نور السماوات والأرض
صرخ مدير المدرسة الوحيدة في البلدة ، في وجه العامل الذي جاءه حاملا اليه عدداً كبيرا من كتب الأناجيل الجميلة هدية من كنيسة بلدته ، لتوزيعها على طلبة مدرسته احتفالا ببدء العام الدراسي الجديد .
- ما هذا ؟ في كل سنة توزعون آلافا من كتب الأناجيل ، ما هذا التخلف … اهدونا يوماً كتبا للكيمياء أو الفيزياء أو علوم الذرة . واتركوا هذه الخرافات التي تحاولون زرعها في عقول أطفال البلدة جانبا .
- ولكن يا سيدي … ما المانع في أن يتعرف طلبة مدرستك على نعمة عمل ربنا يسوع المسيح .
- لا أُريد ليسوع هذا أن يتواجد في حياتي أبداً . أو أن اسمع باسمه يُنادى به أمامي بعد الآن .
وفي هذه اللحظة انطفأت الشمس ، وأظلمت الدنيا كلها ، وعم ظلام دامس أنحاء البلدة جميعها . منع أي إنسان من رؤية زوجته أو أُخته أو ابنه أو ابنته أو جاره ، وكل من يُحب .
وعندما حاولت ربات البيوت إيقاد شموع كانوا يحتفظون بها لإشعالها في ليلة عيد الميلاد القادم ، للحصول منها على قليل من النور ، كان يمكن أن يعم أرجاء المكان . ولكنهم فشلوا في جعل أي شمعة من مجموعتهم تلك ، أن تشتعل وتبعث بنورها اليهم .
وطالت الظلمة . وأخذ المجرمون يجوبون الطرقات . وأنطلق الشر ، حيث لم يعد الانسان يرى من أمامه ، وقتل الأخ أخوه والأب ابنه . وعطل الظلام الدائم الأعمال ، ولذلك ترك الناس مزاولة أعمالهم جميعها . فسادت السرقة ، وتحول الجميع الى لصوص يمتهنون سرقة الآخرين . لأنه ما كان أحد بامكانه أن يتعرف على المجرم أبدا .
واستمرت الظلمة . وأصاب الناس العمى ، لأن الظلمة حرمتهم من التمتع بنور أبصارهم فاضمحلت حاجتهم اليها شيئاً فشيئاً وانطفأ توهج بريقها ، وأصبحوا كالأسماك العمياء السابحة في أعماق المحيطات السحيقة ، لعدم حاجتها الى استعمال عيونها ، ولعدم وجود نور أصلا في بيئتها المظلمة . وعندما تلاشى نور عيونهم ، لم يعودوا قادرين على أن يُحبوا ، لأنه قديما قيل : العيون التي تُحب تتوهج في الظلام .
وفقد الناس الطريق ، وأخذوا يتصادمون عند سيرهم ، ومن خلال محاولتهم لأيجاد طريقهم أخذوا يمررون حبالا يربطونها من مكان الى آخر ، ثم يعمدون الى تلمسها ببطئ شديد ، ويسيرون على هداها ، لسيتدلوا على طريق يوصلهم الى مبتغاهم .
ونتيجة لانطفاء الضوء مات الزرع المعتمد في حياته كلياُ على النور ، ويبست الحقول ، وتحولت خضرتها الى صفرة .
وترك طلبة البلدة جميعهم مدارسهم ، لعدم وجود النور الذي يساعدهم على رؤية ما مكتوب في كتبهم . وانتشر الجهل . وسادت الشعوذة والسحر . وأخذت مجموعة من الناس تعلن ان الله شرير يريد أن يضحك على الناس ويسير بهم الى الموت ، وهم ما زالوا أحياء . وكره الناس بعضهم بعضا ، لأنهم لم يعودوا يروون الآخرين . أصبح كل شخص لا يستطيع أن يُحس الا بنفسه فقط ، عاجز على أن يراها على حقيقتها ، فلا وجود للآخر أمامه . وساد الخوف ، الذي نام في أعماق القلوب .
ولأنه لم يعد هناك نور ، انعدم استمرار الحياة ، ولم تعد تُقام الأفراح أو حفلات الزواج ، لذلك لم يتزوج أحد ، وماتت الحياة . وعم البرد ، وغاب دفء المحبة عن البيوت التي كانت قديما مشرعة ، وأضحت الآن هياكل حجر دون روح .
كان الناس يرفعون رؤوسهم عاليا باحثين عن الشمس ، واستطاعوا رؤية قرصها بصعوبة . كانت تبدو لهم على شكل دائرة سوداء ، تتفجر حول محيطها شظايا لهب ممتدة ألسنة سوداء مخترقة فراغ الفضاء المظلم ، كانت شمساً دون نور .
تعليق