إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة قصيرة : نور السماوات والأرض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة قصيرة : نور السماوات والأرض

    نور السماوات والأرض


    صرخ مدير المدرسة الوحيدة في البلدة ، في وجه العامل الذي جاءه حاملا اليه عدداً كبيرا من كتب الأناجيل الجميلة هدية من كنيسة بلدته ، لتوزيعها على طلبة مدرسته احتفالا ببدء العام الدراسي الجديد .
    - ما هذا ؟ في كل سنة توزعون آلافا من كتب الأناجيل ، ما هذا التخلف … اهدونا يوماً كتبا للكيمياء أو الفيزياء أو علوم الذرة . واتركوا هذه الخرافات التي تحاولون زرعها في عقول أطفال البلدة جانبا .
    - ولكن يا سيدي … ما المانع في أن يتعرف طلبة مدرستك على نعمة عمل ربنا يسوع المسيح .
    - لا أُريد ليسوع هذا أن يتواجد في حياتي أبداً . أو أن اسمع باسمه يُنادى به أمامي بعد الآن .

    وفي هذه اللحظة انطفأت الشمس ، وأظلمت الدنيا كلها ، وعم ظلام دامس أنحاء البلدة جميعها . منع أي إنسان من رؤية زوجته أو أُخته أو ابنه أو ابنته أو جاره ، وكل من يُحب .
    وعندما حاولت ربات البيوت إيقاد شموع كانوا يحتفظون بها لإشعالها في ليلة عيد الميلاد القادم ، للحصول منها على قليل من النور ، كان يمكن أن يعم أرجاء المكان . ولكنهم فشلوا في جعل أي شمعة من مجموعتهم تلك ، أن تشتعل وتبعث بنورها اليهم .

    وطالت الظلمة . وأخذ المجرمون يجوبون الطرقات . وأنطلق الشر ، حيث لم يعد الانسان يرى من أمامه ، وقتل الأخ أخوه والأب ابنه . وعطل الظلام الدائم الأعمال ، ولذلك ترك الناس مزاولة أعمالهم جميعها . فسادت السرقة ، وتحول الجميع الى لصوص يمتهنون سرقة الآخرين . لأنه ما كان أحد بامكانه أن يتعرف على المجرم أبدا .

    واستمرت الظلمة . وأصاب الناس العمى ، لأن الظلمة حرمتهم من التمتع بنور أبصارهم فاضمحلت حاجتهم اليها شيئاً فشيئاً وانطفأ توهج بريقها ، وأصبحوا كالأسماك العمياء السابحة في أعماق المحيطات السحيقة ، لعدم حاجتها الى استعمال عيونها ، ولعدم وجود نور أصلا في بيئتها المظلمة . وعندما تلاشى نور عيونهم ، لم يعودوا قادرين على أن يُحبوا ، لأنه قديما قيل : العيون التي تُحب تتوهج في الظلام .

    وفقد الناس الطريق ، وأخذوا يتصادمون عند سيرهم ، ومن خلال محاولتهم لأيجاد طريقهم أخذوا يمررون حبالا يربطونها من مكان الى آخر ، ثم يعمدون الى تلمسها ببطئ شديد ، ويسيرون على هداها ، لسيتدلوا على طريق يوصلهم الى مبتغاهم .

    ونتيجة لانطفاء الضوء مات الزرع المعتمد في حياته كلياُ على النور ، ويبست الحقول ، وتحولت خضرتها الى صفرة .

    وترك طلبة البلدة جميعهم مدارسهم ، لعدم وجود النور الذي يساعدهم على رؤية ما مكتوب في كتبهم . وانتشر الجهل . وسادت الشعوذة والسحر . وأخذت مجموعة من الناس تعلن ان الله شرير يريد أن يضحك على الناس ويسير بهم الى الموت ، وهم ما زالوا أحياء . وكره الناس بعضهم بعضا ، لأنهم لم يعودوا يروون الآخرين . أصبح كل شخص لا يستطيع أن يُحس الا بنفسه فقط ، عاجز على أن يراها على حقيقتها ، فلا وجود للآخر أمامه . وساد الخوف ، الذي نام في أعماق القلوب .

    ولأنه لم يعد هناك نور ، انعدم استمرار الحياة ، ولم تعد تُقام الأفراح أو حفلات الزواج ، لذلك لم يتزوج أحد ، وماتت الحياة . وعم البرد ، وغاب دفء المحبة عن البيوت التي كانت قديما مشرعة ، وأضحت الآن هياكل حجر دون روح .

    كان الناس يرفعون رؤوسهم عاليا باحثين عن الشمس ، واستطاعوا رؤية قرصها بصعوبة . كانت تبدو لهم على شكل دائرة سوداء ، تتفجر حول محيطها شظايا لهب ممتدة ألسنة سوداء مخترقة فراغ الفضاء المظلم ، كانت شمساً دون نور .

  • #2
    مشاركة: قصة قصيرة : نور السماوات والأرض

    وقرر أهل البلدة البحث عن حل لحالتهم تلك . فقصدوا عالم الفيزياء في بلدتهم سائلين إياه : إن كان قرص الشمس ما زال في كبد السماء ، فأين يا تُرى ذهب نورها ؟
    فأجابهم قائلا : من قال لكم ان الشمس هي مصدر نور الكون . فالشمس ما هي الا مكان في هذا الفضاء المتناهي المظلم ، يتحد في باطنه ذرات غازي الهليوم والهيدروجين لتنفجر بعدها آلاف القنابل الذرية ، مولدة طاقة هائلة ، ندعو نحن الفيزيائيين ، جزءً صغيراً منها ، بالضوء . والضوء غير النور ، فالأول مؤلف من ملايين الفوتونات التي تحمل الينا النور ، لتدرك بواسطته أبصارنا الأشياء ، والمواد الموجودة أمامنا .
    فأنتم ممكن أن تروا الشمس وضوئها ، ولكنكم لا تستطيعون رؤية نور ضوئها ، لأن الشمس هي مصدر الضوء ، ولكنها ليست مصدر النور . وعلماء الفيزياء بامكانهم أن يصنعوا الضوء ، ويتحكموا في مقدراته ، ولكن لا أحد منهم يستطيع أن يمنح الضوء نوره .

