مشاركة: الملك الألفي
لا أدري إذا كان عرض هذا الموقف سيأتي في مداخلات الأحباء أم هم أكتفوا بالقدر السابق، لقد إندهشت قليلا من عدم عرض مفصل لما يؤمن به "لاحقوا الألفية" postmil رغم أن الكثير من المصلحيين كانوا يؤمنون به ومنتشر في كتاباتهم أمثال: جون كالفن، زوينجلي، أيزاك واتس، جونثان إدرواردس، تشارلز هودج، ب ب ورفيلد، جون أوين. كما علم به كثير من أباء الكنيسة في عصور مختلفة مثل أغسطينس، أثاناسيوس، يوسابيوس، وغيرهم.
سأحاول عرض الفكرة بإختصار أرجوا ألا يكون مخل ثم بعدها أعلق على بعض الجمل في المداخلات السابقة، وبعدها أترك لكم الأسئلة التي يمكن أن تثار.
بماذا يؤمن لاحقوا الألفية.
يؤمن لاحقوا الألفية أن مملكة المسيح بدأت بقيامته ومستمرة في إنتشارها منذ القيامة وحتى مجيء المسيح ثانية. هذه المملكة لا تنتشر بعنف أو بحركة ثورية ولكن بسيف الروح أي بكلمة الله وبعمل الروح القدس في المؤمنين. وسيستمر إنتشار مملكة المسيح حتى يصبح العالم كله حقل حنطة مع وجود القليل من الزوان – فالمسيح وعدنا بحقل حنطة وليس حقل زوان – وسيكون للملكة ظهور ملموس في العالم نتيجة إتباع الإرسالية العظمى التي يؤدي إتباعها إلى تلمذة الأمم. وهذه الأمم المتلمذة تحيا حسب وصايا المسيح في كل نواحي الحياة كما علم الكتاب المقدس. وفي نهاية إنتشار مملكة المسيح التي ستعم العالم ستكون فترة من الرخاء والرغد يظهر فيها بوضوح ثمار هذه المملكة. في نهاية هذه الفترة سيطلق الشيطان ثانية وتحدث الردة العظيمة عندها سيأتي المسيح ثانية فيقيم الأموات ويدين المسكونة، يعطي المملكة لأبيه بعد أن يهزم أخر عدو وهو الموت، وعندها ستبدأ الأبدية.
هذه العرض يتفق بشكل كبير مع المدرسة الحرفية A-mil ولكنه يختلف عنها في نقطة مهمة وهي إنتشار مملكة المسيح، وأن هذه المملكة لها ظهور أرضي، لذا أعتقد أن الخطوة المنطقية أن أنتقل أولا لطبيعة مملكة المسيح في الكتاب ونرى إذا كان لها وجود أرضي أم لا، لكن قبل هذا أود أن أتعامل مع إعتراض قد أثير في مداخلات سابقة حتى لا يكون عائقا ً أثناء القراءة. هذا الإعتراض يتمثل في آية "مملكتي ليست من هذا العالم" وكما أشار أحد الأحباء أن هذه الآية مبتورة، وقام مشكورا بإكمالها، لكن ليسمح لي أن أكمل سياق اللآية نفسها ليتضح معناها.
