إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللحن - رواية مسلسلة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللحن - رواية مسلسلة

    1
    سيارة في الظلام


    [ ]بقي حوالي ساعة وأصل... نظرت إلى ساعتي ... لقد اقتربت الساعة من الثانية عشر مساء, الوقت متأخر جداً ... لقد طالت الرحلة بي كثيرا، حتى أنى شعرت بالملل بعض الوقت, وتمنيت أن تنتهي في اكثر من مرة وأنا على الطريق, ولكني إجمالا ... لست نادمة على الطريق الذي سرت فيه.
    نظرت وأنا أسير إلى المزارع التي تحيط بالطريق في الخارج ... لم يكن هناك أحد على الطريق ... لا شيء سوى عيدان من القمح تملأ جانبي الطريق... يحيط بها صمت كثيف كما لو كانت تقف في جنازة لميت عزيز...بالطبع الأهالي نامت منذ وقت طويل، ولكن ... يبدو أنه لا يوجد في هذه المنطقة عدد كبير من السكان, فأنا لم أر في خلال سيري بالعربة أي بيوت... ترى أين يسكن هؤلاء الفلاحون الذين يزرعون هذه الأرض ... ربما يسكنون في نهاية هذا الطريق.
    أسمع أن في نهاية هذا الطريق هوة عميقة تفصل بيننا وبين الطريق الأخرى ... تلك الطريق الضيقة الغير ممهدة والمليئة بالعثرات ... أشكر الله أني اخترت هذا الطريق الواسع الرحب, ولكن أين الناس؟ ... لقد كان في بداية الطريق يحيط بي الكثير والكثير من الناس ... بعضهم يرشدني والبعض الآخر ينصحني والأغلبية تسليني وتساعدني على اجتياز الطريق ... والآن لا يوجد أحد سوى عيدان القمح النامية والتي تقف منتصبة شامخة . يبدو إنها خالية من القمح وإلا انحنت من ثقل ما تحمل ... يا الهي ... متى سأصل ... منذ أن أصبحت وحدي وأنا لا أتمني إلا الوصول.
    وفجأة قطعت أفكاري مفاجأة كبيرة ... لقد توقفت السيارة ... يبدو أن البنزين انتهي... هل انتهت رحلتي عند هذا الحد؟!! كلا ... لابد انه توجد طريقة بها تستمر رحلتي ... فعلى الرغم من أن اشتياقي لانتهاء الرحلة إلا أني أكره الوقوف في هذا المكان ... ليس هذا هو نهاية المطاف, لم يكن هذا الأمر هو حلمي وطموحي ... لذا لابد أن تستمر هذه الرحلة
    ما العمل؟!
    يجب أن أتزود بالبنزين الذي يمكنني من أن أظل سائر على الطريق ... منطقة بلا سكان ... لا ... لا يمكن أن تكون هذه المنطقة مهجورة ... لابد أن هناك بعض المزارعين ... بدأت أفكر ... هل أسير في هذا الظلام؟ أم أبقى في السيارة إلى أن تشرق الشمس؟
    ليس هناك ما يشغلني ويمكنني الانتظار... يا إلهي ... إن الانتظار في هذا السكون العجيب يخيفني ... الظلام حالك ومخيف ... بدأت أحس ببرودة المكان؟ ... كلا ... أنه صقيع ... صقيع لا يحتمل
    يجب أن أتحرك
    أسير قليلاً
    هذا القمح يدل على وجود مزارعين ... على أن أعثر على أحدهم ... ربما يعيش على مقربة من الطريق ... وإن كنت لا أطن أنه يوجد عند أحد هؤلاء المزارعين بنزين يمكن أن يسير به عربتي ... لكن ربما أجد مأوى أبيت فيه هذه الليلة فقط.
    سرت في الطريق أتأمل في سنابل القمح ... ومع الصقيع والبرد بدأت أجري ... ما هذا!! هذه السنابل المخيفة جعلت قلبي ينقبض ... أتخيلها أشباح تتربص بي في الظلام ... بدى لي أنها تكرهني ... لست أدري لماذا خطر لي هذا الخاطر على الرغم من أنها مجرد سنابل ... لا تشعر ولا تحس.
    فجأة سمعت صوت الذئاب تعوي من بعيد ... مما زاد شعوري بالرعب تضرعت إلى الله أن أجد منزلاً سريعاً وإلا سأصاب بالجنون... دقائق قليلة مرت بدت لي كأنها دهراً ... بعدها وجدت ضوءا خافتاً ينبعث من شبح منزل.
    ظللت أسير وقد هدأت نفسي قليلاً ... أخيراً سأجد مأوى ... اقتربت من المنزل الذي ينبعث من داخله ذلك النور الخفيف... المنزل ريفي كبير ويتكون من طابقين ... ظللت أقترب ... ثم عادت أنفاسي ترتجف من جديد ... أنا لا أعرف أحداً في هذا المكان الغريب... ولكن ليس أمامي فرصة أخرى ... تصنت لعلني أسمع صوتاً يدل على وجود أحد مستيقظ, وعندما اقتربت أكثر سمعت صوتاً خافتاً, أنه صوت آلة البيانو وينبعث منه لحن موسيقي غريب... اتجهت إلى باب المنزل وقد جذبني اللحن كما يجذب الرحيق النحلة إلى أن وقفت أمام الباب.
    وقفت استمع من جديد إلى ذلك اللحن, لأحن رائع على الرغم من هدوئه إلا أنه يملأ القلب بمشاعر كثيرة ... بدأ ذلك اللحن يتملكني ويهز كياني ... يبدوا أن مؤلفه موسيقار بارع... وربما يكون ذلك الموسيقار قد لجأ إلى هذا المكان الهادئ لكي يخلو إلى نفسه ويؤلف موسيقاه هذه.
    عندما توقف العزف مددت يدي وقرعت الباب بصوت خافت وانتظرت. مرت دقائق لم أسمع خلالها صوتاً سوى صوت دقات قلبي المتلاحقة... وددت أن أقرع الباب ثانية ولكن الباب أخيراً فتح لي.
    عندما فتح الباب توقعت أن يكون هناك إنارة خفيفة تنبعث من الداخل بها أستطيع أن أتبين ما حولي, ولكن للأسف كان الظلام بالداخل مثل الخارج تماما... أما مضيفي فقد كان رجلاً لم أتبين ملامحه في هذا الظلام الدامس , وإن بدت ملامحه مألوفة لي تماماً ... هممت أن أعتذر فاندفعت أقول
    - معذرة يا سيدي لأني أطرق الباب في هذا الوقت المتأخر من الليل... ولكن السيارة وقفت بي فجأة ... أعرف انه كان يجب أن اكون مستعدة أكثر من هذا حتى لا تقف السيارة بي قبل وصولي إلى هدفي ولكن ...
    أوقفني بإشارة من يده... واحمرت وجنتي خجلاً إذ بدوت كعجوز بلهاء تثرثر بلا داعي ... أما هو فبمنتهى الذوق قال لي
    - تفضلي بالدخول ... لقد كنت انتظرك, لا أعرف متي ستأتين , ولكني كنت أثق في مجيئك.
    نظرت إليه في دهشة وسألته
    - عجباً سيدي ... هل تعرفني؟
    ابتسم الرجل وتجاهل سؤالي ولكنه أفسح لي المجال وأشار إلى الداخل وقال
    - تفضلي بالدخول[/ ]

    ***
    أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
    Emad Hanna

  • #2
    مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

    أثبت لي فعلا انك عبقري و مبدع ... في انتظار الجزء الثاني الذي سيأتي بالأهم ... رائعة .

