
    والآن أرجوك أن تخبرني كل شيء ، خاصة سر تلك الرائحة الساحرة التي تضوع من أرجاء المكان ، وسر الزهور الحمراء صغيرة الحجم ذو التويجات الرقيقة المحيطة ببعضها البعض ، المنطبعة أشكالها بالملايين على سطوح الصخور والحصى المتناثر حول مبنى المستشفى . حتى ليخال المرء انها حقيقة فيندفع لملامستها ليكتشف انها رسم أجادَ فنان ما نقشها وتوزيع ألوانها .

    نظر اليه مضيفه قائلا : ان لها أغرب قصة عشتها في حياتي . فعندما كنت في عمرك عُينت أنا أيضا لأول مرة رئيسا للأطباء في هذه المستشفى . حيث بُنيت كما هو حالها عليه اليوم ، في مكان ناء عن المدينة ، تحيط بها أرض فسيحة خالية من أي عائق طبيعي لحاجة نزلاء المستشفى الى التجول دون وجود حواجز أو أشجار يمكن أن تعيق أو تحد من سيرهم ، وتسبب لهم الأذى دون أن يدروا ، كما كنّا نهدف من وراء ذلك تعليمهم التآلف مع حواجز الظلام الذي سيرافقهم طوال سني حياتهم ، دون ان يشعروا بالخوف أو باحتمال الاصطدام بشيء ما موضوع أمامهم .

    كانت المستشفى تضم جناحين واحد للنساء وآخر للرجال ، وكان في كلا الجناحين أطفالا وشبابا وشابات ورجالا ونساء من جميع الأعمار ، والذي يجمع بينهم جميعهم انهم فاقدون لنعمة بصرهم . وقد تآلف كثير من هؤلاء مع حالتهم ، وكان دور المستشفى هو أما إجراء العمليات الجراحية التي يمكن أن تعيد بصيصا من النور لعيون من فقد ضوئها منذ ولادته ، أو لتخفيف الشعور بالألم النفسي أو الجسدي عند بعضهم الآخر ، خاصة هؤلاء الذين أصابهم العمى إثر حادث مؤلم قد مرَّ بهم في حياتهم . فهناك شاب كان مخمورا ذات ليلة وصدم بقوة سيارته بجذع شجرة ، حيث أدى اصطدام رأسه في الزجاج الأمامي لسيارته الى انطفاء نور عينيه . وهناك رجلا آخر كان عضوا في عصابة تقاتل مرة بالسكاكين مع عضو آخر في عصابته فاقتلع الأخير عيون صاحبنا بضربة سكين .

    كانت المستشفى تعيش حياتها الروتينية ، الا في ذاك الصباح الجميل ، حيث خرجت من مكتبي ناظرا الى فسحة الأرض المقابلة لواجهة المستشفى ، وقد تفتحت لأول مرة بين صخورها وحصواتها وروداً صغيرة الحجم ذات لون أحمر قان ، لم أرى شبيها لها في حياتي ، ولم يكن لها أصلاً وجود في هذه المنطقة . الذي لفت انتباهي في بادئ الأمر ليس وجود الورود ولكن رائحتها التي قادتني الى مكان تفتحها . فان هواء المستشفى ، في ذلك الصباح ، وجميع الأراضي الخالية المحيطة بها أخذت تتشبع برائحة تضوع حتى من بين حبات الطين والرمل المفروشة على الأرض . في أول يوم تعجبنا جميعنا من سِحْر هذه الرائحة ، حتى المرضى جاءوا يسألونني : دكتور ما مصدر هذه الرائحة الطيبة ، نحن لم نألف وجودها في مستشفانا ولم نشم مثيلا لها في حياتنا . وكنتُ أُجيبهم : انه نوع من الورد لا شبيه له أخذ ينمو حول المستشفى وهذه هي رائحته .

    وأصبح حديث الورد وأنواع الورد ورائحة الورد التي تملأ بأريجها المكان ، على كل شفة ولسان ، وأصبح الشغل الشاغل لنزلاء المستشفى . وكنتُ أُشجعهم على ذلك ، حيث ان مثل هذه الظاهرة تنمي أحاسيسهم الأُخرى ، وتساعدهم على التفاعل مع عناصر المكان الذي يعيشون داخل محيطه ، لكونهم فاقدين لنعمة بصرهم .

    وأخذ الورد بمرور الأيام ينمو ويتفتح ، حتى غلف جميع الأراضي الخالية المحيطة بمبنى المستشفى ، مما منحها صورة خيالية جميلة لا يمكنك تصورها . وكان بإمكان من يأتي من مسافة عدة كيلومترات في سيارته أن يشاهد بساطا مخمليا من اللون الأحمر ، ويشم رائحة ليس لها مثيل تضوع في أرجاء الوجود .