الآية جائت في سياق محاكمة المسيح وهي المحاكمة التي صرخ فيها اليهود لبيلاطس قائلين "إن أطلقت هذا فلست محبا لقيصر" مذكرين بيلاطس بأنه خاضع لسلطة قيصر وأن كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر. ونفس هذا الموقف هو الذي حاول بيلاطس أن يظهر للمسيح سلطانه قائلاً: "ألست تعلم أن لي سلطانا أن أصلبك وسلطانا أن أطلقكك" فما كان من المسيح إلا أن أجابه "لم يكن لك علي سلطان البته لو لم تكن قد أعطيت من فوق" ففي هذا السياق الذي يؤكد فيه المسيح على سلطان الآب على كل شيء حتى على بيلاطس نفسه كان هذا الحوار بين بيلاطس والمسيح: " ثم دخل بيلاطس ايضا الى دار الولاية ودعا يسوع وقال له انت ملك اليهود. اجابه يسوع امن ذاتك تقول هذا ام آخرون قالوا لك عني. اجابه بيلاطس ألعلي انا يهودي.امّتك ورؤساء الكهنة اسلموك اليّ.ماذا فعلت. اجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم.لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلّم الى اليهود.ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس أفانت اذا ملك.اجاب يسوع انت تقول اني ملك.لهذا قد ولدت انا ولهذا قد أتيت الى العالم لاشهد للحق.كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يو 33:18-37)
الملاحظ أن جملة "مملكتي ليست من هذا العالم" لم تكن جوابا على أي سؤال سأله بيلاطس، بل الأكثر أن المسيح عندا سأله بيلاطس إن كان ملكا أجابه بسؤال "أمن ذاتك تقول..." فالمسيح هنا لا يملك مملكته ولا يضعها خارج نطاق العالم بل ما يقوله طبقا للسياق هو أن السلطان الذي له ليس له مصدر أرضي، وأن مملكته لا تسير بأسلوب ممالك العالم. ففي الإصحاح السابق مباشرة وفي نهاية صلاة المسيح الشفاعية نجده يقول "مجد ابنك ليمجدك أبنك أيضا اذ اعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة ابدية لكل من اعطيته" فالمسيح قد أعطى من الأب سلطانا على كل جسد بما في ذلك بيلاطس وقيصر أنفسهما. وعلى ذلك فمملكة المسيح ليست من هذا العالم تعني سلطان وسلطة هذه المملكة فهي لم يعطيها قيصر، لا تنتشر بجنود وجيوش بل أعطاها له الآب.
ما هي طبيعة مملكة المسيح في الكتاب المقدس.
ربما أفضل بداية لعرض طبيعة مملكة المسيح هو ما قاله المزمور 72: " يشرق في ايامه الصدّيق وكثرة السلام الى ان يضمحل القمر. ويملك من البحر الى البحر ومن النهر الى اقاصي الارض. امامه تجثو اهل البرية واعداؤه يلحسون التراب. ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة.ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية. ويسجد له كل الملوك.كل الامم تتعبد له."
فما يعلنه ربنا من خلال سليمان أن مملكة المسيح ستنتشر من البحر إلى البحر، وأن كل الملوك والأمم تتعبد له. وهذا العرض مع مملكة المسيح لا يتفق مع فكرة أنه مجرد ملكوت روحي على مجموعة من المؤمنين المنتشرين هنا وهناك، بل هي مملكة منتشرة ويخضع لها حتى الملوك. ويؤكد على هذا داود في المزمور الثاني: "اني اخبر من جهة قضاء الرب.قال لي انت ابني.انا اليوم ولدتك
اسألني فاعطيك الامم ميراثا لك واقاصي الارض ملكا لك، تحطمهم بقضيب من حديد.مثل اناء خزّاف تكسّرهم، فالآن يا ايها الملوك تعقلوا.تأدبوا يا قضاة الارض. اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعدة. قبّلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق لانه عن قليل يتقد غضبه.طوبى لجميع المتكلين عليه"
فالآب سيعطي الأبن "الأمم" ميراثا وأقاصي الأرض ملكا. وما يؤكد أن هذه المملكة على الأرض وأن المسيح يملك عليها من خلال قديسيه
"مستحق انت ان تأخذ السفر وتفتح ختومه لانك ذبحت واشتريتنا للّه بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وامّة وجعلتنا لالهنا ملوكا وكهنة فسنملك على الارض" وهو مماثل لما قاله دنيال في الإصحاح السابع " كنت ارى في رؤى الليل واذا مع سحب السماء مثل ابن انسان اتى وجاء الى القديم الايام فقربوه قدامه. فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبّد له كل الشعوب والامم والألسنة. سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض اما انا دانيال فحزنت روحي في وسط جسمي وافزعتني رؤى راسي. فاقتربت الى واحد من الوقوف وطلبت منه الحقيقة في كل هذا.فاخبرني وعرّفني تفسير الامور. هؤلاء الحيوانات العظيمة التي هي اربعة هي اربعة ملوك يقومون على الارض. اما قديسوا العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة الى الابد والى ابد الآبدين" "دا 13:7-18)
والذي يؤكد أن هذه المملكة ليست بعد القيامة أو أن الكتاب لا يتكلم هنا عما سيحدث في الأبدية هو ما قاله أشعياء "فيقضي بين الامم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل.لا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب فيما بعد"
فحسب أشعياء هناك إحتمالية للحرب وهذا إحتمال غير قائم أساسا في الأبدية. ونرى نفس الفكرة في أرميا "ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد اخاه قائلين اعرفوا الرب لانهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الرب.لاني اصفح عن اثمهم ولا اذكر خطيتهم بعد"
فحسب دنيال ستكون هناك صعوبة في الكرازة لأن الجميع يعرفون الرب، ولكن وجود إحتمالية للكرازة يعني أن هذه المملكة ليست هي الأبدية حيث أنه في الأبدية إحتمالية الكرازة غير موجودة أصلا.