    تعليق


    • #3
      مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

      ه كلام كبير قوي يا عزيزي ... أخجلتم تواضعي ... شكرا لك
      أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
      Emad Hanna

      تعليق


      • #4
        مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

        (2)
        بيت غامض



        دخلت وأنا في غاية الاندهاش من نفسي أولاً إذ أدخل مكاناً لاأعرفه نتيجة لدعوة وجهها إلي رجل غريب ... ولكن ليس لي أي خيار في هذا بعد توقف عربتي المفاجيء ... أغلق الرجل الباب في هدوء بينما أنا أتطلع الى الداخل ... كان المنزل صغيراً كالذي أعيش فيه وجميلاً أيضا إذ تمتلء جدرانه بلوحات فنية كثيرة ...
        قال الشاب لي
        - تفضلي في الصالون
        ودخلت إلى الغرفة التي أشار بها الي ونظرت لأرى ما بها ... هي أيضا مثل المدخل مليئة باللوحات الفنية والصور كما لو كانت قاعة لمعرض.
        جلست على أول مقعد صادفني ولا يزال الشعور بالخجل لم يفارقني بعد وبكل أدب جلس الرجل إلى جواري فما كان مني الا أني عدت لأعتذر من جديد على أزعاجي له هذا المساء ولكنه أوقفني بليقاقة ثم سألني ببساطة
        - كيف أخدمك ؟
        أسرعت أعلن عن رغبتي قائلة:
        - لقد نفذ البنزين من عربتي وكنت أريد أن أعرف مكان أقرب محطة بنزين في هذه الناحية حتى أتمكن من استئناف سيري
        نظر الي بابتسامة ... لست أدري لماذا شعرت أن هذه الابتسامة خبيثة بعض الشيء ... ولكني تجاهلت ذلك ... ولكنه قال:
        - للأسف يا سيدتي ... لقد أخطأت الطريق ... فطوال سيرك كان لابد أن تسيري في الطريق الآخر وعندها لن تحتاجي إلى أي بنزين ... أما وقد وصلت إلى هنا فلا يوجد أي محطة بنزين قريبة
        كانت بالنسبة لي مفاجأة غير عادية ... صرخت من هولها:
        - ياللهول ... هل معنى هذا أني سأقضي الليل كله هنا؟
        - نعم ... الليل كله سوف تقضيه هنا ... معي
        - ما أتعسني ... لقد كنت أتمنى أن أسير في طريقي ... حتى أستطيع أن أغير من أتجاهي ...
        تحولت نظرة الرجل الي نظرة مشفقة وأن لم ينجح أخفاء بعض السخرية التي تظهر بين الحين والآخر ثم قال
        - معذرة يا سيدي ... الطريق كان من خلفك مليء بلافتات تحذير ... ووسائل كثيرة لتغيير الاتجاه ولكنك لم تلتفي اليها مطلقا
        لم ألتفت كثيراً لما قال ... كنت أتأمل الوضع من حولي ... وقلت أحدث نفسي:
        - الليل هنا مخيف والبرد شديد وقاسي
        ولكن كلماتي سمعها الرجل وبسرعة علق
        - قلت لك يا سيدتي أنه كان أمامك طوال الطريق وسيلة للتراجع ولكنك لم تفعلي ... عليك أن تبقي الليل هنا
        التفت اليه ساهمة مفكرة في طريقي الطويل ثم قلت:
        - أجل يا سيدي ... كان هناك كثير من المنعطفات والمنحنيات التي كنت أراها صعبة وغير صالحة ... وأرى أمامي الطريق جميل وسهل فكنت أقول لنفسي أنه سأبقى على هذا الطريق لفترة قبل أن أغير من اتجاهي ...
        ابتسم الرجل ابتسامة رقيقة قائلاً:
        - أجل يا سيدتي ... لقد فضلت أنت مواصلة السير على هذا الطريق رغم كل الأسهم والاشارات التي تحثك على ترك الطريق
        - هذه الطريق هي الأسهل والأسرع
        - وها قد وصلت الى نهاية الطريق
        - ما هذا البيت؟
        - هذا البيت هو البيت الذي يلجأ له كل الذين سلكوا في هذا الطريق, وكما ترين ليس في المنطقة كلها مكان آخر ... يمكن أن تسمي هذا البيت الملجأ ... لست أنت الأولى التي تأتي إلى هذا المكان ... ولن تكوني الأخيرة
        بدأت أفقد أعصابي من هذا الحوار الذي ليس له نهاية ... فنسيت لياقة الحديث وصرخت
        - قلت لك الليل هنا قاسي شديد البرودة ... لا أعرف كيف تطيقه أنت!!
        بدأت نبرة من الأسى تسيطر عليه وقال كمن ليس بيده أي حيلة
        - هذا مكاني ... المكان المعد لي.
        - أريد أن أرحل من هنا ... ألا تستطيع أن تدبر لي البنزين اللازم لأكمال سيري؟ ... أرجوك تصرف
        عادت الابتسامة تعلو وجه الرجل مع عيون بدأت تلمع ثم قال
        - أنا؟ ... أجل ... أنتظري ... لقد تذكرت الآن أنه يمكنني أن أحضر لك ما يلزمك ... سوف أحضر طلبك حالاً
        وعندما هممت أن أشكره وجدته ينهض برشاقة وسرعة وهو يتمتم بعبارات غير مفهومة والابتسامة لا تفارق شفتيه ثم سمعته يقول
        - أنتظري لبضعة دقائق فقط حتى أعود ومعي ما تطلبين
        ثم غادر الغرفة مسرعاً
        ***
        أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
        Emad Hanna