    وذات يوم جاءني شاب غريب عن المنطقة لم أشاهده قبلاً ، طلب مني أن يعمل في (بستان الورد) تلك التسمية التي أطلقها المرضى على تجمعات الورد هذه . وافقته وعينته بستانيا في (بستان الورد) ، خاصة وهو يتمتع بميزة لا يتمتع بها أحد من نزلاء مستشفاي ، فقد كان يملك عينين جميلتين واسعتين . كان شابا نحيلا في الثالثة والثلاثين من عمره ، وكان اسمه فادي . قام ذلك الشاب بعمله على خير قيام . حارسا وساقيا وراعيا لبستان الورد . وكنت أعتمد عليه في مراقبة المرضى العميان أثناء تجوالهم وحركتهم في أنحاء المكان .

    قلت له يوما : بعد نهاية فصل الصيف ، سيذبل بستان الورد هذا يا فادي ، فقد حلَّ الخريف وستعود الأرض جرداء كما كانت ، هل يا ترى سيتفتح مرة ثانية ويعاود النمو في الربيع القادم .
    فأجابني : سوف لا يذبل أبدا يا سيدي ، فانه سيطرح بركته على الجميع والذي أرسله لنا هو الذي سيحفظه .

    وفي يوم من أيام نهاية فصل الخريف والدنيا مساء هبت نسائم لطيفة شجية منعشة ، وأخذت أغصان الورد تتمايل بحركة غير مألوفة ذات اليمين وذات الشمال وكأن هناك يد خفية قاصدة تحريكها ، فتطايرت ملايين من تويجات ورودها الصغيرة الحمراء ، سابحة في الهواء ، داخلة عبر نوافذ وشبابيك المستشفى عابرة ممراتها الى غرف المرضى ، ثم أخذت تقترب من وجوههم لتلتصق في عيونهم ، كل عين تتكوم فوقها تويجات وردتين أو ثلاثة . كان منظرا في أول أمره ساحراً ومؤثرا وغريبا غرابة لا يمكنك تصورها .
    كنت أتنقل بينهم وأُتمتم مع نفسي : يا رب الوجود ماذا يحدث ؟ فجميعهم دون استثناء الطفل والشيخ ، المرأة والعجوز ، القاسي القلب والرحيم ، العاصي والتائب ، جميعهم قد التصقت تويجات الورد في عيونهم دون استثناء ودون تمييز
    قسم من المرضى أخذت عيونه تؤلمه ، وزاد ألمه بمرور الوقت ، ولكن الورد التصق بقوة على عينيه وأصبح غير قادر على إزالته . وقسم آخر لم يشعر بأي ألم ، بل بالعكس أخذ يدعك عينيه بصورة لا إرادية لإحساسه بان هناك شيئا غريبا قد حطَّ فوقها فتسببت حركته هذه بدخول مزيداً من تويجات الورد الى عينيه .

    نظرت الى بستان الورد فلم يتبدل منه شيء ولم تنقص منه وردة واحدة ، إذن من أين طارت كل تويجات الورد هذه ؟
    ونام الجميع في تلك الليلة بين مستغرب ومنفعل ومتوجس ومتألم . أما أنا فسهرت حتى الصباح أفُكر بالذي حدث ولا أجد له تفسيرا أبدا .

    وبعد منتصف الليل ناديت على البستاني فوجده مثلي لا يزال صاحيا : قل لي يا فادي ، كيف بدأت الريح تتحرك عندما كنتَ في البستان ؟ ولماذا لا يزال الورد قائما على أغصانه ، كأن شيئا لم يكن ؟ فأجابني بهدوء :
    - ألم تدري يا سيدي لقد مرَّ يسوع من هنا ، وحركة الورد التي أطارت تويجاتها كانت حركة يد يسوع . انتظر يا سيدي الى الصباح وسترى عمل يسوع في حياة هؤلاء الناس .
    - وما أدراك أنت بأنه يسوع ، هل رأيته ؟
    - نعم يا سيدي . قلبي رآه وليست عيوني . فرؤية يسوع لا تحتاج الى عيون ، ولكنها تحتاج الى أن تؤمن بوجوده . فهو لا يظهر الا لمؤمنيه .

    نظرت الى الرجل حتى خلته لدقائق مجنونا .
    با الهي كم هي غريبة هذه الليلة ، منذ مساءها حتى لحظتها هذه .