    تركوه الناس حزانى وقصدوا بائع الشموع لعله يعرف جواباً لسؤالهم : يا تُرى أين يذهب نور الشمعة بعد أن يكتمل استعالها وينطفئ ضياءها ؟
    فأجابهم: ان هناك فرقا كبيرا بين الاحتراق والاشتعال . فالاحتراق يمكن أن يحدث دون نار أو انبعاث نور . أما سمعتم باحتراق الطاقة في جسم الانسان ، فهو يتم دون اشتعال نار ، ودون انبعاث نور . وهناك الاشتعال الذي يجب ان يصاحبه وجود نار ، ولكن ليس شرطا ان تبعث هذه النار نورا . فالشمعة يمكن لها أن تشتعل دون أن تصدر نوراً . فليس هناك علاقة بين اشتعال الشمعة وانبعاث نورها .
    فسألوه مستغربين : كيف ؟
    فأجابهم : هناك آلاف المواد يمكن لها أن تشتعل دون أن تبعث نورا كاشتعال التبغ مثلا ، أو احتراق الفحم وتحوله الى جمر دون أن يبعث نوراً ، حتى النار يمكن لها أن تشتعل وأن تحرق دون أن تبعث نوراً ، كحرقها لأطراف أصابع يد الانسان عند لمسه إياها مثلا ، لأن نورها لا أحد يعرف من أين مصدره .

    تركوه الناس غير فاهمين لإجابته . وذهبوا بائع المصابيح لعله يشرح لهم من أين يأتي النور ؟
    فقال : ان لعبتي هي الضوء وليس النور . لأنه لا أحد يعرف مصدر النور ، وإذا ضاع يوما لا يمكن للانسان النظر بعينيه بعدها ، ولذلك أطلق الناس على نعمة البصر في عيونهم بـ (نور العيون) ولم يدعوها أحدهم (ضياء العيون) !!! والنور هو ما تُدرك به حاسة البصر المواد . أي هو في حقيقته ليس البصر !

    أصاب اليأس الناس جميعهم واستداروا باحثين على مدير المدرسة ، عازمين على قتله لتخليص بلدتهم من تلك اللعنة التي لحقت بهم . وصرخوا به كيف أطفأت النور . وصاح بعضهم أين سرقته ؟ أين النور الذي كان يعم أرجاء الكون كلهُ ؟؟

    تعليق


    • #3
      مشاركة: قصة قصيرة : نور السماوات والأرض

      وأثناء تدافعهم باتجاه المدرسة ، لاح لهم من بعيد صبي جميل يقود قطيعا من الخراف قافزاً أمامها بخطوات قصيرة راقصة ، مقلدا في مشيته حركات أرجلها ، وهو يعزف على مزماره مترنما : " لأن عندك ينبوع الحياة ، بنورك نرى نوراً " .
      كانت مشيته واثقة ، لا يتلمس حبلا ولا يتعثر في مشيته ، وكان حيثما يطأ بقدميه الأرض ، يتفجر النور تحتها ألواناً . وقفوا أمامه مذهولين ، ثم اقتربوا منه سائلين إياه :
      - كيف تفعل ذلك ؟
      - أفعل ماذا ؟
      - من أين لك كل هذا النور الذي يسير معك أينما سرت وسط هذه الظلمة الحالكة .
      فقال لهم مبتسماً :
      - من قال لكم ان الدنيا ظلام . ان النور يملأ أرجاء مكاني ، ويملأ زوايا حياتي كلها .
      فقالوا له :
      - ولماذا نحن لا نستطيع أن نرى شيئا ؟
      فأجابهم :
      - لأن قلوبكم هي التي لم يدخلها النور . وإذا أردتم أن تعرفوا النور حق معرفته رددوا ورائي ، وليكن ترديدكم للكلمات نابعا من أعماق قلوبكم بكل صدق وايمان وثقة " أنا هو نور العالم . من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة " .

      وحالما نطق الجميع بتلك الكلمات ، مرددين إياها خلف الصبي غمر الأكوان كلها شلالات وأنهار من نور وضياء جرت كأمواج متدافعة غمرت طرقات البلدة وأنارت ممرات حدائقها ودفأت بيوتها .

      فصاحوا به متعجبين :
      - كيف فعلت كل ذلك لوحدك ؟
      أجابهم :
      - أنا لم افعل شيئا . ان ربنا وفادينا يسوع المسيح هو وحده الذي يفعل .
      - وهذه الكلمات أين قرأتها ؟ وأين تحتفظ بها ؟ اخبرنا .
      - ألم تقرئوا يوما ان ربنا يسوع المسيح هو مصدر نور السماوات والأرض . فهو " المولود من الآب قبل كل الدهور نور من نور " . لوكنتم تعرفوه حقاً ما عشتم في الظلمة ثانية واحدة ، فحيثما يكون يسوع يكون نوره ، ونور مجده وبهائه شلال ضياء يغمر كل هذا الوجود .

      تعليق

      من قاموا بقراءة الموضوع

      تقليص

      الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

        معلومات المنتدى

        تقليص

        من يتصفحون هذا الموضوع

        يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

          يعمل...
          X