        تعليق


        • #5
          مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

          3
          بين النحلة والزهرة


          بدأت أعيد النظر إلى الغرفة من جديد ... بدت كأني دخلتها من قبل ... مليئة بالصور التي تصور بعض المناظر الطبيعية وأشخاصاً من كل لون ولهم أعمار مختلفة, وفي أركان الغرفة بعض التماثيل القديمة ... بدأت أتأمل هذه التماثيل, أنها تماثيل غريبة الشكل فبدت لي الغرفة كمعبد وثني ... فهذا تمثال الأله بوذا, وهذا تمثال لأله فرعوني قديم، وهذا يمثل زيوس اله اليونانيين القديم، ثم رأيت أيضا زفس حامي الغرباء ... أما بقية الغرفة فكان بها جهاز تلفزيون وريسيفر وفديو ... أقتربت من هذه الأجهزة فوجئت أنها لا تختلف عن التماثيل كثيراً فهي أيضاً من الحجر ... ثم ... بعض الأموال وهي أيضا حجرية!!!
          ورأيت أيضا تماثيل من أشكال متعددة, نساء عاريات, رجال من أبطال المصارعات والرياضات المختلفة, عظماء السياسيين وعظماء الفنانين ... لعب أطفال, أقلام وكتب ومجلات وتذاكر سفر ومباني ... وكانت كل هذه الأشياء وأشياء أخرى كثيرة كلها من المنمنمات الحجرية, ومجتمعة معاً في هذه الغرفة الغريبة
          كل هذه الأشياء جعلتني أتساءل عن هوية هذا الرجل الذي يجمع كل هذه الأشياء ... ولماذا من الحجر؟!! هل هو أحد الفنانين المشهورين يجمع التحف الغريبة. أم من يكون!! لقد ظللت طوال فترة ستين عاماً من حياتي عشتها وسط الأعمال الفنية والتحف واللوحات ولكني لم أر مثل هذا العدد من التحف حتى في أكبر المتاحف
          وفي ركن صغير وجدت آلة البيانو, لابد وأنه بدوره من الحجر أيضا ... تقدمت إليه ... كان بيانو حديث ولكنه ليس حجري كباقي الغرفة ... جلست على كرسي البيانو ووجدت أمامي نوتة موسيقية مكتوبة بخط اليد ... نظرت اليها ... بدون أن أشعر امتدت يدي الى أصابع البيانو البيضاء ... وضعت يدي فصدر صوت البيانو الجميل ... نظري تثبت على ذلك اللحن الموجود أمامي ... ولم أشعر بنفسي إلا وأنا قد بدأت بالفعل في العزف ... وسرعان ما نسيت كل شيء ... عربتي التي توقفت ... ذلك المكان الغريب الذي يسكنه رجل غريب ... لقد وجدت نفسي أغوص في ذلك اللحن ... أصير وكأني جزءا لا يتجزء منه ... كان الأثر الذي تركه ذلك اللحن في نفسي بالغاً هز كياني وجعلني أرحل إلى دنيا أخرى وعالم آخر.
          وانتهيت من عزف اللحن, وعدت الى أرض الواقع من جديد ... نظرت خلفي فوجدته ورائي ... ذلك الشاب ... يا إلهي , لن أنسى ما حييت تلك النظرات التي كان ينظرها الي ... وجدت في عينيه وميضاً غريباً وابتسامة على شفتيه... كانت يده الممسكة بصفيحة البنزين ترتعش
          قال لي بنبرة حاول أن يجعلها طبيعية
          - أنك ماهرة جداً في العزف يا سيدتي
          قلت في افتخار
          - لقد درست الموسيقى وأنا شابة في الثلاثين
          ابتسم الشاب وعاد لحالته الطبيعية ثم سألني
          - هل أعجبك اللحن؟
          قلت منبهرة
          - رائع ... أهو لك؟
          لمعت عينا الرجل قائلا
          - نعم ... هذا هو اللحن الوحيد الذي كتبته ... بل أنه اللحن الوحيد الذي أتقنه ... لقد أسمعته لكل الأشخاص الذين جاءوا إلى هنا ...
          أبتسمت وأنا فخورة
          - ولكني أعتقد أنا الوحيدة الذي تمكنت من عزفه
          لوي الرجل شفتيه قائلاً:
          - أنت لست محتاجة لدراسة الموسيقي لكي تعزفي هذا اللحن ... لا أريد أن أحبطك ولكن كل شخص ممن عزفته لهم تمكن من عزفه بنفس المهارة التي عزفته انت بها
          ثم ابتسم بخبث شديد لم أعرف لماذا وأكمل حديثه
          - لم يكمل اللحن بعد
          قمت من على الكرسي المواجه للبيانو وواجهت الشاب ثم سألته
          - ما أسم هذا اللحن
          ترك الرجل صفيحة البنزين جانباً وجلس على كرسي البيانو وأجاب
          - أنه لحن الموت
          - يا الهي ... هذا اللحن الجميل تسميه هذا الأسم الفظيع؟!! ... لماذا؟
          قال الرجل
          - قديماً قالوا لك عن قصة زهرة هل تذكرينها
          - زهرة ... لا , لا أذكر أنني سمعت عنقصة زهرة ... ما هذه القصة ؟ ولماذا تظن أنني أعرفها؟ ... وما علاقتها باللحن؟
          رد كمن سيقص قصة لطفلة صغيرة
          - كانت هناك زهرة تفوح منها رائحة عظرة جميلة ... وجاءت نحلة طالبة العسل ... فأفرزت تلك الزهرة مزيداً من الرائحة العطرة لكي تجذب النحلة أكثر ... النحلة اقتربت تريد أن تمتص من الرحيق ... لتصنع منه شهداً ... وأخيرا حطت النحلة رحالها على الزهرى
          وأكملت أنا القصة وأنا شاردة كما لو كنت أسمعها من أعماق سحيقة
          - فأطبقت أوراق الزهرة على النحلة وسحقتها
          فأكمل الشاب كلامي وعيونه تعطي بريق عجيب والابتسامة مرسومة على شفتيه
          - وهذا هو لحن الموت ... لقد كتبته ... كتبته هدية لأبنائي
          ***
          أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
          Emad Hanna

          تعليق


          • #6
            مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

            4


            هل هو مجنون؟


            بدأت يدا الرجل الشاب تنساب علىأصابع البيانو من جديدلأسمع ذلك اللحن العظيم من جديد، ذلك اللحن الذي لا يتناسق أبداً مع أسمه البشع "لحن الموت" لم أستسغ أبداً هذا الأسم ولم أحبه ... بدأت أسمع اللحن فيحملني على أجنحة الخيال، لأجد نفسي أخرج من تلك الغرفة الكئيبة وأرحل الى داخل نفسي فأرى أشياء كنت قد نسيتها منذ زمن بعيد ... وقبل أن أسترسل في رحلتي مع أفكاري توقف الشاب فجأة فعدت الى الغرفة فجأة ... لأجد الشاب يلتفت برأسه الى وهو يبتسم ويكرر تلك العبارة من جديد
            - لحن الموت هذا هو هدية ... هدية لأبنائي
            دهشت لهذا التوقف المفاجيء, ولكني أذت اتأمل ذلك الشاب العجيب ... حاولت أن أبادل ذلك الرجل ابتسامته بابتسامة، وأسرعت اسأله أي سؤال وان بدا ذلك السؤال بلا معنى
            - كم عددهم؟
            نظر إلى بتساؤل وبدا لي وجهه كوجه أبله ثم سأل:
            - من؟
            - أبناؤك
            نظر الي من جديد كمن لم يفهم ماذا أقصد ثم بدأ يضحك ... ضحك كثيراً بدون سبب واضح ثم أجاب
            - كثيرون ... هل تريدي أن تتعرفي عليهم؟ ... أنظري إلى هذه الصور ... انها لهم ... كل هؤلاء أبناء لي

            ثم أطلق من جديد ضحكته العالية ورجع الى البيانو وبدأ يعزف من جديد نفس اللحن ... أما أنا فبدأت أنظر إلى الصور وأنا أتساءل في تعجب ... هل يمكن لهذاالرجل أن ينجب كل هذه العدد؟!

            رحت أتأمل الصور ... صورة صورة ...ثم توقفت والتفت اليه وقد راعتني الفكرة التي وصلت اليها ... فيبدو أنني وقعت بين يدي مجنون’ فهؤلاء الرجال والنساء كثيرون ... وبعضهم أكبر منه في السن ... كيف يحدث هذا, أيريدني أن أصدق أن كل هؤلاء أبناؤه؟!!

            عدت الى البيانو ورحت أنظر اليه ... كان لا يزال يبتسم في سخرية واضحة ... بل شعرت في وجهه بعض الشماتة والتشفي لم أعرف لماذا!! ... أخذت أتأمل وجهه ... شاب لا يزيد عمره عن ثلاثين عاماً ... وسيم جداً , وجهه بشوش ومريح, وإن كانت ضحكته الأخيرة مخيفة وملامحه التي تتغير فجأه تثير الريبة ... يديه تنساب على أصابع البيانو في سلاسة ومهارة فائقة