أما عن إنتشار هذه المملكة فهو سيتم بأن تتبع الكنيسة الإرسالية العظمى وتتلمذ الأمم، وتعلمهم أن يحفظوا وصايا المسيح. والكنيسة قادرة على أن تحمل هذه المهمة لأن المسيح دفع له كل سلطان في السماء وعلى الأرض، سواء كان هذا السلطان روحي أم مادي أم غيره. فالكتاب لا يعرف هذا الفصل الغريب الموجود حاليا بين الدين والحياة، فحسب الكتاب كل شيء يفعله المؤمن يفعله لمجد الله، بما في ذلك الملك، الحكم، السياسة القضاء، الأكل، الشرب،... ومحاولة الفصل هذه تأتي من ثقافة المجتمع وليس من الكتاب.
لكي لا أطيل سأكتفي بهذا القدر وأنتقل لبعض التعليقات على ما وضعه الأحباء فيما قبل.
أولا: طريقة عرض الموضوع من خلال كتابات مختلفة سيصل بنا بالتأكيد إلى عدم الفهم وأعتقد أنه بعد عرض الأفكار ينبغي علينا أن نجعل الكتاب يشرح نفسه بنفسه فهذا هو مرجعنا الأوحد.
ثانيا: تعجبت من المقدمة الموجودة لكتاب القس "عزت سمعان" من كتابه بمثابة وثيقة تعبر عة الرأي الرسمي للكنيسة، سبب تعجبي هو أن بعض أشهر الإنجيليين في التاريخ وأكثرهم دراية بالكتاب لم يأخذوا الموقف الذي أخذه القس عزت.
ثالثا: جاء في كتاب القس عزت سمعان الملك الألفي "التى ورد فيها لفظ الألف سنة جاءت فى سفر رمزى نبوى غامض .فقد كتب يوحنا الرائي سفره حوالى عام 98م , أيام الإمبراطور الرومانى دومتيان , الذى كان يضطهد الكنيسة بعنف ,ونفى يوحنا إلى جزيرة بطمس"
هذا الكلام أبعد ما يكون عن الصحة لأسباب هامة، أولها أن سفر الرؤية ليس بهذا لغموض إذا تركنا الكتاب يفسر نفسه بل بالعكس سنجد أنه واحد من أكثر الأسفار تشجيعا للمؤمنين على عمل الله في كنيسته. والسفر نفسه يوجد مفاتيح فهمه في العهد القديم وأحيانا في السفر نفسه وليس في نشرات الأخبار.
كون أن سفر يوحنا كتب عام 98 م وبالرغم من إنتشار هذه المعلومة إلا أنها خاكئة، هذه المعلومة تعتمد على رأي شخص واحد هو "إيريناوس" وقد جائت في مقطع واحد من كتابه "ضد الهرطقة" والجملة التي ذكر فيها دومتيان هي: "We will not, however, incur the risk of pronouncing positively as to the name of Antichrist; for if it were necessary that his name should be distinctly revealed in this present time, it would have been announced by him who beheld the apocalyptic vision. For that was seen not very long time since, but almost in our day, towards the end of Domitian's reign" (Irenaeus, Against Heresies, v. xxx. 3)
هذه الجملة كما نرى غير واضحة من الأساس وهي أكثر إبهاما باليوناني، فلا نعرف منها من الذي رؤي في عصر دومتيان هل هو يوحنا، أم سفر الرؤية، أم الرؤية نفسها. بالإضافة لذلك إيريناوس شخصيا لا يمكن الإعتماد عليه كمؤرخ ففي كتاباته بعض الأمور العجيبة تاريخيا مثل أن المسيح عاش حتى تعدى الخمسين عاما، وأن هناك أربعة أناجيل لأن هناك أربع جهات وأربعة رياح، فلا أعتقد أن شخص بهذه المعلومات تاريخيا يمكن الإعتماد عليه كمؤرخ. أنا لا أتكلم عن مكانته ككاتب أو كخادم بل فقط على قدراته كمؤرخ.
