شاهد للمسيح

حياة شاهدة للمسيح

أشكر الله كثيرًا لأنه شاء بإرادةٍ صالحة أن تتقاطع حياتي مع حياة القس عزت عفيفي، ذلك التقاطع الذي شَّكل في حياتي وقدم ليَّ الدعم في بداية خدمتي وتحداني كثيرًا، فتلامست معه بعمقٍ واستمتعت بوداعته ولطفه ومحبته العميقة الصادقة.
لا يمكنني أن أتجاهل تأثير الأوقات التي تبادلنا فيها أطراف الحديث وتشاركنا تحديات الخدمة وفتح قلبه وشاركني خبرات الألم القاسية، تلك اللحظات التي أثرت حياتي وأغنت خبراتي؛ وذلك من خلال حياته الشاهدة للمسيح.

نبذة عن حياته

ولد القس عزت عفيفي في 21/ 7/ 19975 في قرية الغريزات التابعة لمركز المراغة، محافظة سوهاج. شكلت طبيعة القرية وثقافتها في طبيعته وإيمانه، كان كثيرًا ما يتحدث عن علاقته بالله النابعه من خبرة حياته في قريته ووسط عائلته. كان يمتلك طبيعة هادئة متأملة منذ الصغر. لقد تمّ قبوله للدراسه في كلية اللاهوت، وتخرج منها عام 1996م. كان شغوف للخدمة والعمل المُرسلي منذ بداية دعوته للخدمة. ومنذ بداية خدمته كان يحلم دائمًا بتأسيس كنيسة في مدينة مرسى مطروح على الرغم أنه لم يذهب إليها من قبل. حفظ هذه الدعوة في قلبه طوال فترة تواجده في الكلية وكان يُعلنها لأصدقائه بالكلية بأن لديه حلم تأسيس عمل انجيلي هناك بمطروح. 117632053_300653654348742_3350466028505625356_n.jpg
وبعد تخرجه خدم في بداية خدمته في قرية "البربا"، أحد القرى التابعة لمركز صدفا محافظة أسيوط، كانت الكنيسة في ذلك الوقت بها تحديات عديدة في المباني، وفي ظل التحديات الأمنية في ذلك الوقت كان يقوم ببناء الكنيسة ليلًا، ويحمل الطوب والرمل علي كتفه، ليبني جدران جديدة للكنيسة داخل الجدران القديمة الآيلة للسقوط، متحديًا كل الصعوبات في ذلك الوقت. كما كانت الكنيسة بدون راعٍ لمدة أكثر من ٤٥ سنة، وكان عليه أن يُدرب ويتدرب في آن واحد؛ بنى الكنيسة برغم كل التحديات التى واجهته، وعندما اكتملت رؤيته لها بعد مرور ٥ سنوات، قدّم للكنيسة نموذج للتفاني، وترك شعبًا يحب كنيسته، ويعرف كيف يتعامل مع راعيه ويكرمه، ترك داخلهم محبة غامرة وعلاقات مستمرة لم تنقطع.
ثم بعد ذلك انتقل إلى ديروط، مع تحديات أخرى واجتهاده في تعميق السلام والمحبة والنظام في الكنيسة، وبالرغم من نجاح الخدمة ومحبة الشعب الكبيرة له في ديروط ومحبته لهم بعمق، حدث حادث كان بمثابة تحريك المياه الراكده تجاه حلمه القديم تجاه زرع كنيسة بمطروح. لقد كان هذا الحادث عبارة عن تصادم مركبة بخارية بابنه الكبير "عهد" وهو بعمر ٨ شهور والرب نجاه بمعجزة، ورغم الألم الناتج نتيجة هذا الحادث، لكنه شعر في روحه أن الله يتكلم له ويُذكره بدعوته ورؤيته التي كاد أن ينساها مع الاستقرار، ومحبة شعب الكنيسة له، ونجاح الخدمة هناك. فبعد مرور ٣ سنوات؛ فكان عليه أن يتحرك وراء الرؤية الأولى والتي بدأت معه منذ أن كان فى كلية اللاهوت وهى زرع كنيسة فى مدينة مرسى مطروح كان تفكيره مُختلفًا حول رؤية الحياة ودوره في ملكوت الله وكثيرًا ما ردد: «انه وأسرته مثل إبراهيم، يسكنى فى خيمة حسب دعوة الرب لمكان ما يجب أن نرحل ونطيع صوت الرب.» 46644892_973913046139600_4692806680654643200_n (1).jpg