            وفجأة أنتابني رعب شديد ... لا أعرف لماذا؟ راح قلبي يدق ... فجأة راودتني رغبة شديدة في أن أرحل ... ولكني أحتاج الى بنزين ... أخذت أقترب من صفيحة البنزين المركونة بجوار البيانو ... أخذته ... لم يشعر بي إذ أنه أستغرق تماما في اللحن ... أحاول أنا بدوري ألا أستغرق في اللحن ... بدأت أتراجع الى الوراء بهدوء حتى لا يراني وما أن اقتربت من الباب حتى نظر الي فجأة قائلاً
            - أرجوك لا ترحلي ... لست مجنوناً ... هؤلاء فعلاً أبنائي ... هم جميعاً سلكوا نفس طريقك بأسلوب أو بآخر ... وفي النهاية وصلوا إلى هذا المكان ... وبعضهم لم يزل في الطريق, ولكنهم في النهاية سيصلوا أنني يا سيدتي لست صغيرا كما يبدو .. ولكن مظهري مثل لحني ... بدونه لن تأتي النحلة التي تبغي الرحيق.
            سألته في رعب
            - أي نحلة؟ ... وأي رحيق؟
            اتسعت ابتسامته
            - أنسيت؟ ... كانت في البستان زهرة ... والزهرى تفوح رائحة
            قاطعته
            - كفى
            أزدادت ابتسامته اتساعاًً وبدا وجهه بشعاً وهو يقول:
            - أنني زهرة ... زهرة بنت الصبح ... وهذه الصور هي صور أبناءي... كلهم استمعوا الى لحني واستمتعوا به... تذوقوا من رحيقي حتى أسكرهم ... أنت تعرفينهم ... لقد صادفوك وأنت في الطريق إلى هذا المكان
            ثم عادت رجع ذلك الرجل الى وجهه السابق ... وابتسامته العذبة والتي استقبلني بها عنددخولي وعاد وجهه الصافي الحلو واختفت البشاعة وهو يقول
            - ألم تلاحظي أنني كنت أعرفك عندما فتحت الباب؟
            قلت له
            - نعم, لقد لاحظت ذلك وأنا أتساءل الآن كيف تعرفني ... أنني لم أرك قبل الآن, أيضا أصحاب هذه الصور’ أنا لا أعرفهم ولم ألتق بهم ... كيف تقول أنني أعرفهم؟
            - بل تعرفيني وتعرفين أبناءي ... وهذا اللحن الذي أعجبت به الآن سمعتيه من قبل مئات المرات ... وهو الذي جذبك إلى هذا المكان ... لقد أعجبت به وهذا يعني أنه لو دار الزمان وعاد من جديد لكنت سلكت نفس الطريق ووصلت إلى نفس المكان
            سكت الرجل ووجدته يقترب مني وتتحول عيناه البريئة الصافية الى عينان شريرة مخيفة أذابت قلبي خوفاً ... ثم همس في أذني بصوت يشبه حفيف الأفاعي ... قال لي
            - تعالي ... ستقضي الليل كله في هذا المكان ... لن تشعري بالوقت ... سنقضيه في التعرف على أصحاب هذه الصور ... قلت لك أنك تعرفينهم ... أنهم أخوتك ويسرني أن تتذكرينهم كلهم
            - قلت له
            - وعندما تشرق الشمس ... هل ستدعني أرحل؟
            نظر إلى ببلاهة ثم أبتسم ومن هذه الابتسامة خرجت ضحكة مريعة وقال لي ساخراً
            - الشمس؟ ... بالتأكيد ... إذا أشرقت الشمس سوف ترحلين
            - وهل ستعطيني البنزين اللازم لاستكمال رحلتي؟!
            - البنزين!
            وعلت ضحكة أخرى رنت أجواء المكان ثم عاد يكرر
            - البنزين؟! ... مازلت حتى الآن تطلبين البنزين؟! وتطلبينه مني أنا!! ... نعم سأعطيك البنزين الذي في هذه الصفيحة ... هذا هو ما أملكه وسوف أعطيه لك ... حتى قبل أن ينقضي الله سأعطيه لك ولكنك لن تتركينني أبداً قبل أن تظهر الشمس
            ثم أكمل ضحكته العالية وأمسك بيدي وهو يقول
            - تعالي ... سوف نرى معاً صورة تهمك
            أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
            Emad Hanna

            تعليق


            • #7
              مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

              5
              صورة المبنى القديم

              كان الرجل لا يزال ممسكاً بيدي, للينهضني من مكاني ... ثم ذهبنا أنا وهو إلى ركن مظلم من أركان الغرفة, ذلك الركن كان معلق عليه مجموعة من الصور التي بدت عليها القدم الشديد، ومن النظرة الأولى شعرت أن تلك الصور ليس لها أي قيمة فنية تذكر، ولكنه أشار الى صورة معينة وقال
              - أنظري إلى هذه الصورة.
              ونظرت ... كانت عبارة عن مبني كبير، أيضا لأول وهله عرفت أنها ليست صورة قيمة ... ولكني وجدت نفسي أتأمل ذلك المبني ... لم يكن هذا المبني غريب علي, بدى لي أني رأيته من قبل ... هذا المبني أعرفه، أنه مدرستي الأبتدائية، لقد تركت هذه المدرسة منذ أكثر من خمسين عاماً ... ولكن الصورة تصورها بحالتها التي تركتها عليها ... نظرت بعيني إلى باب المدرسة, فإذا بي وكأني أدخل من هذا الباب كما لو كنت تلميذة صغيرة في العاشرة من عمرها, لأجلس في الفصل وبجانبي طفلة صغيرة ... أنها ماجي صديقتي العزيزة ... لقد كنت أحبها كثيراً ... ترى أين هي الآن؟! ... لقد كنا ندرس معاً في المدرسة وفي البيت أيضاً ... ونذهب معاً إلى الكنيسة ... في فصل مدارس الأحد.
              أفكاري تركت المدرسة واتجهت نحو ماجي ... أخذت أفكر بها ... كانت طفلة جميلة ومحبوبة من الجميع, وكانت هي أيضا تجب الموسيقى وتعزف الكثير من الترانيم ... وكنت أشاركها أنا الترنيم وكل النشاطات الأخرى, كانت ماحي صديقتي الملاصقة لي... كنت أعتبرها صديقتي الوحيدة ولكن للأسف لم تكن تعتبرني كذلك ... كانت لها صديقة أخرى تشاركني في محبتها ... كان أسمها هبة ... كنت أغار من هبة ....إذ أنها أقرب لماجي مني ... أو هكذا كنت أشعر على الأقل وقتها ... كنت أراهما في الكنيسة معاً ... وعلى الرغم من محبتي الشديدة لماجي إلا أني لنفسي الفرصة أبداً لصداقة هبة ... كنت أرى هبة وماجي يشتركان في الصلاة معاً. فكنت أغتاظ ...ولكن لم يعرفا أبداً بغيظي هذا ... كانا يحاولان دائماً أشراكي معهما ... ونتيجة لمحبتي لماجي بدأت فعلا في هذا الشيء ... ولكن الوضع كان مختلفاً أنهم يحبون الله ... ويعبدونه بصدق ... أما أنا فلم أكن أهتم كثيراً ... كنت أمارس هذه الصلوات حتى أستطيع الإحتفاظ بصديقتي ماجي