وعندما نجد أنه المرجع الوحيد لهذه المعلومة التي تربط السفر (أو يوحنا، أو الرؤيا لا نعرف) بدومتيان فالمفترض أن لا يأخذ كلامه كأمر مسلم به.
بالإضافة لذلك أدلة السفر الداخلية تؤكد إنه كتب في عهد نيرون ويمكننا الرجوع لهذه الأدلة فيما بعد.
أخيراً: بعض الأحباء عرض فكرة أن هذا الموضوع لا يهم ولا يفرق لأنه لن يكون موجودا، وأعتقد أن هذا الرأي فيه الكثير من الخطورة، فهو يخالف ما يقوله الكتاب في سفر الرؤيا نفسه فهو يبدأه بـ"رؤ 1 :3 طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون اقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب" وفي أخر سفر فيه "رؤ 22 :7 ها انا آتي سريعا.طوبى لمن يحفظ اقوال نبوة هذا الكتاب". فالمسيح يقول لنا في بداية ونهاية إعلانه طوبى لمن يحفظ (أي يعمل بـ) أقوال النبوة ونحن نقول we don't care، أعتقد أن هذا الرد لا يليق أن نجيب به رب المجد، فالمفترض علينا أن نقول له ليكن لنا كقولك.
وطبعا لو أخطأ أحدنا في فهم آيات الكتاب فعلينا أن نعود لها ونتحاور لكي نموا أكثر في معرفة الرب، بدلا من أن نقول أنه موضوع لا يهم. فلا أعتقد أن الهنا يكلف نفسه أن يرسل لأبنائه كتاب لا يهم، ولا أعتقد أن إلهنا يأمر عبيده وسيقبل ردهم هذا الأمر لا يهم.
شكرا وتحياتي وأعتذر عن الإطالة وأعتذر لو أزعجت أي منكم
لا أدري إذا كان عرض هذا الموقف سيأتي في مداخلات الأحباء أم هم أكتفوا بالقدر السابق، لقد إندهشت قليلا من عدم عرض مفصل لما يؤمن به "لاحقوا الألفية" postmil رغم أن الكثير من المصلحيين كانوا يؤمنون به ومنتشر في كتاباتهم أمثال: جون كالفن، زوينجلي، أيزاك واتس، جونثان إدرواردس، تشارلز هودج، ب ب ورفيلد، جون أوين. كما علم به كثير من أباء الكنيسة في عصور مختلفة مثل أغسطينس، أثاناسيوس، يوسابيوس، وغيرهم.
سأحاول عرض الفكرة بإختصار أرجوا ألا يكون مخل ثم بعدها أعلق على بعض الجمل في المداخلات السابقة، وبعدها أترك لكم الأسئلة التي يمكن أن تثار.
بماذا يؤمن لاحقوا الألفية.
يؤمن لاحقوا الألفية أن مملكة المسيح بدأت بقيامته ومستمرة في إنتشارها منذ القيامة وحتى مجيء المسيح ثانية. هذه المملكة لا تنتشر بعنف أو بحركة ثورية ولكن بسيف الروح أي بكلمة الله وبعمل الروح القدس في المؤمنين. وسيستمر إنتشار مملكة المسيح حتى يصبح العالم كله حقل حنطة مع وجود القليل من الزوان – فالمسيح وعدنا بحقل حنطة وليس حقل زوان – وسيكون للملكة ظهور ملموس في العالم نتيجة إتباع الإرسالية العظمى التي يؤدي إتباعها إلى تلمذة الأمم. وهذه الأمم المتلمذة تحيا حسب وصايا المسيح في كل نواحي الحياة كما علم الكتاب المقدس. وفي نهاية إنتشار مملكة المسيح التي ستعم العالم ستكون فترة من الرخاء والرغد يظهر فيها بوضوح ثمار هذه المملكة. في نهاية هذه الفترة سيطلق الشيطان ثانية وتحدث الردة العظيمة عندها سيأتي المسيح ثانية فيقيم الأموات ويدين المسكونة، يعطي المملكة لأبيه بعد أن يهزم أخر عدو وهو الموت، وعندها ستبدأ الأبدية.