في مطروح، قابل كثير من التحديات بكافة أنواعها، فلم يكن يعرف المدينة ولم يزورها من قبل ولكنه استعان بالقس حاتم فكري أخو زوجته فقد عمل بمطروح لمدة خمس سنوات قبل تفرغة للخدمة. في أول الأمر، كان يذهبا سويًا للمشي في شوارع مطروح للصلاة. كان يذهب لمدة يوم ويصلي ويرجع آخر اليوم، ثم بعد ذلك عرف بعض الأشخااص وقام بزيارتهم، لم يكن مكلف من قبل المجمع أو السنودس لهذا الأمر. ولكن ككارز وراعي لديها رؤية وحلم يذهب إلى مكان بدون أي إمكانيات وموارد، لكن بالصلاة والعمل المتفان في كرم الرب، استطاع أن يبدأ أول اجتماع فى منزل اشتراه لنفسه من أمواله الخاصه في إرث أبيه، وبعد ذلك اتسعت الخدمة. حيثُ لم يكن هناك أيَّة كنائس إنجيلية أو عمل مُرسلي، فمنذ ذهابه إلى مطروح هو وأسرته عام ٢٠٠٥ م. دون أن يعلم ماذا يفعل، وكيف يبدأ، لكن الرب قاده، إلى تشكيل الكنيسة الإنجيلية بمطروح واتساع وانضمام أعضاء، وسيم بها شمامسة وشيوخًا في عام ٢٠١٣، واستمرت خدمته في مطروح حتي عام ٢٠١٥ في نجاح وبركة، شهد عنها الجميع. وعندما اكتملت الرؤية، وأصبحت هناك كنيسة إنجيلية مشيخية رسمية بمرسى مطروح مجمع الدلتا، انتظم بها أعضاء وشيوخ رسميين، واشترى أرضًا لبناء مكان للعبادة.
ومرة أخرى بدعوة إلهية كان من الصعب عليه جدًا أن يترك الكنيسة، والناس الذين أحبهم وأحبوه، ولكن بعد اكتمال الرؤية، جاءت له دعوة من كنيسة الكويت وتوجه إلى هناك هو وأسرته، قضى بها ٩ أشهر فقط، اهتم فيها برعاية الشعب وقام بالكرازة في مناطق بعيدة وجديدة، واهتم بالمغتربين ومن واجهوا صعاب الحياة؛ فكان راعيًا خادمًا مضحيًا للجميع، قد باركه الرب بركات وافرة، وخدمة مؤثرة وسط أخوته. وبرغم قصر المدة، لكن تأثيرها ممتد.
بعد رجوعه من الكويت، كان يُريد الذهاب إلى الإسماعيلية، رغم كل التحديات التي كان يعرف أنها ستواجهه، وبرغم ذلك ذهب هو وأسرته معًا. خدم بالإسماعيلية وبالرغم من التحديات الموجودة بالإسماعيلية قبِل طلب لجنة العمل الرعوي والكرازي للخدمة، قام بتجميع الشعب بعد أن تركوا الكنيسة، وفي نفس التوقيت اندلعت أحداث الثورة، وهجَّرت جماعة داعش المسيحيين من العريش، واستقبل القس عزت أولى دفعات المهجَّرين، وساعدهم في إيجاد سكن، وبعدها قامت بعض الكنائس الأخري والجهات المختلفة باستقبال الباقين. واجهة أسرة الراعي كثير من التحديات فالرحيل من مكان إلى مكان مختلف أخر يقابله تحدي الأولاد، ودراستهم، والنقل والأصدقاء، كان هذا مرهقًا جدًا للأولاد على المستوى النفسي، فتكوين صداقات جديدة ثم التخلي عنها شئ فى غاية الصعوبة!
مدة خدمته فى الإسماعيلية كانت سنة ونصف في أصعب الأوقات في تاريخ هذه المنطقة والكنيسة، كان كل همه النفوس والناس وليس المكان وكيف يجمع شعب الكنيسة الذى تشتت فى كل مكان حتى لو اجتمعنا خارج أسوار الكنيسة، وكان هذا سببًا فى تحريك المياه الراكدة فى الإسماعيلية. واستخدمه الرب مع المهجرين من العريش وكان أول من استقبلهم وجهز لهم أماكنًا لايوائهم ومساعدتهم والعلاقة لم تنقطع.
وأخيرًا، ذهب القس عزت لرعاية الكنيسة الإنجيلية ببني مزار لمدة ثلاثة اعوام وخمس شهور، في رعاية أمينة ومحبة باذلة وعطاء مستمر، حتي بعد اكتشاف مرضه بعد عامين من وجوده في الكنيسة وبالأخص بعد رجوعه من إرساليته بالسودان 11/ 11/ 2020. 110111382_3111768525547665_5652586658102339615_n.jpg

لم يثنه الكانسر عن تقديم كل محبة وخدمه ورعاية وتعليم، علي العكس اعتبر القس عزت المرض رسالة، وأن الرب يريده من خلال مرضه أن يرفع الضعيف ويسند المحتاج ويرعي الشعب، ووسط خضم أهوال الألم والمرض، قاد كنيسته الغالية مع مجلسها الموقر في خدمة كرازة ومحاولة زرع كنائس في بعض المناطق الجديدة، مع تفرغ خادم معه بالكنيسة لخدمة الكرازة الأخ أسامة، وقاد الكنيسة لخدمة لمسة يسوع، والتي من خلالها قدمت الكنيسة خدمة عملية للمحتاجين والمرضي خاصة في ظل انتشار فيروس كورونا. واهتم أيضًا بالعمل المرسلي للكنيسة المحلية فذهب مرات عديدة للسودان قدم فيها كرازة، وتلمذة، ومتابعة، ورعاية لقبائل كثيرة هناك قبلت المسيح. وكان يحلم بمتابعة مستمرة لخدمة هذه المناطق وتلمذتها ونموها، نعم أهتم بالكنيسة المحلية والكرازة والتلمذة والعمل المرسلي ومساعدة المحتاجين، إيمانًا منه بدعوته الإلهية ورسالته التي كلفه بها الله متكلًا علي نعمته. وانتقل القس عزت للمجد في 8 فبراير 2021 تاركًا حياة حافلة شاهدة للمسيح تأثر بها كل من تقابل معه، ليكون المجد لله وحده.