              ولكني فشلت في الأدعاء بمحبتي للصلاة ... ولكني أيضاًكنت أغتاظ من هبة لأنها تنجح في ممارسة الصلاة مع ماجي بنفس الصدق ... كثيرا ما بكيت وغضبت من هذه العلاقة وحاولت تفريقهما ولكنني لم أستطع أبداً أن أكسر العلاقة بينهما ... وكان على أن أختار بين أن أحيا حياتهما دون تمثيل أو ابتعد
              - وابتعدت
              نظرت للمتحدث الذي دخل وسط أفكاري دون أن أتكلم ... ليرد على بهذه الطريقة المثيرة للتساؤل ... هل يسمع أفكاري؟ ... لم أعرف ولم أرد أن أفكر كثيراً في هذا وهو ببساطة أكمل كلامه
              - لقد كنت هنا في مفترق الطرق ... كثيراً ما شرحت لك ماجي ما يريده الهك منك ...وكان عليك أن تختاري بين الطريق الضيق الذي بدا لك في الأفق في أول حياتك ... وأنت بعد طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرك العاشرة وبين الطريق الواسع الذي تسيرين فيه طبيعياً ... لقد كان هناك علامة أرشاد واضحة وسهم بارز في هذا الوقت ... سهم يدل على أنه ينبغي أن تسلكي في الطريق الضيق ... فماذا فعلت؟
              لم أعلق على ما قاله ... لقد كانت المعادلة صعبة حقاً وأنا طفلة في العاشرة ... فطفولتي البريئة لم تكن تعرف معنى التدين ... فأما أن أتبع الله بصدق وأخلاص أو أترك كل شيء ... ولكن أصدقائي كيف أتركهم ... لقد كنت أحبهم
              - عند هذا الحد كان لابد لي أن أتدخل, لأن وجود هاتين الصديقتين في حياتك من شأنه مع الوقت أن يغير من طريقك بالكامل ... لذلك قمت بتعريفك على أحد أبنائي
              نظرت للرجل ببلاهة ... هل كان موجوداً منذ أكثر من خمسين عاماً؟ ... وهل كان وقتها لديه أولاد؟! ... من الواضح أن هذا الرجل مجنون ...ولكني لم أتكلم ... تركته يمسك بيدي من جديد ويتجه الى صورة أخرى معلقه بجانب صورة المبني ويقول:
              - أنظري إلى صورة هذه الفتاة الصغيرة ... هل تذكرينها؟
              ونظرت ... وعرفتها على الفور لذلك صرخت
              - أنها جين
              أبتسم الرجل وقال
              - هذه الفتاة لم تكن معك في المدرسة وليست صديقتك في الكنيسة فكيف عرفتها؟
              أخذت أفكر ... ثم قلت
              - لست أذكر متى عرفتها, لقد دخلت إلى حياتي واقتحمتها فجأة ... لقد استحوذت على أهتمامي ومحبتي بقوة شخصيتها حتى بدأت تدريجياً أفقد اهتمامي بماجي ... لقد بدأت جين تشجعني على أن أترك الكنيسة وكل الأصدقاء التي بداخلها ... لقد صورت لي جين الكنيسة كأنها شيئ بغيض واستبدلتها بأشياء أخرى ممتعة ... اللعب في النادي التدريب على لعبة التنس, أخبار الممثلين والممثلات وجمع صور لهم ... الأشتراك في فرق التمثيل والفنون الشعبية ... وعندها تحولت حياتي إلى متعة
              - بالتأكيد, فكل هذه الأشياء ليس بها أي شيء خطأ ... بالعكس لقد وضعت قدمك على أول الطريق للفن الذي عشت مخلصه له كل حياتك
              - أعرف ... لكن هذه الأمور جعلتني أبتعد كثيرا عن ماجي ... وأيضا جعلتني لا أعاني من غيرتي من هبة
              ابتسم الرجل وقال مفتخراً
              - لقد كانت فكرة ذكية ... أليس كذلك
              نظرت اليه
              - أي فكرة؟
              - لا عليك ... المهم أنك كنت وجين أشبه بعصابة صغيرة ... أليس كذلك؟
              - إلى حد ما ... لقد كنا أشقياء , ولكن حياتنا الممتعة تلك جعلت من ماجي صديقة ثانوية
              - ... وتركت يا عزيزتي أول طريق صحيح ... وسرت في نفس طريقك ... الطريق الواسع الممهد الجميل والذي جاء بك إلى هنا ...
              واقترب الشاب مني وهمس في أذني
              - عزيزتي ... هل تعرفين جين؟ ... أنها واحدة من بناتي ... لقد مضى ولتق طويل لم ترينها ... أليس كذلك؟
              - نعم لم أرها من فترة
              - سترينها الآن يا عزيزتي ... والآن هل تودين أن تتعرفي على أبن آخر لي؟
              - نعم ... أريد أن أرى ... ولكن ... ألا يمكن أن أرى صورة لماجي وهبة هنا؟
              نظر إلى وتحولت نظراته إلى نظرة غاضبة شريرة وقال لي والشرر يتطاير من عينيه حتى ملأ قلبي رعباً
              - كلا ... ماجي وهبة لا يأتوا إلى هذا المكان ... لن تريهم أبداً ... وأياك أن تذكري أسماءهم هنا ... لقد حاولت أن أجعل منهم بنات لي لكنهم كانوا بنات للعلي ... حاربتهم ... ضايقتهم ... لكن هم أنتصروا ... كان معهم سلاح
              - هم الآن في نهاية الطريق الآخر ... ويفصلنا عنهم هوة عميقة
              نظرت له بلا فهم
              - حاربتهم؟ ... لماذا؟ ... وهل كنت تحاربني أنا أيضا؟
              أعاده هذا السؤال إلى هدوءه فجأة وقال بابتسامة ساخرة
              - وهل يحارب المرء أبناءه ... لنر صورة أخرى
              ***
              أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
              Emad Hanna