هذه العرض يتفق بشكل كبير مع المدرسة الحرفية A-mil ولكنه يختلف عنها في نقطة مهمة وهي إنتشار مملكة المسيح، وأن هذه المملكة لها ظهور أرضي، لذا أعتقد أن الخطوة المنطقية أن أنتقل أولا لطبيعة مملكة المسيح في الكتاب ونرى إذا كان لها وجود أرضي أم لا، لكن قبل هذا أود أن أتعامل مع إعتراض قد أثير في مداخلات سابقة حتى لا يكون عائقا ً أثناء القراءة. هذا الإعتراض يتمثل في آية "مملكتي ليست من هذا العالم" وكما أشار أحد الأحباء أن هذه الآية مبتورة، وقام مشكورا بإكمالها، لكن ليسمح لي أن أكمل سياق اللآية نفسها ليتضح معناها.
الآية جائت في سياق محاكمة المسيح وهي المحاكمة التي صرخ فيها اليهود لبيلاطس قائلين "إن أطلقت هذا فلست محبا لقيصر" مذكرين بيلاطس بأنه خاضع لسلطة قيصر وأن كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر. ونفس هذا الموقف هو الذي حاول بيلاطس أن يظهر للمسيح سلطانه قائلاً: "ألست تعلم أن لي سلطانا أن أصلبك وسلطانا أن أطلقكك" فما كان من المسيح إلا أن أجابه "لم يكن لك علي سلطان البته لو لم تكن قد أعطيت من فوق" ففي هذا السياق الذي يؤكد فيه المسيح على سلطان الآب على كل شيء حتى على بيلاطس نفسه كان هذا الحوار بين بيلاطس والمسيح: " ثم دخل بيلاطس ايضا الى دار الولاية ودعا يسوع وقال له انت ملك اليهود. اجابه يسوع امن ذاتك تقول هذا ام آخرون قالوا لك عني. اجابه بيلاطس ألعلي انا يهودي.امّتك ورؤساء الكهنة اسلموك اليّ.ماذا فعلت. اجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم.لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلّم الى اليهود.ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس أفانت اذا ملك.اجاب يسوع انت تقول اني ملك.لهذا قد ولدت انا ولهذا قد أتيت الى العالم لاشهد للحق.كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يو 33:18-37)
الملاحظ أن جملة "مملكتي ليست من هذا العالم" لم تكن جوابا على أي سؤال سأله بيلاطس، بل الأكثر أن المسيح عندا سأله بيلاطس إن كان ملكا أجابه بسؤال "أمن ذاتك تقول..." فالمسيح هنا لا يملك مملكته ولا يضعها خارج نطاق العالم بل ما يقوله طبقا للسياق هو أن السلطان الذي له ليس له مصدر أرضي، وأن مملكته لا تسير بأسلوب ممالك العالم. ففي الإصحاح السابق مباشرة وفي نهاية صلاة المسيح الشفاعية نجده يقول "مجد ابنك ليمجدك أبنك أيضا اذ اعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة ابدية لكل من اعطيته" فالمسيح قد أعطى من الأب سلطانا على كل جسد بما في ذلك بيلاطس وقيصر أنفسهما. وعلى ذلك فمملكة المسيح ليست من هذا العالم تعني سلطان وسلطة هذه المملكة فهي لم يعطيها قيصر، لا تنتشر بجنود وجيوش بل أعطاها له الآب.
ما هي طبيعة مملكة المسيح في الكتاب المقدس.
ربما أفضل بداية لعرض طبيعة مملكة المسيح هو ما قاله المزمور 72: " يشرق في ايامه الصدّيق وكثرة السلام الى ان يضمحل القمر. ويملك من البحر الى البحر ومن النهر الى اقاصي الارض. امامه تجثو اهل البرية واعداؤه يلحسون التراب. ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة.ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية. ويسجد له كل الملوك.كل الامم تتعبد له."