    ويظهر بأنني قد غفوت إغفاءة قصيرة لحظة بزوغ الفجر ، حيث أفزعني لغط وصياح وضحكات ملأت فضاء المستشفى كله . هرولت مسرعا الى خارج غرفتي لأرى مرضاي جميعهم وقد استعادوا قوة بصرهم كاملاً ، وكأنهم لم يفقدوه يوما .
    ناديت مهرولا على الحارس : فادي … أين أنت يا فادي ؟
    فجاء مهرولا بوجه الجميل الضاحك وبادرني قائلا : ألم أقل لك يا سيدي .
    فقلتُ له : انه ليس بستان ورد عادي .
    - كلا يا سيدي ، انه بستان يسوع . وأنت يا سيدي أيضا ستحصل على ترقية في عملك .
    - لماذا ؟ أ أنا الذي فتحت عيونهم ؟
    - كلا يا سيدي ولكنك أحطتَّ بستان ورد يسوع بالحب والرعاية . أما أنا فقد انتهت مهمتي اليوم .
    - لماذا ؟
    - لأنني عشت حياتي كلها راعيا لبستان ورد يسوع تجدني أينما نمى بستانه وأينما تفتحت وروده في هذه الأرض . أودعك يا سيدي ، وأدعو لك الرب يسوع ليحفظك من كل سوء . فأنت رجل طيب .

    ونمت في تلك الليلة وحيداً في مستشفاي الفارغ بعد ان شُفيَّ الجميع وغادروني وقلبي يصلي : (5 تَوَكَّلْ على الرَبِّ بكل قلبكَ ، وعلى فهمك لا تعتمد 6 في كل طرقك اعْرِفْهُ وهو يقوم سبيلك ) .

    وما زالت الى يومنا هذا رائحة بستان ورد يسوع التي شممتها بنفسك تضوع من أرجاء المكان . أما الزهور الصغيرة الجميلة فقد انطبعت أشكالها وألوانها الى الأبد على وجه الصخور ، تذكرنا بتلك الليلة الرائعة التي زارنا فيها ربنا فادينا بسوع المسيح .

  • #2
    مشاركة: قصة قصيرة : بستان الورد

    God bless you Sahar

    did you write this nice story?
    ولكن ان كان انجيلنا مكتوما فانما هو مكتوم في الهالكين -
    الذين فيهم اله هذا الدهر قد اعمى اذهان غير المؤمنين
    لئلا تضيء لهم انارة انجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله .
    (2 كورنثوس 4: 3 - 4)
    للمراسلة
    sayNewMan@yahoo.com
    المدونة
    http://www.newman-in-christ.blgospot.com

    تعليق


    • #3
      مشاركة: قصة قصيرة : بستان الورد

      Dear New Man
      Thank you for your nice words. Yes, I wrote this story 3 dayes ago.

      تعليق


      • #4
        مشاركة: قصة قصيرة : بستان الورد

        Dear sister

        you have a talent

        keep an eye on it

        we expect more stories from you

        and God bless
        ولكن ان كان انجيلنا مكتوما فانما هو مكتوم في الهالكين -
        الذين فيهم اله هذا الدهر قد اعمى اذهان غير المؤمنين
        لئلا تضيء لهم انارة انجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله .
        (2 كورنثوس 4: 3 - 4)
        للمراسلة
        sayNewMan@yahoo.com
        المدونة
        http://www.newman-in-christ.blgospot.com

        تعليق


        • #5
          مشاركة: قصة قصيرة : بستان الورد


          الأخت سحر
          شكرا للرب فالمنتدى الآن به مجموعة عظيمة من الكتاب والقصصيين والمحللين ........والخ
          أننى أنتظر مستقبلا عظيما لك أختنا سحر فى تأليف القصة
          أتذكر الأن قصة حدثت منذ حوالى خمس سنوات عندما قرأت قصة عم صابر كمسارى القطار وشدت هذه القصة كل انتباهى وفكرى وتابعتها وانا أشعر بأنها قصة حقيقية أو فيلم يعرض أمامى من دقة وصف الكاتب لأحداث القصة فأرسلت له أهنئه على هذه القصة الممتعة وطلبت منه المزيد - ثم تلاها بمجموعة أخرى أجمل وعرضت عليه أن يجمع هذه القصص بكتاب أو كتب لأن بها مجموعة عظيمة يحتاجها خدام الرب فى عظاتهم واذا به يعرفنى أنه قد أكمل تصنيف هذه القصص فى سبعة كتب لمواضيع مختلفة
          وتمر الأيام واذا بى أفاجأ بصديقى وعزيزى مؤلف هذه القصص يهدينى أول كتاب من هذه الكتب السبعة يحتوى على مجموعة عظيمة من هذه القصص ويقول لى انتظر المزيد قريبا
          بقى الآن أختنا سحر أن تعرفى من هو هذا المؤلف القصصى الرائع ستجدين قصصه موجوده هنا فى المنتدى وستشعرين بأنها قصص واقعية فعلا من صميم الحياة
          أنه أخونا المحبوب الأخ عماد حنا
          فأقرئى مايقدمه لنا هنا وأتمنى من كل قلبى أن أرى أيضا أول كتاب لك يحتوى قصصك
          الرب يباركك
          نائلين غاية ايمانكم خلاص النفوس . 1 بطرس 1:9

          تعليق

          من قاموا بقراءة الموضوع

          تقليص

          الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

            معلومات المنتدى

            تقليص

            من يتصفحون هذا الموضوع

            يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

              يعمل...
              X