              تعليق


              • #8
                مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

                6
                همسات الحية


                ألتفت الى الصور المعلقة في ذلك الجانب المظلم من الحائط وبداخلي خليط من المشاعر المتباينة، أستغرب نفسي أني تذكرت تلك الشخصيات التي في ذلك الزمن السحيق, ويبدو أن الأنسان عندما يكبر في السن لا يعود يتذكر الا تلك الشخصيات التي تركها في شبابه ومراهقته, فأنا الآن أذكر تلك المراهقات التي كن معي كما لو كانوا موجودين معي الآن ... أيضا كنت أستغرب على أختياراتي’ فكيف أترك فتيات مؤمنات وديعات وأتجه الى تلك المجنونة جين ... وكيف لم أفكر في كل هذا من قبل, أهو وقت الحساب الآن!!! لماذا يتسبب كل هذا في ضيقي الآن وأحاسب نفسي عليه, نظرت الى الرجل المبتسم الساخر وهو يشير الى الصورة ونظرت حيث أشار.
                هذه الصورة ذات قيمة فنية فعلاً, كانت عبارة عن منظر رائع لفتاة تركع على قدميها تصلي بخشوع كبير, وبجانبها أفعى كبيرة من نوع الكوبرا, كانت تلك الأفعى تهمس في أذنها كما لو كانت تحثها على متابعة الصلاة ... ومن الخلف الشمس تغرب.
                وعلى الرغم من جمال الصورة إلا أنها جعلت قلبي ينقبض, بحثت عن توقيع الرسام لم أجده ولكني شعرت بالشاب يقترب مني بهدوء فالتفت فجأة ليبتعد بسرعة ... سألته
                - لمن هذه الصورة؟
                - أجاب بهمس
                - أنها لك ... أنظري ... أنت أيضاً لك مكااً في هذه القاعة ... هل اقتنعت الآن أنك تعرفيني!!
                قلت معترضة
                - هل هذه الفتاة لي!!... ولكني لا أذكر أني صليت بهذه الصورة من قبل
                نظرت اليه فوجدت عيونه تلمع وهو مستمتع إلى أقصى درجة ويرد علي بتأكيد مع أنفعال شديد
                - بل فعلت ... ألا تذكرين! هذه الصورة مرسوة لك ... وأنت الوحيدة التي يجب أن تتذكري هذ الموقف
                وبدأت أفكر ... متى صليت إلى الله بهذه الحرارة؟ لقد عشت حياتي أرفض الله، ولا أقتنع حتى بوجوده ... لم يكن الله الهي في يوم من الأيام ... نظرت الى تلك الفتاة المرسومة ... كانت صغيرة لا يزيد عمرها عن الخمسة عشر عاماً, وعادت الأيام تتراجع في مخيلتي من جديد ... بينما تركني الشاب وأسرع الى البيانو في منتهى الخفة وبدأ يعزف لحنه المميز وهو يقول بصوت عال
                - سأعزف اللحن حتى تتذكري ... أنه لحن الموت والذي يسمعه يتذكر كل شيء ... يتذكر السم الذي يأكله مع الشهد ... الرحيق الذي يسعى اليه من زهرة قاتلة ... هيا تذكري ... تذكري الماء المسموم الذي يتجرعه الأنسان برغبته ورضاه ... هيا تذكري وأنا أعزف اللحن
                الأيام والسنون تجري أمامي وأنا أرى نفسي مراهقة من جديد في عمر الزهور .. لأجد نفسي جالسة على الرمال ... أركع وأصلي ... كنت في واحدة من التجمعات الدينية التي كانوا يخرجون اليها الشبيبة, كانوا يسمونها "خلوات" ... كنت بالفعل أصلي إلى الله, ولكن من كان بجانبي؟ ... لم تكن أفعى كما هو مرسوم ... نعم أنني أتذكر ... لقد كان خداماً للمكان ... نعم ... قس ... لماذا لا يوجد في الصورة !! لقد كان قبلها يقص على قصة مللت من تكرارها ... أنها قصة الفداء .
                وفجأة أنتابتني قشعريرة ويتجسدأمامي الموقف ... وجدتني أسمع صوت القس يقول
                - الرب يسوع صلب لأجل خطايانا ... وأقيم لأجل تبريرنا ... لقد صنع كل شيء لأجلك ... ويملك كل الحق لكي تسلمي حياتك له ... فهل تفعلي؟ّ ..
                نعم لقد كانت رسالته واضحة وأنا أذكرها جيداً الآن ... يومها ذكر الخادم قصة ذكرت في الكتاب المقدس فقال "... إِنْسَانًا مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَي الدَّيْنُ. فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ" وعلق قائلاً أن يسوع هو الذي دفع ديوننا على الخشبة ... لذلك يجب أن نسلمه حياتنا فهل تقبليه؟
                ترك الرجل العزف وبدأ يتجه الى ... ثم دخل داخل أفكاري وقال
                - في الحقيقة لقد كان ذلك الخادم يشرح قصة الفداء بقوة وإخلاص ويطلب منك أن تسلمي حياتك لذلك المخلص بشدة ... فماذا فعلت أنت؟
                نظرت له, وقلت كمن أكلم نفسي
                - كنت في هذا الوقت في المرحلة الثانوية وعواطفي لا زالت بكراً فركعت لكي أصلي وأقدم ذاتي وحياتي للسيد
                - لقد كنت وقتها في مفترق الطرق ... في الحقيقة كان هذا الأمر من أصعب الأمور التي واجهتني معك ... كنت أخاف من تلك الصلاة التي تجعل منك عدوة لي إلى الأبد لذلك وأنت تركعين أرسلت لك هذه الحية التي في الصورة ... لم ترينها ولكن صوتها داخلك كان واضحاً ...
                نظرت إلى الحية وسألته
                - ماذا كانت تقول لي هذه الحية؟ ... هل كانت تريد أن تمنعني عن الصلاة؟
                ابتسم الرجل ساخراً
                - بل كانت تحثك على الصلاة ... ولكنها كانت تمُليك الصلاة التي تناسب وهذه المواقف ... لقد كانت تذكرك بكل ما عليك أن تتركيه ... أصدقاء وعادات وأفكار ... كانت تربك أفكارك تجاه تلك الحياة الجديدة التي سوف تسيرين فيها وتجعلك تتساءلين ... هل يمكن أن تنجحي رغم كل الحفر والمطبات الموجودة في الطريق الجديد؟
                قلت له وأنا أتذكر هذا الأمر كما لو كنت أعيض الحدث نفسه
                - في الحقيقة كل هذه الأفكار راودتني بالفعل وأنا أجثو للصلاة
                - كنت تخافين من مشاكل الطريق الصعب ... والحروب ضد الخطيوة التي تحبينها بالفعل ... وكل ما فعلته تلك الحية هي أنها همست في أذنك لن تنجحي في تسليم حياتك كما طُلب منك
                - ولكني صليت
                - أجل صليت ... صليت ما أملته عليك تلك الحية
                كنت شاردة وأخذت أكرر
                - أجل أنا أذكر صلاتي جيداً... قلت للسيد أني سأحاول أن أكون فتاة جيدة ... ولن أفعل الشر وسأحافظ على ذهابي إلى الكنيسة قدر استطاعتي .. وسأحاول أيضاً أن أخدمك قدر أستطاعتي.
                نظر إلى الشاب ... كان يبتسم نفس الأبتسامة الخبيثة ثم قال
                - هذه الصلاة تبدو أنها صلاة رائعة ولكنها لم تكن كذلك
                - لماذا؟
                - لأنها لم تغير أتجاهك ... لقد عدت لتسيري في الطريق الواسع الممهد الذي يؤدي الى هذا المكان ... عدت إلى طريقي أنا ... الطريق الذي أريده
                - هل عندما أقول أني سأحاول أن أكون جيده أكون في طريقك؟
                - أكيد ... التدين هو غاية ما أتمناه ... لأنه يسكن القلب, ويجعلك تطمئنين الى أعمالك, ولكن ما من أعمال غيرت أنسان ... الأنسان فاسد ولا يصلح لعمل أي شيء من تلقاء ذاته ... كان لابد من خليقة جديدة تولد داخلك ... ولكنك لم تطلبي ذلك مطلقاً
                نظرت له ولم أجد ما أقوله


                يتبع
                أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
                Emad Hanna

                تعليق


                • #9
                  مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

                  7
                  ريشة رسام


                  أخذت أردد داخلي كلماته "الأنسان فاسد ولا يصلح لعمل أي شيء من تلقاء ذاته ... كان لابد من خليقة جديدة تولد داخلك ... ولكنك لم تطلبي ذلك مطلقاً"
                  - خليقة جديدة؟ ... ولكن الخادم قال أن صلاتي خلقت مني خليقة جديدة
                  أخذ الرجل يضحك ... ويقول,
                  - ولكنك لم تطلبي بالفعل ما طلبه منك الخادم ... أن خالقك يريد التسليم الكامل, ولا يريد سواه ... يريد أن يسمع رغبتك في أن يكون هو الملك والسيد على الحياة ... أما أنت فقلت أنك تريدين أن تكوني جيدة ! وهذه هي النتيجة
                  - وما هي النتيجة
                  أطلق الرجل ضحكته المخيفة وقال
                  - النتيجة أن حياتك ظلت في قبضتي أنا ...
                  وضحك الشاب من جديد في سعادة أما أنا فلم اتمالك نفسي ... أريد أن أبكي ... ولكن الدموع تحجرت في مقلتي والبرد لا يزال يحاوطني ... الشاب يضحك ضحكة الانتصار ... لم أعد أحتمل تلك الضحكة ... صخت
                  - كفى
                  علت ضحكته أكثر
                  - كفي ... كفي
                  أما هو فلوح لي بقبضته بطريقة مسرحية مع صوت ضحكته العالي
                  - لقد كنت في قبضتي ... هنا ... ألم تفمي؟!
                  صرخت فيه
                  - من أنت؟ وكيف كنت في قبضتك وأنا لم أرك قبل الآن؟
                  ابتسم في سخرية وقال لي
                  - ألم تعرفي بعد؟ لنعد لنر صورة أخرى ربما تتعرفي فيها علي
                  - صورة أخرى؟ كلا ... لم تعد لي الرغبة في رؤية هذه الصور ... أنها تؤلمني ... أنا أخاف من صورك
                  - صوري؟ ... من قال أنها صوري هي صورك أنت
                  - أنا لم أراها من قبل
                  ضحك في سخرية وقال
                  - قلت لك تعال لنرى صورة أخرى
                  فوجئت من لهجته الآمرة ... نظرت إلى وجهه خفت ... عيناه صارمتان ... كان كمن لم يألف مني المعارضة قبل الآن ... قلت له
                  - كلا... أتركني ... أنا أريد أن أتأمل هذه الصورة مرة أخرى
                  عندها تركني الشاب ... كان كل همه أن أظل أنظر إلى تلك الصور ... رجع في رشاقة الى البيانو وراح يعزف على البيانو, كان نفس اللحن, والشاب يضحك بجنون بينما أنا أتأمل تلك الشابة التي تمثلني ... شابة جميلة لها نظرة بريئة طفولية ... تصلي, الذي يراها يظن أنها صارت أبنه لله ... تباً لهذه الأفعى ... لقد خدعتني ولكن أنا السبب, لقد تركت نفسي أستمع إليها ... لم يكن عندي أي استعداد لترك حياتي القديمة, وفي نفس الوقت عاطفتي وقلبي يحثاني على أن أتبع السيد ... ولكن في كل هذه الصورة لم أر الخادم ... كيف يمكن أغفال هذه الشخصية المحورية في الصورة؟ ... نظرت الى الرجل ... كان لا يزال يعزف على البيانو ... دقات قلبي تسرع من الخوف ... متى ينتهي هذا الليل حتى أعادر هذا المكان المقبض؟!!
                  أخذت اتأمل الشاب وعندما رآني قد ابتعدت عن الصورة توقف الشاب عن العزف فأسرعت أسأله
                  - أين الخادم الذي كان يعظني؟ ...لماذا لا أراه في هذه الصورة؟
                  نظر الي في غضب وصرخ
                  - الخادم ليس له مكان هنا ... أنه لن ير هذا المكان وصورته أيضاً لا مكان لها هنا ... لذلك لم يظهر سواك ... والآن هل انتهيت من هذه الصورة أريد أن أريك صورة أخرى
                  - أنتظر ... أريد أن أعرف من الرسام
                  ابتسم في سخرية
                  - أنظري الى التوقيع ... هل ترينه؟
                  ونظرت ... وكانت لي مفاجأة مذهلة ... لقد كانت هذه الصورة تحمل توقيعي أنا الشخصي.
                  ***
                  أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
                  Emad Hanna