فما يعلنه ربنا من خلال سليمان أن مملكة المسيح ستنتشر من البحر إلى البحر، وأن كل الملوك والأمم تتعبد له. وهذا العرض مع مملكة المسيح لا يتفق مع فكرة أنه مجرد ملكوت روحي على مجموعة من المؤمنين المنتشرين هنا وهناك، بل هي مملكة منتشرة ويخضع لها حتى الملوك. ويؤكد على هذا داود في المزمور الثاني: "اني اخبر من جهة قضاء الرب.قال لي انت ابني.انا اليوم ولدتك
اسألني فاعطيك الامم ميراثا لك واقاصي الارض ملكا لك، تحطمهم بقضيب من حديد.مثل اناء خزّاف تكسّرهم، فالآن يا ايها الملوك تعقلوا.تأدبوا يا قضاة الارض. اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعدة. قبّلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق لانه عن قليل يتقد غضبه.طوبى لجميع المتكلين عليه"
فالآب سيعطي الأبن "الأمم" ميراثا وأقاصي الأرض ملكا. وما يؤكد أن هذه المملكة على الأرض وأن المسيح يملك عليها من خلال قديسيه
"مستحق انت ان تأخذ السفر وتفتح ختومه لانك ذبحت واشتريتنا للّه بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وامّة وجعلتنا لالهنا ملوكا وكهنة فسنملك على الارض" وهو مماثل لما قاله دنيال في الإصحاح السابع " كنت ارى في رؤى الليل واذا مع سحب السماء مثل ابن انسان اتى وجاء الى القديم الايام فقربوه قدامه. فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبّد له كل الشعوب والامم والألسنة. سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض اما انا دانيال فحزنت روحي في وسط جسمي وافزعتني رؤى راسي. فاقتربت الى واحد من الوقوف وطلبت منه الحقيقة في كل هذا.فاخبرني وعرّفني تفسير الامور. هؤلاء الحيوانات العظيمة التي هي اربعة هي اربعة ملوك يقومون على الارض. اما قديسوا العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة الى الابد والى ابد الآبدين" "دا 13:7-18)
والذي يؤكد أن هذه المملكة ليست بعد القيامة أو أن الكتاب لا يتكلم هنا عما سيحدث في الأبدية هو ما قاله أشعياء "فيقضي بين الامم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل.لا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب فيما بعد"
فحسب أشعياء هناك إحتمالية للحرب وهذا إحتمال غير قائم أساسا في الأبدية. ونرى نفس الفكرة في أرميا "ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد اخاه قائلين اعرفوا الرب لانهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الرب.لاني اصفح عن اثمهم ولا اذكر خطيتهم بعد"
فحسب دنيال ستكون هناك صعوبة في الكرازة لأن الجميع يعرفون الرب، ولكن وجود إحتمالية للكرازة يعني أن هذه المملكة ليست هي الأبدية حيث أنه في الأبدية إحتمالية الكرازة غير موجودة أصلا.
أما عن إنتشار هذه المملكة فهو سيتم بأن تتبع الكنيسة الإرسالية العظمى وتتلمذ الأمم، وتعلمهم أن يحفظوا وصايا المسيح. والكنيسة قادرة على أن تحمل هذه المهمة لأن المسيح دفع له كل سلطان في السماء وعلى الأرض، سواء كان هذا السلطان روحي أم مادي أم غيره. فالكتاب لا يعرف هذا الفصل الغريب الموجود حاليا بين الدين والحياة، فحسب الكتاب كل شيء يفعله المؤمن يفعله لمجد الله، بما في ذلك الملك، الحكم، السياسة القضاء، الأكل، الشرب،... ومحاولة الفصل هذه تأتي من ثقافة المجتمع وليس من الكتاب.
لكي لا أطيل سأكتفي بهذا القدر وأنتقل لبعض التعليقات على ما وضعه الأحباء فيما قبل.
أولا: طريقة عرض الموضوع من خلال كتابات مختلفة سيصل بنا بالتأكيد إلى عدم الفهم وأعتقد أنه بعد عرض الأفكار ينبغي علينا أن نجعل الكتاب يشرح نفسه بنفسه فهذا هو مرجعنا الأوحد.
ثانيا: تعجبت من المقدمة الموجودة لكتاب القس "عزت سمعان" من كتابه بمثابة وثيقة تعبر عة الرأي الرسمي للكنيسة، سبب تعجبي هو أن بعض أشهر الإنجيليين في التاريخ وأكثرهم دراية بالكتاب لم يأخذوا الموقف الذي أخذه القس عزت.