                  تعليق


                  • #10
                    مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

                    8
                    شجرة زابلة


                    - والآن هل انتهيت من هذه الصورة؟ أريد أن أريك صورة أخرى.
                    بدأت دقات قلبي تزداد, هذه الصورة بريشتي أنا ... هي تصف طريقي الذي سرته حتى وصلت إلى هنا ... صورتان في أول الطريق تسببا في إيلامي وبعض الندم ... ففي كل مرة أصل إلى مفترق الطرق وأفشل في اختيار الطريق السليم ... ترى ماذا يمكن أن أرى في الصور الأخرى؟!! ... سرت في بدني قشعريرة جعلتني أرتعد وأنا أتقدم مع الشاب لأرى صورة أخرى ... ووقفت أمام صورة لمنظر طبيعي جميل ... وابتسم الشاب
                    - أنظري إلى هذا المشهد الجميل
                    كانت الصورة تمثل شجرة تين جميلة ولكنها كانت ذات أوراق زابلة ... ولها غصن متكسر يلتف من حولها عيدان القمح, وشخص ملامحه غير واضحة يقف كما لو كان ينتظر الحصاد ... في أعلى الصورة مرسوم بعض العصافير تطيبر هنا وهناك ... بعضها يقف على الشجرة ويصنع لنفسه أعشاشاً ...
                    - أنك فنانة يا عزيزتي ... تعرفين معاني الصورة جيداً
                    لم أعرف أن كان يسمع ما أقوله في سريرتي أم أنها مجرد عبارة ثناء قالها صدفة , قلت له
                    - هذه دراستي وهوايتي ومهنتي ... وكذلك وكذلك هي متعتي.
                    فاقترب مني الشاب وهمس فبدا صوتهأ صوته كحفيف أفعى وهو يقول
                    - كل هذه الصور مرت بحياتك فلماذا لم تستخدمي قدرتك على التحليل والفهم لمعاني تلك الأعمال الفنية في وقتها, ربما كنت في مكان آخر الآن
                    ثم ضحك وقال:
                    - أنك ياعزيزتي صنعت أروع اللوحات وريشتك لها من اللمسات الرائعة ما يتيح لتخليدك على الأرض لأجيال عديدة بعد مماتك... ولكن مع ذلك تحليلك لهذا الأعمال جاء متأخر ... أنك لم تحلليها إلا الآن
                    شعرت أني بلهاء لا أفهم ما يقوله ... وعلى الرغم أني رأيت أمضائي على واحدة من الصور إلا أني لم أشعر أن هذه الصور من ريشتي, فقلت معترضة
                    - ولكن هذه الصور لم أصنعها ... وهذا الشاب الذي في الصورة لا أعرفه ... وهذه أول مرة أرى فيها هذه اللوحة فكيف أمتلك أمر نقدها وتحليلها
                    أطلق الشاب ضحكة مريعة وقال
                    - أن حياتك هي الريشة التي صنعت كل هذا ... ولسانك هو الذي حللها الآن ... هذه الصورة أيضاً لك ... ومذيلة بأمضاءك ... إنك سوف تتذكرين كل شيء ... إستمعي إلى اللحن الذي له طالما سمعتيه فانتشيت من صوته... وأسكرتك نغماته ... أنه لحن يذكرك بكل شيء ... فاستمعي له
                    وبخطوات سريعة يتجه إلى البيانو من جديد ... وبهمة ونشاط يبدأ في العزف ... ولكن لم تعد أذناي تستمع بذلك اللحن, لقد جاء صوته في أذني مختلفاً ... لم أعود مأخوذة به ... ولم تعد نغماته تسكرني والبرد والصقيع ينخران في جسدي المتعب الضعيف فيزيد من رجفتي ... تباً لهذا الشاب ... ألا يرحم عجوز ضعيف مثلي؟
                    - أنظري الى الصورة ... لقد رأيتها من قبل ... بل أن هذه الصورة رأيتها مئات المرات قبل أن تسأمي منها ... أنظري أليها ... تحققي منها ... أنها لك .. اللحن يذكرك بها...
                    - ترى ... ماذا تعني هذه الصورة؟ رحت اتأمل المنظر ... ماذا يعني هذا الحقل؟ وهذه الشجرة ... وتلك العصافير؟
                    وفجأه بدأت أحدق في الصورة من جديد, لأجدن وقد بدأت أدخل ضمن ثنايا الصورة لأسمع صوتاً أعرفه جيداً ... كان يقول "هوذا الفعلة قليلون والحصاد كثير, عليك أن تعمل في حقل الرب ... إذا كنت قد قبلت المسيح في حياتك كرب وسيد على كل الحياة لابد أن تعمل في كرم الرب"
                    ووجدت كل شيء يتحول حولي بعد ذلك الصوت الذي سمعته عبر السنين لأكون جزء من صورة وتتحول أعواد القمح من حولي إلى أطفال صغار يرنمون ويسبحون, وأنا أمامهم ارنم معهم وأحثهم على الترنيم بقوة ونشاط ... كنت شابة في ثانوي, وبعد أن صليت في المؤتمر ووعدته أن أكون على أحسن ما يكون أعتبروني في الكنيسة مؤمنة ... بدأت أذهب إلى الكنيسة بانتظام, وبعد هذا أنجذبت للخدمة في مجال مدارس الأحد ... اختفت جين من حياتي وبدأت حياتي تأخذ شكل جديد.
                    وعندما وصلت في تفكيري إلى هذا الحد نهض الشاب من على البيانو وجاء الي وقال
                    - لقد سررت جداً بك ... وشجعتك لكي تستمر خدمتك
                    نظرت إليه وقلت
                    - هل أفهم من هذا أن هذه الصورة هي صورتي فعلاً؟!
                    - بالطبع ... لقد قلت لك ذلك من قبل .. لماذا لا تصدقيني ... هي لك وهذه الأعواد هي أطفالك الصفار ... بعضهم صار ضمن أبناءي الكثيرين ... أما الآخرون فقد اختفوا من هذه اللوحة تماماً بعد أن قرروا تغيير اتجاههم ... رحلوا دون أن أعرف كيف أنقذهم ... لم تنجحي أنت معهم!!
                    أخذت اتأمل الصورة بفخر ... فأخيراً وجدت لنفسي صورة مشرقة تتعب ضميري ولا تؤرقني ... تأملت بها جيدا ... وفجأة صرخت معترضة دون أن اخطط لهذا وقلت
                    - ولكن هذه الصورة لا يمكن أن تكون لي ...
                    ابتسم الرجل وسأل
                    - لماذا؟
                    - هذه صورة لشاب وليست لفتاة ... كيف أكون أنا هذا الشاب؟
                    وهنا ضحك الرجل ضحكة عالية وقال بسخرية
                    - ومن قال أن هذا الشاب هو أنت ...
                    نظرت له ببلاهة وسألت
                    - من هو اذاً؟
                    رد ببساطة
                    - أنه أنا ... ألم أقل لك أنني أعرفك ... لماذا لا تصدقين هذا ... ها هي صورتي موجودة في حائطك وبين مقتنياتك ومزيلة بتوقعيك ...
                    أخذت اتأمل الصورة ...وأنا أتساءل
                    - إذاً أين أنا من هذا المشهد؟ لايوجد في السورة سوى عيدان القمح وأنت وهذه الشجرة ... شجرة التين الذابلة
                    ولم يتكلم الشاب بل ظل يبتسم تلك الابتسامة الساخرة بينما أنا ظللت اتأمل تلك الشجرة وقد فهمت كل شيء ... لقد كنت أنا هي تلك الشجرة الذابلة الغير مثمرة ... وسرعان ما تبدل فخري حجلاً ... وسرت من داخل أعماقي رجفة وحزن عميق ... لقد فهمت الآن ما كنت أفعله ... فنظرت للشاب وقلت بأسى:
                    - أن هذه الشجرة الذابلة هي أنا ... شجرة ميتة, لا يمكن أن تعطي حياة للآخرين ... لا يمكن أن تحيي أحد ... أنها بلا ثمر
                    ووجدت نفسي أبكي من جديد ... فحتى خدمتي لم تكن ذا قيمة ... عادت أوصالي المرتعبة ترتعد من جديد ... البرد يشتد الذكرى تكاد تحطمني ... وتساءلت ... متى يأتي النهار؟
                    أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
                    Emad Hanna

                    تعليق


                    • #11
                      مشاركة: اللحن - رواية مسلسلة

                      لازلت أنظر في نفس الصورة ... أحاول أن افهم ما تحتويه م معاني, التصق بي الشاب وهمس في أذني بصوت يشبه حفيف الأفعى
                      - لقد كنت يا صديقتي العزيزة خير معاونة لي , بخدمتك في مجال مدارس الأحد أقنعت أنت الكثير ممن تعرفينهم بالبقاء تحت سلطاني ... بعد أن كدت أفقدهم
                      سألته
                      - وما هذه العصافير؟
                      - هذا ما حصنتك به ... لقد ساعدتني كثيراً, فهذه العصافير هي الأفكار التي حاولت أن أجعلها تسيطر عليك, لكي تبعد عنك أي تفكير آخر ... لقدقصدت أن تحوم حولك فقط فتتبلبل أفكارك ولا تنصتي إلى كلام كوكب الصبح المنير التي تصلك من كل اتجاه داخل الاجتماعات ...
                      صرخت
                      - ولماذا طاوعتك؟
                      ابتسم الرجل في خبث وقال
                      - أسألي نفسك ...أنت المسؤولة الوحيدة عن الأجابة على مثل هذا السؤال ... في الواقع أنت أيضاً كنت خير مساعدة لي في تثبيت تلك الأفكار التي شتت من تفكيرك ... فبدلاً من طرد هذه الأفكار أو العصافير كما هي مرسومة صنعت لها عشاً فوق رأسك ... أليس هذا جميلاً منك؟
                      لم أتمالك نفسي فصرخت
                      - غبية انا ... غبية ... كلا ... متى يأتي النهار, أريد أن أرحل من هنا ... أريد أن أبتعد عن هذا المكان الكئيب ... ومن هذا الطريق كله ... أريد أن اغير أتجاهي ... أريد أن أبتعد عنك أيها الشاب الكريه.
                      ببرود قال
                      - أنا كريه! ... هذه هي أول مرة تصفينني بهذا الوصف ... ألم تعرفي هذا إلا الآن؟ .... كلا يا عزيزتي لست كريهاً ... أنا أرفض هذا المسمى وهذا الوصف اليي وصفتني به ... أنا زهرة ... زهرة بنت الصبح, ثم ... أنا لا أفعل شيئاً سوى أنني أريك نفسك ... وصوراً بريشتك ...
                      - هذه الصور مضى عليها وقت طويل فلماذا أراها الآن؟
                      - ألم تحبي هذه الصور ... وأقيمت لك معارض كثيرة في القاهرة والأسكندرية فصرت من أكبر رسامات جيلك؟ ... لماذا تغضبين الآن؟
                      - كلا ... لم أعد أحبها الآن ... لا أريد أن اراها ... أنني لم أعد أبحها ... أتسمعني ... لن أرى صورك الكريهة هذه
                      أبتسم في سخرية ثم تحولت هذه البسمة إلى ضحكة بشعة وقال بصوت خلته كنعيق غراب
                      - ولكنها صورك أنت ... ريشتك رسمتها على مسرح الحياة ... أنظري اليها أن كل صورة من هذه الصور تتحدث عنك أنت وتتزيل بأمضاءك ... لقد عشت طوال عمرك تدرسين الفن والتصوير والرسم ... هل نسيت؟ بل لقد دفعت ثمناً مقابل هذه الدراسة ... هل نسيت؟
                      صرخت بدوري
                      - ولكني لم أعد أحبه ... لم أعد أحبه ... أتفهم؟ وأنت الشخص الوسيم الجذاب أراك الآن بشعاً ... أبتعد عني ... لن أنتظر بقية الليل معك , سأخرج من هنا
                      ومددت يدي وأمسكت بالنزين من جديد واتجهت إلى الباب ولكن الشاب أمسكني بيد قوية كادت تعتصر زراعي ثم قال
                      - لازلت كما أنت يا ماري ... كنت دائماً تريدين الهرب مني , تعرفين عني الكثير بسبب ذهابك الدائم للكنيسة في فترة ثانوي, ولكنك كنت تفشلين, تفشلين من التخلص مني, وسوف تفشلين ألآن ... لأنك ببساطة كل مرة تريدين تركي تستخدمين أحدى وسائلي, وهذا هو ما تفعلينه الآن ... تريدين الرحيل فتأخذين مني أنا البنزين ... هذا البنزين لي, يخصني
                      - سأعيده لك في أول فرصة
                      - كيف تزعمين أن تريدين تركي وفي يديك شيء يخصني ... أتريدين أن تخرجي من تحت سلطاني يا ماري ؟ هذا لن يكون ... لقد اتفقنا على أنك ستبقين معي طوال الليل ... والليل لم ينته بعد
                      ثم عادت ابتسامته الهادئة التي استقبلني بها تعلو قسمات وجهه وقال
                      - أما عن الصور , فلا مانع أن نبتعد عنها قليلاً
                      هدأت أعصابي قليلاً بينما البرد بدأ يتسرب مرى أخرى إلى عظامي ... أسناني تصطك من البرد, أرتجاف, خوف, وصور في مخيلتي لا نجح في طردها مع ضمير متعب ... كل هذا والرجل يبتسم ... لم أسأل عن أسمه, لقد قال أنه زهرة ... وهذا الأسم أعرفه لكني لا أذكر متى عرفته ... لم أسأله , لماذا؟ لست أدري... ربما لشعوري الداخلي بالخوف من معرفة حقيقة ما أنا فيهالآن ... لست أدري ... الرجل ينظر الي ... وفجأة تكلم الرجل ... ليفاجئني بسؤال لم أكن أتوقعه
                      - هل تذكرين قصة دخولك كليك الفنون الجميلة؟ ... لماذا لا تقصيها علي؟

                      [
                      أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
                      Emad Hanna

                      تعليق


                      • #12
                        رد: اللحن - رواية مسلسلة

                        ما رأيكم ... هل نرجع للكتابة في هذه القصة ام انها مملة ، لنبحث عن شيء آخر؟
                        أحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ... وقريبك كتفسك
                        Emad Hanna

                        تعليق

                        من قاموا بقراءة الموضوع

                        تقليص

                        الأعضاء اللذين قرأوا هذا الموضوع: 0

                          معلومات المنتدى

                          تقليص

                          من يتصفحون هذا الموضوع

                          يوجد حاليا 1 شخص يتصفح هذا الموضوع. (0 عضو و 1 زائر)

                            يعمل...
                            X