ثالثا: جاء في كتاب القس عزت سمعان الملك الألفي "التى ورد فيها لفظ الألف سنة جاءت فى سفر رمزى نبوى غامض .فقد كتب يوحنا الرائي سفره حوالى عام 98م , أيام الإمبراطور الرومانى دومتيان , الذى كان يضطهد الكنيسة بعنف ,ونفى يوحنا إلى جزيرة بطمس"
هذا الكلام أبعد ما يكون عن الصحة لأسباب هامة، أولها أن سفر الرؤية ليس بهذا لغموض إذا تركنا الكتاب يفسر نفسه بل بالعكس سنجد أنه واحد من أكثر الأسفار تشجيعا للمؤمنين على عمل الله في كنيسته. والسفر نفسه يوجد مفاتيح فهمه في العهد القديم وأحيانا في السفر نفسه وليس في نشرات الأخبار.
كون أن سفر يوحنا كتب عام 98 م وبالرغم من إنتشار هذه المعلومة إلا أنها خاكئة، هذه المعلومة تعتمد على رأي شخص واحد هو "إيريناوس" وقد جائت في مقطع واحد من كتابه "ضد الهرطقة" والجملة التي ذكر فيها دومتيان هي: "We will not, however, incur the risk of pronouncing positively as to the name of Antichrist; for if it were necessary that his name should be distinctly revealed in this present time, it would have been announced by him who beheld the apocalyptic vision. For that was seen not very long time since, but almost in our day, towards the end of Domitian's reign" (Irenaeus, Against Heresies, v. xxx. 3)
هذه الجملة كما نرى غير واضحة من الأساس وهي أكثر إبهاما باليوناني، فلا نعرف منها من الذي رؤي في عصر دومتيان هل هو يوحنا، أم سفر الرؤية، أم الرؤية نفسها. بالإضافة لذلك إيريناوس شخصيا لا يمكن الإعتماد عليه كمؤرخ ففي كتاباته بعض الأمور العجيبة تاريخيا مثل أن المسيح عاش حتى تعدى الخمسين عاما، وأن هناك أربعة أناجيل لأن هناك أربع جهات وأربعة رياح، فلا أعتقد أن شخص بهذه المعلومات تاريخيا يمكن الإعتماد عليه كمؤرخ. أنا لا أتكلم عن مكانته ككاتب أو كخادم بل فقط على قدراته كمؤرخ.
وعندما نجد أنه المرجع الوحيد لهذه المعلومة التي تربط السفر (أو يوحنا، أو الرؤيا لا نعرف) بدومتيان فالمفترض أن لا يأخذ كلامه كأمر مسلم به.
بالإضافة لذلك أدلة السفر الداخلية تؤكد إنه كتب في عهد نيرون ويمكننا الرجوع لهذه الأدلة فيما بعد.
أخيراً: بعض الأحباء عرض فكرة أن هذا الموضوع لا يهم ولا يفرق لأنه لن يكون موجودا، وأعتقد أن هذا الرأي فيه الكثير من الخطورة، فهو يخالف ما يقوله الكتاب في سفر الرؤيا نفسه فهو يبدأه بـ"رؤ 1 :3 طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون اقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب" وفي أخر سفر فيه "رؤ 22 :7 ها انا آتي سريعا.طوبى لمن يحفظ اقوال نبوة هذا الكتاب". فالمسيح يقول لنا في بداية ونهاية إعلانه طوبى لمن يحفظ (أي يعمل بـ) أقوال النبوة ونحن نقول we don't care، أعتقد أن هذا الرد لا يليق أن نجيب به رب المجد، فالمفترض علينا أن نقول له ليكن لنا كقولك.
وطبعا لو أخطأ أحدنا في فهم آيات الكتاب فعلينا أن نعود لها ونتحاور لكي نموا أكثر في معرفة الرب، بدلا من أن نقول أنه موضوع لا يهم. فلا أعتقد أن الهنا يكلف نفسه أن يرسل لأبنائه كتاب لا يهم، ولا أعتقد أن إلهنا يأمر عبيده وسيقبل ردهم هذا الأمر لا يهم.
شكرا وتحياتي وأعتذر عن الإطالة وأعتذر لو أزعجت أي منكم
تعليق